إسرائيل في مواجهة أنفاق "حماس": هجوم وقائي.. أم انتظار يقظ؟

3cd8dd3f9e9245fc3a697b395f25dcb1
حجم الخط

 


 لم تنجح جولات القتال المتكررة في غزة في الوصول الى الهدف الاستراتيجي لتجريد القطاع من السلاح. وعليه فليس مفاجئاً أن تكون «حماس» تبذل جهودا مركزية في حفر الانفاق. فالشكل الذي انتهت به حملة «الجرف الصامد» أثبت لـ»حماس» بان الاداة الاستراتيجية الوحيدة التي حظيت بها بانجاز ذي مغزى كانت في مجال الانفاق الهجومية. كل الجهود العسكرية الاخرى لها فشلت فشلا ذريعا. وفضلا عن ذلك فان عدم الرغبة المتبادلة للانجرار الى جولة اخرى تمنع معالجة اسرائيل لتعاظم قوة «حماس»، وتتميز بسلبية قسرية تنشأ عن صعوبة فرض منع إدخال المؤن إلى غزة.
ورغم استيقاظ البحث في تهديد الأنفاق، ينبغي لنا ان نفهم بأن هذا ليس وضعاً جديداً بل تحدٍ معروف لاصحاب القرار. ولما كان هكذا، فمن المهم ان يوجه البحث الى مسألة الرد الاسرائيلي بشكل يتوقع نهاية العملية. فالمسألة المركزية هي تعريف الخط الاحمر الذي يستوجب تجاوزه عملا ما.
في نظري، الخط الاحمر هو الانفاق التي تجتاز بيقين الحدود أو مدى معينا قريباً من الحدود. في الواقع الذي يكون فيه الوضع المتشكل لا يطاق فان الادوات المعروفة تماما لاسرائيل هي هجوم وقائي أو ضربة استباقية. هجوم وقائي هو مبادرة للعمل ضد مبنى القوة الاستراتيجية للعدو، بالمفاجأة وبلا معلومات ملموسة مسبقة عن توقيت استخدام التهديد من جانب العدو. ضربة مسبقة هي أيضا الهجوم قبل أن يهاجم العدو، ولكن حين يكون هناك يقين عن تفعيل قوته في وقت قريب.
الهجوم الوقائي والضربة الاستباقية معروفان جيدا في مفهوم الامن الاسرائيلي، من حملة سيناء في العام 1956 وحتى الهجوم المنسوب لها على المنشأة النووية في سورية في العام 2007. ولكن التغيير في المحيط الاستراتيجي يفرض شكا على صلاحية هذه العقيدة. والدليل هو أنه في السنوات الاخيرة تطرح هذه المسألة حول تهديدات اكثر خطورة بكثير، مثل تهديد «حزب الله»، وحتى الان لم يتخذ قرار بالعمل ضد هذه القدرات. فهل يكون المنطق تجاه «حماس» مختلفا؟
عامل حاسم يمكن له أن يساعد في اتخاذ مثل هذا القرار يكمن في وجود معلومة استخبارية نوعية، تخلق عددا من الخيارات. الخيار الاول هو المعالجة الموضعية للانفاق التي تجتاز الجدار. في هذه الحالة على العملية ان تكون ضيقة. الخيار الثاني هو معالجة عامة، تتضمن كل فوهات الانفاق في مدى 3 – 4 كم من الجدار. وينطوي الخياران على احتمال عال بالتصعيد. وعليه، فان على اسرائيل ان تطور خياراً ثالثاً، اساسه تجلد وانتظار المواجهة التالية في ظل النية لاطالة فترة الهدوء قدر الامكان.
          في المواجهة المستقبلية من المرغوب فيه معالجة مسألة الانفاق بضربة استباقية. هذه هي طريقة العمل الموصى بها. وتطور مهم بوسعه أن يدعم هذا الخيار هو تطوير تكنولوجيا للعثور على فوهات الانفاق أو سدها. ينبغي الافتراض بان قبة حديدية «تحتية» ستغير وضع اسرائيل الابتدائي في المواجهة التالية.
          عامل آخر تشترك فيه كل الخيارات: المواجهة التالية، آجلا ام عاجلا، توجد خلف الزاوية. وعليه، فان المسألة الاهم هي مسألة غاية المواجهة المستقبلية. فمجرد وجود الميزان الاستراتيجي الراهن بين اسرائيل و»حماس» هو إخفاق نشأ في أعقاب غياب غاية استراتيجية سليمة لمواجهات الماضي.
          ان الشكل الذي خرجت فيه إسرائيل من «الجرف الصامد» – في «تعادل استراتيجي غير متماثل» – لم يضمن أي تغيير في الوضع، والشكل الذي دارت فيه المعركة لم يسعَ الى تغيير الواقع. وعليه فان على اسرائيل أن تسأل نفسها اسئلة اساسية مثل طريقة منع «حماس» من التعاظم المستقبلي في قوتها وهل من المرغوب فيه العمل على انهاء حكم «حماس» في غزة؟
          بعد استيضاح معمق للغاية الاستراتيجية ينبغي فحص مسألة اخرى. التوقيت الحالي يزيد احتمال الاشتعال في ساحة اخرى: «الارهاب» في «يهودا» و»السامرة» وفي الأراضي الإسرائيلية يزداد، والتصعيد في غزة من شأنه أن يجر تطورات سلبية في مناطق اخرى ايضا. ليس في ذلك ما يمنع عملية ضرورية، ولكن من المجدي وزن الخطوات جيدا.
          وعليه، فانه حيال الواقع المركب على اسرائيل ان تقرر خطاً أحمر يستوجب اجتيازه هجوما وقائيا. وعلى مثل هذا الهجوم ان يكون قصيرا وشديدا وينشأ في ضوء غاية استراتيجية واضحة. كل اختيار آخر سيؤدي بنا الى ان نجري النقاش ذاته بعد مواجهة اخرى مع «حماس»، وربما مع لاعبين آخرين في ساحات أخرى.
 عن «يديعوت»
 
*لواء احتياط، رئيس معهد بحوث الامن القومي.