حوارة، ترمسعيا، عوريف وماذا بعد ..؟

P5VlX.jpg
حجم الخط

بقلم د. هاني العقاد

 

قبل ما يقارب التسع سنوات من الان اعتدي جيش الاحتلال على مسيرة لزراعة اشجار في بلدة (ترمسعيا ) استشهد على اثرها الوزير ( زياد أبو عين) بعد ان اعتدي الجيش عليه وعلي المشاركين في المسيرة واطلقوا العديد من قنابل الغاز السام التي استهدف بها الجنود المسيرة التي يتقدمها الشهيد (زياد أبو عين) مما أدي لسقوطه على الارض واستشهاده في مشفي رام الله الحكومي .اليوم يتقدم المستوطنون بحماية الجيش وينفذوا هجمات إرهابية على القري الفلسطينية القريبة من مستوطناتهم بالضفة الغربية وهذا يعتبر استمرار لنهج العمل العصابي اليهودي المتطرف ويشكل تهديد خطير لكافة سكان القري والمدن الفلسطينية ومنها اليوم ( ترمسعيا وعوريف واللبن الشرقية وسنجل )باعتبارها قري توقف التوسع الاستيطاني لمستعمرة (عيلي) الاستيطانية . استلغت حكومة الاستعمار والتطرف الحدث الذي وقع في مستوطنة (عيلي) بمقتل اربع مستوطنين بعملية فدائية بطولية ونفذوا هجوما إرهابيا ووحشيا كبيراً على قرية ترمسعيا التي يسكنها غالبية فلسطينية يحملون الجنسية الأمريكية بالإضافة الى قري (عوريف) التي يسكنها منفذا العملية الفدائية في مستعمرة عيلي.

اكثر من 400 مستوطن مسلحين بالأسلحة الاتوماتيكية والمسدسات وقنابل الملتوف والسكاكين انطلقوا من عدة مستوطنات بالضفة الغربية مستهدفين ترمسعيا والقري المجاورة فكان التركيز على ترمسعيا لأنها القرية الأقرب لمستوطنة (عيلي) والتي يطمح المستوطنين مصادرة المزيد من أراضيها لتوسعة المستوطنة وتحويلها الي مدينة إسرائيلية كبيرة لتنضم الي المستوطنات الأربع الكبرى في الضفة الغربية والتي يعتبرها الاحتلال مدن إسرائيلية في وسط الضفة الغربية, اعتدي المستوطنون على المواطنين الفلسطينيين واطلقوا الرصاص الحي واصابوا العديد منهم فيما استشهد الشاب ( عمر جبارة ) بعد اصابته بطلق ناري في الجزء العلوي من الجسم واحرق المستوطنون اكثر من 30 منزل بالكامل و 60 سيارة وعشرات الدنمات المزروعة بأشجار الزيتون والهدف افراغ القرية من سكانها واجبارهم على الرحيل بذات الأسلوب الإرهابي الذي اتبعته منظمات (الارغون وشتيرن والهاغاناة) وغيرها ابان النكبة , وكل هذا كان يجري بحماية جيش الاحتلال وامداد المستوطنين بالرصاص والأسلحة اللازمة لتنفيذ الهجوم.

صحيفة هآرتس قالت “ان المستوطنين خرجوا من المستوطنات بتحريض من وزراء الحكومة والعديد من أعضاء الكنيست وتغطية قانونية وامنية من قبل المؤسستين العسكرية والأمنية” وهذا بات مؤكدا وللمرة الثانية خلال عام تعطي حكومة نتنياهو الضوء الأخضر للمستوطنين لتنفيذ هجماتهم الإرهابية , فقد احرق المستوطنين بلدة حوارة فبراير الماضي وارتكبوا العديد من الجرائم ,منها جريمة لقتل شاب من القرية وإصابة العديد من السكان بعد ان هتفوا “الموت للعرب”, الغريب ان الهجوم على حوارة واحراق منازلها جاء بعد ساعات ومن كتابة بيان قمة العقبة الأمنية التي شاركت في مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل والامارات والمغرب ورجال مستشارية الامن القومي الأمريكي في محاولة أمريكية لاستعادة الهدوء من جديد في الضفة الغربية بعد تصاعد المشهد وتحوله الي مشهد اكثر دموية على اعتقاد ان انهم يستطيعوا استعادة الهدوء بالضفة الغربية دون ان يلزموا إسرائيل الكيان المحتل باي إجراءات لاستعادة الثقة مع الفلسطينيين.

