استطاعت "جنين غراد"، كما كان يحلو للزعيم الراحل ياسر عرافات تسميتها، أنّ تجعل عملية اقتحام عادية، تجري صباح كل يوم في مدن الضفة الغربية، مُكلفة إلى درجة اهتزاز صورة الردع الإسرائيلية في أوساط الشعب الفلسطيني.
" كمين جنين " الذي تمكن من استدراج مركبة "النمر" شكَّل تغييراً جذرياً في قواعد الاشتباك مع الاحتلال للمرة الأولى مُنذ العام 2002، حيث لجأ إلى إدخال 6 طائرات أباتشي، لتخليص جنوده من كمين آخر نُصب لهم.
"كمين الموت"
فقد نجح المقاومون، بالأمس، من تفجير عبوات ناسفة في آليات عسكرية، كانت إحداها عبوة شديدة الانفجار تسببت بإعطاب آلية مُصفحة وإصابة العديد من جنود الاحتلال بجروح مختلفة، وتبع تفجيرها حزام من النار نصبه المقاومون ودفع الجيش للاستعانة بسلاح الجو لتخليص جنوده، بالإضافة إلى جلب مدرعات في محاولة لسحب مركباته التي تعرضت للعطب، ولم تنجح في مهمتها إلا بعد ثماني ساعات متواصلة من التغطية للخروج من كمين الموت.
يُذكر أنَّ مركبة "النمر" التي تم تفجيرها في جنين، يوم أمس، من نوع "بانتير" وتعنى "الفهد" المخصصة لعمليات اقتحام مدن الضفة. ودخلت الخدمة عام 2021، ويُمكنها حمل 14 جندي وهي مصفحة ضد الرصاص والعبوات الناسفة الصغيرة وتم تطوير دفعاتها ضد العبوات الناسفة بداية العام 2023 ولذلك يُعد تفجيرها صدمة لجيش الاحتلال.
وعقب العملية، دعا رئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية يوسي داغان، إلى شن عملية عسكرية، قائلاً: "أقول للجيش أبدأ العملية الآن ولا تنتظر أن يكون هناك المزيد من الدماء". بينما قال المحلل العسكري لصيحفة يديعوت أحرنوت يوسي يهوشع، الصور التي خرجت بالأمس، من جنين، لبقايا أجزاء المركبات العسكرية المدمرة صور سيئة للردع.
ما سبق يطرح تساؤلات بشأن ذهاب الاحتلال نحو اجتياح واسع لمدن شمال الضفة الغربية على غرار السور الواقي عام 2002، أم سيكتفي الجيش بعمليات موضعية مركزة من خلال الاقتحامات اليومية؟!.
من يُريد المقاومة يذهب إلى جنين
بدوره، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، محمد أبو علان، أنَّ "الاحتلال الإسرائيلي ينظر إلى مخيم جنين، نقطة تجمع لكل ساحات المقاومة"، مُوضحاً أنَّ الاحتلال يُقر بجهود كبيرة تُبذل من أجل تسليح مخيم جنين، وقد أظهرت عملية الأمس، وجود خبرات أكبر من ساحة مخيم جنين، حيث عبر عن ذلك مستوى عسكري إسرائيلي، بوصف ما حدث بـ"الاستثنائي والمتطرف والذي لا يتناسب حجمه، مع ساحة مخيم جنين، لأنّه مثل هذه العبوات كانت تُستخدم من قبل حزب الله أيام الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان".
وأضاف أبو علان، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "وبالتالي فإنَّ هذا التصريح هو اعتراف صريح بأنَّ قدرات المقاومة لم تأت من داخل مخيم جنين لوحده، والشواهد تُبيّن ذلك داخل مخيم جنين وبقية أجزاء الوطن".
وأكمل: "من يُريد المقاومة، يذهب إلى ساحة جنين، ظاهرة المتفجرات من قبل المقاومة الفلسطينية تؤكد وجود نقلة نوعية تحققت للمقاومة، وقد أصبحت واضحة حالة القلق لدى الاحتلال من تطور جنين".
" إسرائيل".. تحتاج ذريعة لاجتياح جنين
وبالحديث عن اجتياح الاحتلال مدن شمال الضفة، قال أبو علان: "إنَّ هناك تباين في وجهات النظر داخل المجتمع الإسرائيلي، بشأن اجتياح مدن شمال الضفة الغربية، فإذا ذهبنا باتجاه المستوى السياسي الإسرائيلي الذي عبر عنه بالدرجة الأولى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، طالب بـ"تنفيذ عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة للقضاء على أوكار الإرهاب" على حد وصفه، كما دعا سمورش في نفس الوقت لعقد جلسة واسعة للكابينت الإسرائيلي من أجل هذا الهدف. بالإضافة لقادة المستوطنين".
وأردف: "المستوى العسكري الإسرائيلي، غير متعجل اتجاه عملية كهذه، فوسائل الإعلام الإسرائيلية وتحديداً القناة الـ13 العبرية، نقلت بالأمس، عن وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت، بجلساته الداخلية المغلقة قوله إنّه لم يكن هناك حاجة لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد شمال الضفة في هذه المرحلة، لكِنه لن يتردد في تنفيذها إذا تطلب الأمر".
واستدرك: " لكِن هناك إجماع على أنَّ أي عملية قادمة للمقاومة قد توقع خسائر في صفوف جيش الاحتلال أو في صفوف المستوطنين، وسيكون هناك عمل عسكري واسع ضد مدن شمال الضفة الغربية".
أما عن المقصود من تصريح جيش الاحتلال، بأنّه "سيستخلص العبر من حدث أمس في جنين، قال أبو علان: "إنَّ أي عملية عسكرية لجيش الاحتلال تؤدي إلى خسائر مادية أو بشرية، سيذهب بعدها لاستخلاص العبر، للاستعداد للعملية القادمة"، لافتاً إلى أنَّ جيش الاحتلال أخذ عينات من بقايا العبوات الناسفة التي انفجرت في المركبات الإسرائيلية؛ لتحليلها ومعرفة نوعيتها ومصدرها.
وتابع: "أما المسالة الثانية فالاحتلال يُريد أنّ يستخلص العبر استعداداً لعملية التفجير القادمة؛ لأنَّ عمليات الاقتحام تحديداً في مخيم جنين لم تعد سهلة، وبحاجة للتخطيط أكثر من قبل، وربما نتيجة الخطورة المتزايدة أصبحت بحاجة إلى قرارات من مستويات عسكرية عليا".
واستطرد: "مستوى الخطورة الحالي يتطلب موافقة قائد جيش الاحتلال في الضفة، وربما يصل لمصادقة قائد المنطقة الوسطي، وأبعد من ذلك ربما قرار من وزير الحرب".
وعن تحريض الاحتلال ضد قادة المقاومة في أعقاب كمين جنين، رأى أبو علان، أنَّ "عمليات التحريض ضد صالح العاوروي وزياد النخالة، ليست جديدة، كما أنَّ عمليات الاغتيال ضد قادة الجهاد في غزّة، مؤشر على ذلك، ما يعني أنَّ الاحتالال لن يُفوت فرصة لتنفيذ عمليات الاغتيال".
وخلص أبو علان، إلى أنَّ "المؤسسة العسكرية تربط الموضوع بمستوى المقاومة، وفي حال تزايد المقاومة ربما تلجأ لهذا الموضوع".