التاريخ لا يتكرر، ولكنه كثيراً ما يتشابه، ويمكن أن ترشدنا بعض التجارب التاريخية لفهم الواقع الحالي، والتنبؤ بالمستقبل.
في هذا السياق إذا ما دققنا النظر في الدروس التاريخية الرئيسية من منافسات القوى العظمى في النظام الدولي متعدد الأقطاب قبل الحرب العالمية الأولى، يمكننا الوقوف على حالة متشابهة نسبياً مع ما يجري الآن في روسيا.
أولاً: التجربة التاريخية.
بحلول عام 1900 كانت بريطانيا العظمى قد تنافست بقوة مع الإمبراطورية الروسية على النفوذ والسلطة في جميع انحاء العالم لما يقارب من قرن من الزمن.
في مايو 1905 عانت روسيا من هزيمة عسكرية ساحقة على أيدي البحرية اليابانية في مضيق "تسوشيما"، اندلعت بعدها انتفاضة ثورية شعبية من قبل ملايين الروس ضد حكومة نيكولاس الثاني رومانوف، بما وفر فرصة استراتيجية للندن لإسقاط روسيا.
فكر صناع السياسة البريطانيون كثيرا في الإطاحة بحكومة رومانوف، ولكن قرروا الحفاظ على روسيا بدلاً من اسقاطها، لاعتبارين مرتبطين ببنية النظام الدولي:*
الإمبراطورية الألمانية، رأوا أن ألمانيا الإمبراطورية هي أخطر تهديد لمكانة بريطانيا في النظام الدولي، لذلك قامت الاستراتيجية البريطانية على أن تظل روسيا منافساً مدمراً ضعيفاً، ولكن سليم القوة لكبح جماح طموحات ألمانيا، إن عدم الاستقرار الفوضوي الناجم عن روسيا المهزومة تماماً من شأنه أن يفيد ألمانيا أكثر من بريطانيا العظمى.
اليابان، اتفقت بريطانيا العظمى مع أميركا الصاعدة على أن الانهيار الروسي الكامل يمكن أن يترك فراغاً في السلطة في جميع أنحاء شمال شرق آسيا ستملأه طوكيو بسرعة، وهذا من شأنه أن يسهل صعود القوة العظمى لليابان ويهدد المصالح الاستراتيجية الأنجلو أمريكية على المدى الطويل.
الحلول التاريخية، تمكنت بريطانيا من إدارة انحدار روسيا حتى لا تكتسب ألمانيًا واليابان ميزة استراتيجية، من خلال الحفاظ على معاهدتها العسكرية لعام 1902 مع اليابان، ودعم وساطة الرئيس الأمريكي روزفلت لمعاهدة سلام روسية يابانية في "بورتسموث" في أواخر عام 1905 تجنبت الإذلال الروسي الكامل، والحفاظ على تماسك الدولة.
ثانيا: التجربة الراهنة واحتمالات المستقبل.
أوجه التشابه مع التجربة الراهنة، صعود الصين موازي لصعود اليابان وألمانيا في النظام الدولي، وتمرد فاغنر موازي للانتفاضة الشعبية الروسية.
الانهيار الكامل لروسيا اليوم سيعطي فرص لصعود الصين في النظام الدولي وتصبح على تخوم أوروبا، تمرد فاغنر ممكن ان يؤدي لحرب أهلية داخلية بين العرقيات المتعددة، تؤدي لحالة فوضى تهدد بانتشار أسلحة النووية في أيدي غير مسؤولة تعرض امن واستقرار أوروبا والغرب للخطر الشديد.
للحد من خطر عدم الاستقرار الفوضوي في جميع أنحاء أوراسيا وتقليل المكاسب الصينية، يدفع الغرب وواشنطن معالجة الآثار الاستراتيجية المترتبة على الانحدار الروسي، والحفاظ على تماسك روسيا كدولة لمنع الفوضى وصعود الصين، ولكن مع بقائها ضعيفة في مواجهة الغرب.
وفقاً لهذا المنظور، الغرب يدير ازمة روسيا الصين أوكرانيا فاغنر، بشكل أشبه بتعامل لندن مع روسيا في عام 1905 .
يمكن أن تبدأ دبلوماسية القنوات الخلفية مع خلفاء بوتين المحتملين، والتأكيد على أن اتفاق سلام عادل مع أوكرانيا يمكن أن ينقذ روسيا من هيمنة الصين وحالة الفوضى الكاملة.
قد يحتاج الأمر إلى ابعاد بوتين، حتى تتمكن روسيا وأوكرانيا من التوسط في اتفاق سلام، وقد تلعب تركيا او فرنسا دور رئيسي في اتفاق السلام، على غرار اتفاق السلام 1905 بين روسيا واليابان