تصريحات وتسريبات نتنياهو بقطع الطريق على الفلسطينيين وعدم إقامة دولة فلسطينية ..!

تنزيل (1).jfif
حجم الخط

بقلم د. عبد الرحيم جاموس

 

 لا جديد في تصريحات وتسريبات نتنياهو مؤخرا بشأن مشروع حل الدولتين، والتي جاءت وبكل وضوح معبرة عن مواقفه الصهيونية المبدئية ومواقف حكومات اليمين الصهيوني المتعاقبة، فقد سبق له أن عبر عن ذلك منذ توليه حكومته الأولى بعد مقتل رابين وانتخابات عام 1996 م.

لأن الصهيونية والسلام متناقضان لا يلتقيان، لأن الصهيونية ترتكز على مفاهيم إستعمارية إستيطانية عنصرية غير قابلة للعيش والوجود دون توسع واستيطان وممارسة العنف والإرهاب، من أجل تحقيق مشروعها العدواني العنصري التوسعي الإحلالي، الصهيونية كما تقدم نفسها هي (حركة التحرر القومي للشعب اليهودي) وتهدف إلى إقامة وطن قومي له، قبل أن تحدد فلسطين لتحقيق هذه الغاية كانت معومة فأقترحت الأرجنتين، ثم أقترحت أوغندا، إلى أن جرى التوافق بين الدول الإستعمارية في مؤتمرها الإستعماري من 1905 إلى 1907 على أن يكون إقليم فلسطين هو الغاية والهدف الأفضل لإقامة هذا الوطن القومي المزعوم للصهاينة اليهود.

الفكرة الصهيونية يرتكز تنفيذها على أدوات عدوانية عنيفة ومزدوجة حتى يتم تنفيذها وإخراجها إلى حيز الوجود، عنف يوجه إلى الطوائف اليهودية حيث توجد لدفعها للقبول بها وسلخها عن مجتمعاتها، ودفعها إلى الهجرة إلى الإقليم المستهدف (فلسطين) للإستيطان فيه، وهنا يسهل توظيف جملة الأساطير التوراتية عن ما يسمى أرض الميعاد، وعنف آخر كان لابد أن يوجه ضد شعب الإقليم المستهدف (فلسطين)، فالعنف والعدوان هما الأداة الرئيسية للمشروع الصهيوني، ومن أجل تبرير الإغتصاب للإقليم المستهدف وإقناع اليهود بالهجرة إليه جرى التضليل لهم أن هذه أرض الآباء والأجداد وهي أرض الميعاد الموعودة من الرب، وهي أرض خلاء لسكان فيها، تلك جميعها إدعاءات مزورة وكاذبة وتضليلية، استخدمت من قبل الحركة الإستعمارية والصهيونية ليظهر مشروعها كمنقذ لشتات الطوائف اليهودية من الإضطهاد الذي تتعرض إليه في مجتمعاتها المختلفة، خاصة في أوروبا، من هنا كان التزاوج والتوافق بين الحركة الصهيونية وحركة الإستعمار الأوروبي الفاشية وثم النازية.

لم يكن بالإمكان تنفيذ المشروع الصهيوني على أرض فلسطين دون التبني الكامل له من قبل الحركة الإستعمارية الأوروبية بقيادة بريطانيا ثم وريثتها في قيادة الإستعمار والإمبريالية العالمية الولايات المتحدة الأمريكية.

هكذا فإن إستمرار المشروع الصهيوني وإحكام سيطرته المطلقة على كامل فلسطين لا يمكن أن يتم بالطرق السلمية، وإنما فقط بالعنف والإرهاب، الذي مورس ضد الشعب الفلسطيني والذي لا يمكن له أن يتوقف، لأن توقفه يعني نهاية المشروع الصهيوني وزواله.

بناء عليه لم يخطر في فكر الرواد الصهاينة ولا في فكر قادة (المستعمرة الإسرائيلية) حاليا أي فكرة عن التسوية أو السلام، أو التوصل إلى حل وسط مع الشعب الفلسطيني على الإطلاق.

لأن إنكار الوجود للشعب الفلسطيني والإستحواذ والسيطرة على أرضه، يمثل الغاية والركيزة الأساسية لتحقيق الهدف الصهيوني في (إنشاء ما يسموه بالوطن القومي اليهودي العنصري الإستيطاني، الذي تقوم فيه العلاقة بين الفرد والدولة على أساس الدين اليهودي فقط، وإعتبار اليهودية دين وقومية في الوقت ذاته)، والعمل على إسقاط أية حقوق قومية فيه للآخرين من الشعب الفلسطيني مسلميه ومسيحييه وأية ديانة أخرى.

هذا الكيان القائم على هذه الأسس العنصرية، التي تلتقي فيها مواقف قادته ونخبه المؤسسة والحاكمة فيما بعد، يضعه في حالة نقيضة للسلام ولكل أشكال التسويات الوسط التي تضمن حقوق الآخرين من السكان الأصليين وأصحاب الأرض الشرعيين الفلسطينيين، فلا غرابة أن نجد النخب المتنافسة اليوم على الحكم في الكيان الصهيوني، تتنافس دائما في كيفية شطب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وإنكار وجوده والتوسع والإستيطان في أرضه المحتلة، وهكذا لم يتورع نتنياهو عن نشر مقالة له في جريدة إسرائيل اليوم في 17 / فبراير 2020 م (يفسر فيها كيفية العمل على إلغاء الوجود الفلسطيني وسعيه إلى فرض إسرائيل الكبرى من خلال إتفاقه مع الرئيس ترامب) بكل عنجهية وصلافة متحدياً المجتمع والقانون الدولي، تلك هي ما كانت تسمى صفقة القرن ..!

فلا مكان للتسوية وللسلام في الفكر الصهيوني وفكر قادته، فهو أمام خيارين إما الزوال، أو البقاء مستنداً إلى مواصلة ممارسة العنف والإرهاب وقانون الغزو.

من هنا نؤكد عدم استغربنا للتسريبات والتصريحات التي نسبت مؤخرا إلى نتنياهو والتي تفيد وتعبر عنه وعن حكومته اليمينية المتطرفة بقطع الطريق على الفلسطينيين وعدم السماح بإقامة الدولة الفلسطينية وبالتالي التنكر التام لليهود الدولية المساندة إلى مبدأ حل الدولتين، وهذا يعدُ تحد واضح للمجتمع الدولي وللشرعية الدولية وللقانون الدولي، وتأكيد على رفض مبادرة السلام العربية، وتنصلا من كافة الإتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وأيضا مع بقية الدول الغربية التي تهدف اساسا إلى احقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني جوهر الصراع القائم.

الشعب الفلسطيني وقيادته لن يستلموا لرغبات نتنياهو وحكومته، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك خطورة هذه المواقف الصهيونية الفاشية والعدوانية وخطورتها على الأمن والسلم الدوليين، وعليهم أن يقفوا إلى جانب نضال وكفاح الشعب الفلسطيني المشروع لأجل انتزاع حقوقه الوطنية المشروعة وغير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقه في عودته إلى وطنه وفق القرار 194 لسنة 1948 م وإنهاء الإحتلال والإستيطان لأراضيه المحتلة، وتمكينه من حقه في تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس..