تفجّرت عبوة ناسفة، أول من أمس، بمركبة البانتر المحصنة في جنين، حيث اخترقتها وأصابت خمسة مقاتلين. العبوة ليست قريبة بعد من المستوى المهني الذي ميز عبوات "حزب الله"، حين كان الجيش الإسرائيلي يعمل في جنوب لبنان حتى العام 2000. قدرات وآثار الضرر للعبوات الناسفة التي كانت لدى "حزب الله" قبل نحو 21 سنة تقبلها منظمات "الإرهاب" الفلسطينية اليوم أيضا. هذه الفجوة في القدرات (وكذا هناك حاجة للاعتراف، الحظ) هي السبب المركزي الذي منع إصابة فتاكة في جنين، أول من أمس، رغم اختراق العبوة المركبة المحصنة.
إضافة الى ذلك لا يمكن تجاهل المسيرة المقلقة في السنة الأخيرة، ولا سيما في جنين، والتي بدأت تذكر بقدر ما بميول اللبننة في كل ما يتعلق بتطور استخدام العبوات الناسفة.
حملة "السور الواقي" وغيرها من الاعمال في بداية سنوات الألفين ألحقت ضرراً شديدا بقدرات "التخريب" لمنظمات "الإرهاب" في "المناطق". فالغالبية الساحقة من المختبرات دمرت، وفقدت منظمات "الإرهاب" قدرة مهمة جدا على إنتاج العبوات الناسفة شديدة الانفجار والأحزمة الناسفة التي استخدمها "المخربون الانتحاريون".
تتميز الأشهر الأخيرة بتغيير حصل. فبعد أكثر من سنة من قتال متواصل للجيش الإسرائيلي في حملات عديدة في شمال "السامرة" – في قباطية، برقين، قصبة نابلس، واساسا في جنين – علمت منظمات "الإرهاب" على جلدتها في ظل المصاعب في جباية ثمن دموي من الجيش الإسرائيلي على هذه الاعمال. آلاف عديدة من الرصاصات التي اطلقت نحو قوات الجيش الإسرائيلي في هذه الحملات لم تؤدِ من ناحية "المخربين" الى النتيجة المرغوب فيها. عدد المصابين بين مقاتلي الجيش وحرس الحدود الإسرائيلي متدن جداً بشكل نسبي مقارنة بعشرات عديدة من "المخربين" القتلى.
يجعل التفوق النسبي للجيش الإسرائيلي الأمور صعبة جداً على منظمات "الإرهاب". ففضلا عن الفجوات في الوسائل القتالية والتكنولوجية فان المهام المعقدة على نحو خاص تنفذها أفضل الوحدات الخاصة في جهاز الأمن، "يمام"، ووحدة المستعربين من حرس الحدود في "المناطق"، ودوفدفان، ودوريات خاصة وغيرها.
هذه الفجوة الهائلة في النتائج وفي القدرات تؤدي بمنظمات "الإرهاب"، وعلى رأسها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، الى أن تحاول البحث عن نقاط الضعف. مثلما في لبنان في الماضي، هكذا في الضفة أيضا، تحدد منظمات "الإرهاب" مرحلة السفر إلى الهدف او العودة منه كفرصة للوصول الى انجاز ذي مغزى من خلال ضربة فتاكة ضد آليات الجيش.
هذه عملية تستغرق زمنا. منظمات "الإرهاب" في جنين أيضا لا تزال توجد في بداية الطريق. لكن منذ الآن يمكن أن نلاحظ ميلا واضحاً لمحاولة الوصول الى قدرة ذات مغزى في استخدام العبوات الجانبية ضد قوات الجيش في شمال "السامرة" وأساسا في جنين.
لم تكن حملة أول من أمس حملة استثنائية. مهمة مقاتلي "يمام" ودورية المظليين كانت اعتقال مطلوبين اثنين من "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وفّر "الشاباك" عنهما معلومات حول مشاركتهما في "الإرهاب". تكاد لا تكون نقطة أو زاوية في جنين وفي مخيم اللاجئين في جنين لم تعمل فيها قوات الامن في السنة الأخيرة. حرية العمل كبيرة جداً، ولكن الى جانب ذلك فان الاعمال التي تكرر نفسها تؤدي بمنظمات "الإرهاب" الى ان تتعلم أيضا. وهكذا فان تهديد العبوات يصبح ذا مغزى أكبر كلما تعاظم الاحتكاك.
بدأ الجيش الإسرائيلي، مؤخراً، بتحصين المركبات، في محاولة لمنع ضربة شديدة ضدها. اما "حماس" بالمقابل فتحاول تحسين شدة العبوات. ستؤدي هذه المسيرة بالجيش الإسرائيلي الى أن يركز على الاعمال ضد هذه القدرات وعلى محاولة العثور في المنطقة على تلك المختبرات الصغيرة التي تنتج فيها منظمات "الإرهاب" العبوات الناسفة.
رغم أحداث أول من امس، فان اهون الشرور لدى جهاز الامن لا يدعم حملة كبيرة في شمال "السامرة". فحملة كهذه ستحرف جهاز الأمن عن إيران و"حزب الله"، وستجعل الأمور صعبة على إسرائيل في الملعب السياسي حيال الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، ودول عربية أخرى. فرغم الاقوال المهددة من جانب وزراء في الحكومة، أول من أمس، فان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يؤآف غالنت، يفهمان جيدا بأن لإسرائيل ما تخسره بسبب التصعيد الإضافي في الضفة.
حملات مثل تلك التي كانت أول من امس، مقابل الاعتقالات الليلية تتطلب زمن بقاء أطول في الميدان. من غير المستبعد ان نوعاً كهذا من الحملات سنراه اكثر في الأشهر القريبة القادمة. وذلك دون الحديث في هذه المرحلة عن قرار للخروج الى حملة كبيرة في الضفة. ولكن حتى في هذه الصيغة المقلصة كلما كان في هذه الاعمال قتلى اكثر في الجانب الفلسطيني هكذا أيضا يزيد احتمال الانزلاق الى تصعيد اكبر في الضفة، وربما أيضا في قطاع غزة. هكذا بحيث أن مهمة جهاز الأمن هي إيجاد الطريق الذهبي المتمثل في مواصلة تنفيذ الاعتقالات دون التدهور الى تصعيد.
عن "معاريف"