اليوم وقع هجوم (ترمسعيا) مع اقتراب عقد المنتدى الأمني بالنسخة الثالثة في المغرب والذي تم تأجيله بسبب هذه الاحداث الارهابية الي شعار اخر لأنه لن يقدم ولن يؤخر وستبقي دولة الاحتلال تحرض المستوطنين على تنفيذ هجمات إرهابية ودامية على المواطنين الفلسطينيين ولكون الامريكان عرفوا مسبقا ان الفلسطينيين لن يشاركوا في هذا المنتدى الذي يأتي والمشهد متفجر وعقدة يعني مغامرة فارغة يعكر مسار التحرك الأمريكي في المنطقة. وكما المرة السابقة فان احراق ترمسعيا حدث في ظل وجود مساعد وزير الخارجية الامريكي ( باربارا ليف ) التي عقدت عدة اجتماعات مع المسؤولين الإسرائيليين لتهدئة المشهد لكن اعتقد ان وجودها لا يقدم ولا يؤخر وكأنها في مكتبها بوزارة الخارجية بواشنطن , وكانت قد انهت للتو اجتماعها مع المسؤولين الإسرائيليين وبعدها نفذ جيش الاحتلال عملية اغتيال لثلاثة شبان فلسطينيين بطائرة مسيرة في جنين ما اكد ان دولة الاحتلال قد اعتمدت سياسية الاغتيالات من جديد بحق النشطاء الفلسطينيين من الجو ما يعني اننا امام مسار معقد من المواجهة سوف يوسع الفعل وردة الفعل وهوما قد يفتح المجال لمزيد من الهجمات الإرهابية للمستوطنين على مدن وقري فلسطينية اخري وبتشجيع المستوي السياسي وبحماية المستويين العسكري والأمني.

الأصوات الدولية جاءت خافتة وعلى استحياء ولا ترتقي لمستوي جريمة الهجوم على ترمسعيا بالرغم من بشاعة المشهد ووصول العديد من الصور البشعة لكافة وزرات الخارجية بالعالم والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتي مجلس الامن الذي تسلم رسالة فلسطينية تحذر من تمادي حكومة الاحتلال في استخدام المستوطنين كأداة حرب غير مباشرة لتغير الديموغرافيا والجغرافيا في الضفة الغربية وبالتالي شطب الهوية السياسية الفلسطينية ليهيئ لتغير الخارطة السياسية الفلسطينية بالكامل وتحويل المدن الكبرى بالضفة الي كانتونات إدارية بحكام يعملون مع السلطات الاحتلال مباشرة. ولعل صمت العالم وادانته الصورية لحدث احراق حوارة دون ان تكون هناك إجراءات سياسية حقيقية تلزم دولة الاحتلال بوقف دفع المستوطنين وتحريضهم لارتكاب مثل هذه الجرائم التي يعرفها القانون الدولي بانها إرهاب منظم وخطير هو الذي شجع حكومة نتنياهو على الايعاز للمستوطنين بتنفيذ هجوما أخر على ترمسعيا والقري المجاورة , اليوم نحن امام حدث يتكرر وصمت دولي مقصود بالتأكيد سيؤدي لهجمات اخري اكثر بشاعة على المواطنين الفلسطينيين حتي لو كانوا يحولا جنسيات العالم كله, حتي لا تتكرر الجريمة وتصبح سياسة للمستوطنين الحق فيها بات على العالم على الأقل ان يعلن عدد من المنظمات الإرهابية الاستيطانية التي شارك أعضائها في الهجوم على حوارة ترمسعيا منظمات إرهابية يجب ان يلاحق أعضاءها قانونيا ومحاكمتهم امام محكمة العدل الدولية بتهمة الإرهاب المنظم بالإضافة للسعي لاستصدار قرار من مجلس الامن يقضي باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارا 2334لعام 2016 الذي يعتبر الاستيطان في الأرض المحتلة عام 1967 غير شرعي يجب ان يتقف فورا واتخاذ قارات جديدة توفر الحماية للمدنيين الفلسطينيين امام هجمات المستوطنين الإرهابية لان جيش الاحتلال غير قادر على فعل ذلك.