ولتختف الخوازيق.. حول مسرحية "شوفير أخو أخته"

365262A
حجم الخط

قد يوحي العنوان بشكل مباشر بأننا أمام مسرحية كوميدية، ويبدو أن كاتبنا العزيز محمد علي طه تدفق سخرية من الواقع في هذه البلاد بعد أن نصبت له السلطات الإسرائيلية "خازوق بدون زيت" بصفته مواطنًا عربيًا كما قال هو نفسه، وقد سجل تصريحه هذا في النشرة التي أصدرتها إدارة مسرح "الجوال" البلدي في مدينة "سخنين" للتعريف على المسرحية.

لعل هذا التصريح يعبر عن مدى وعي ووجع كاتبنا مع الواقع المعيش للأقلية العربية التي تعاني من التمييز العنصري والذي وصل حتى إلى اروقة المحاكم حيث اثبتت الابحاث التي اجرتها الجمعيات الحقوقية بان المواطن العربي يحكم عليه على نفس الجرم الذي ارتكبه المواطن اليهودي اكثر بكثير مما يحكم على المواطن اليهودي، وهذه هي العدالة القرقوشية. ولعل ما يبعث البِشْر في القلب وهو أننا نرى في الفترة الاخيرة بان مسارحنا تغص بالمشاهدين، الأمر الذي يصقل وعي المواطن ويحثه على العمل في سبيل مجتمعه. مسرحية "شوفير اخو أخته" لا تتكلف إذا صح التعبير وإنما تنساب إلى نفس المشاهد بسلاسة بالغة حيث كما يوحي العنوان أيضًا، تتحدث بلغة الشارع، من خلال الشوفير الذي يجوب بسيارة الاجرة البلاد طولًا وعرضًا وهنا يعايش الشوفير الواقع أكثر من غيره لتعبر المسرحية عن واقع الحال بصدق وببراءة متناهية، لذلك هي قريبة من نفس المواطن كما اشرنا. نستطيع أن نقول ان المسرحية كانت غاية في الروعة وهذا يعود إلى عدة عوامل منها التجربة الطويلة لمسرح " الجوال" والذي وفر الاحتياجات والأجواء الدافئة التي تقتضيها الضرورة. المسرحية عمل جماعي بمساهمة الكاتب محمد علي طه المتمرس في كتابة المسرحيات الهادفة، المخرج المبدع فؤاد عوض الذي استطاع بمهنيته وبحبكته الفنية الراقية، ان يعصر.. بل ان يفجر طاقة الممثلين ليتدفقوا في عدة اتجاهات وعدة ادوار. لقد كانت الحركة دائمة مما اثرى المسرحية، والممثلين المتمرسين، ألبير مرعب:- الذي اعطى للمسرحية شحنة جمالية قوية من خلال موسيقاه التصويرية
بيان عنتير:- سليط اللسان الذي كان يعبر بسخرية بالغة عما يواجهه من ممارسات عنصرية خلال تجواله في البلاد.
لمى سعيد نعامنة:- التي مثلت دور اليهودية العنصرية المتعالية.
وشمس زاهر:- الذي قام بعدة ادوار بإتقان متناهٍ.
ومع كل ذلك هناك ملاحظات لا بد منها:- أقول ان ما تعاني منه الجماهير العربية من تمييز عنصري يستحق الاسهاب أكثر وكنت افضل أن تحتل المسرحية مساحة زمنية اطول كي يتسنى تقديم نماذج أخرى وتكون شاملة أكثر، وليس مجرد تقديم نماذج مقتضبة من على رأس الملعقة.
كما اعتقد بان تصوير الواقع تصويرًا فوتوغرافيا احيانًا واستعمال كلمات نابيَّة في الحوار يفقد المشهد الكثير من جماليته الفنية، ويمكن أن تجرح اذواق شريحة لا بأس بها من المشاهدين، ونحن في غنًى عن ذلك، أعتقد أنه يمكن التعبير عن هذا الواقع بأسلوب آخر او بكلمات مهضومة أكثر أو حتى بالحركة المتسربة في غضون الأحداث. يجب تقديم الرسالة أحيانًا بالتحايل، أو إذا شئتم بالرمزية، لان ذلك يضفي جمالية فنية على العمل الابداعي الادبي والفني. وأخيرًا:- آمل أن تختفي الخوازيق التي مع زيت والتي بدون زيت لنفرح معًا، مع كاتبنا محمد علي طه، هذا علمًا بأننا ندرك تمامًا بان الخوازيق لن تختفي بسرعة في ظل الحكومة الفاشية التي تحكم البلاد لذلك وكي تختفي نحن بحاجة إلى بذل الجهد أكثر في التصدي والنضال.. بحاجة إلى أن نرمي بثقلنا أكثر على المؤسسة الحاكمة كي نستطيع أن نَثنيها عن ممارسة العنصرية البغيضة.