ذهب الكثير من المحللين النفسيين على تشريح شخصية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فمنهم ما قال بأنه صاحب شخصية انبساطية كثير العلاقات على المستوى الشخصي وتوافقية يميل إلى الصراع والجدال، وربما الصراع مع الأفكار، ولا يهتم بالأخرين، ولا بتوجهاتهم، أما على صعيد الضبط القيمي لديه ضعف في المنظومة الأخلاقية، فلا يلتزم بالضوابط والأعراف، ولا يلتزم بالنظام والبروتوكولات ، ولا يعرف السلوك الاجتماعي النمطي المهذب، هذا وقد وصف السيناتور الأميركي تيد كروز الرئيسَ المنتهية ولايته دونالد ترامب ذات مرة بأنه "نرجسي على مستوى لا أعتقد أن هذا البلد قد رآه على الإطلاق من قبل". ويعكس هذا الوصف ما خلص إليه العديد من أطباء علم النفس خلال السنوات القليلة الماضية، فالبروفيسور دان ماك آدمز الذي يُدرس في جامعة ويسترن الشمالية الواقعة خارج مدينة شيكاغو قال ترامب شخص نرجسي أصيل وبدرجة كبيرة، يحب ويعشق نفسه كأعظم شيء جميل في الكون، ورغم أن معظم النرجسيين يحبون أنفسهم كـ "أشخاص" فإن ترامب يحب نفسه كـ "شيء"، فهو لا يرى نفسه كشخص عادي مثل البشر، غير معصوم وخاضع للمعاناة، فهو حتماً يواجه صراع مرير مع نفسه.
سلوك ترامب يترجم على الأرض
وقد ظهر هذا السلوك عندما تناول الملفات المهمة في الشرق الأوسط ومنها القضية الفلسطينية، والتي امعن فيها لحد التقزيم محاولاً انهائها بشتى السبل، فكان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في عهده خطوة اثارت حفيظة العالم حتى رؤساء البيت الأبيض الذين سبقوه في الحكم، كما اعترف بسيادة الكيان على ارض الجولان الذي احتلته إسرائيل في عام 1967، مثل هذا التصرف الأرعن في إدارة الصراع لرئيس دولة أحادية القطب في العالم، دفع جهابذة التحليل النفسي لتوصيف حالته المرضية النفسية بنتائج كانت متقاربة لحد بعيد بين الأخصائيين النفسيين الذين درسوا حالته النفسية، نتائج التشخيص كلها إشارت بإصابة باضطراب نفسي، فهو بحاجة لعلاج وتوجيه وليس لدعمه أو التصويت له في الانتخابات الرئاسية، في الحقيقة هذه الدراسات التي تتعلق بمرض ترامب غير ملزمة، فرغم تفاوت نتائج الدراسات وطبيعة ما يصاب به الرئيس الأمريكي السابق لم يجد آذانا صاغية لدى داعميه مؤيديه.
اليوم يوجه ل دونالد ترامب 37 تهمة تتعلق باحتفاظه دون وجه حق بوثائق مرتبطة بالأمن القومي عندما ترك منصبه، وفضلاً عن الكذب على مسؤولين سعوا إلى استعادتها، كما يتهم ترامب بالاحتفاظ بوثائق تضمنت معلومات حول البرنامج النووي الأمريكي السري، وثغرات محلية محتملة لدى الولايات المتحدة في حالة وقوع هجوم. تقول لائحة الاتهام المؤلفة من 49 صفحة، إن ترامب أظهر بعض الوثائق لأشخاص ليس لديهم تصاريح أمنية لمراجعتها، وتتضمن اللائحة أيضا صوراً تظهر الصناديق التي كان من المفترض أن تكون في الأرشيف الوطني مكدسة في قاعات رقص وغرف نوم وحمام في منتجع مارالاغو، مقر سكن ترامب في بالم بيتش، ويتهم المستشار الخاص جاك سميث، ترامب بالمخاطرة بالأسرار الوطنية، من خلال أخذ آلاف الأوراق الحساسة معه عندما غادر البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2021، وتخزينها بطريقة عشوائية في منزله في فلوريدا ونادي الغولف في نيوجيرزي.
الحيّل الدفاعية غير مجدية
نفى دونالد ترامب عشرات التهم الجنائية الموجهة إليه والمتعلقة بتعمد إساءة التعامل مع وثائق سرية للحكومة الأمريكية، والتخطيط لعدم إعادتها، في أول مثول تاريخي لرئيس أمريكي الثلاثاء أمام محكمة فدرالية وهذا مل يعزز ما قاله المحلل النفسي البروفيسور دان ماك آدمز حول نرجسية ترامب، فهو ماضي في انكار التهم المنسوبة إليه، ليس فقط من اجل البراءة فحسب، فالدافع النرجسي له دور كبير بأنه لا يخطئ، وسلوكه فوق البشر، ويفوقهم في قدرته التفكيرية والعقلية وكأنه الإنسان المختار كشعب الله المختار التي ينعت بها اليهود انفسهم زوراً.
قد يكون عدم خضوع المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية وغيرها لاختبارات نفسية وعقلية سقطة كبيرة في نظام الانتخابات، وهذه النقطة تحسب من ضمن عجز ما انتجه الفلاسفة في الميدان السياسي، فكان لا بد من وضع الأولية للقياس النفسي والاختبارات التي تبين خلو أي مرشح من الأمراض النفسية، وكان يجب أن يرفق عند تقديم أوراق الترشح " السيرة الذاتية" شهادة خلو المرشح من الأمراض الجسدية والنفسية في آن واحد. بهذا اختم حتى اللحظة لم تخرج المحكمة بقرارات تدين ترامب، وهذا مرهون بهيئة الدفاع عن ترامب، وتجميع الأدلة لإدانته، علماً بإن بداية الدعاية الانتخابية للانتخابات القادمة قد حان وحسب استطلاعات الرأي اشارت لتفوق ترامب على بادين بفارق ست نقاط، ويرى محللون أن "توجيه اتهامات إلى الرئيس السابق ترامب لم يكن له أي تأثير على تقدمه ضد جو بايدن الذي لا يزال تصنيف الرضا عن وظيفته عند 43%". لهذا يبقى حسم مصير ترامب السياسي ضبابي حتى اللحظة.