المعارضة الإسرائيلية مع حكومتها في مواجهة الفلسطينيين

images
حجم الخط

 


بعد نحو خمسة عشر عاماً من "التحاق" اليسار الإسرائيلي، ممثلاً بحزبه التاريخي _ العمل بالحزب الحاكم "الليكود"، اختفى تدريجياً ما يسمى باليسار الإسرائيلي عن الخارطة الداخلية الإسرائيلية، وحل مكانه كمعارض، كاديما _ الوسط، وفي كل جولة انتخابية، كان اليمين الإسرائيلي يتعزز دون منافس _ تقريباً، حتى بات اليمين المتطرف هو الشريك، وربما المعارض، في "دولة" يراد أن يستمر الإيهام بأنها "دولة" ديمقراطية.
في انتخابات الكنيست العشرين التي جرت، قبل نحو عام، أي في آذار من العام الماضي 2015، ظهر فجأة حزب العمل كمنافس لليكود اليميني، حتى أن استطلاعات الرأي، قبل إجراء الانتخابات تنبأت له بالفوز، وبالتالي بتشكيل الحكومة مناصفة بين اسحق هيرتسوغ وتسيفي ليفني، لكن فجأة قلب بنيامين نتنياهو لهما ظهر المجنّ، وفاز بأغلبية يمينية بسيطة، حكومة ضيقة، بأغلبية صوت واحد، بعد انسحاب شريكه "التاريخي" افيغدور ليبرمان من ائتلافه الحكومي. 
توقع الكثيرون بأن تشكل المعارضة برئاسة هيرتسوغ، قوة كابحة لحكومة نتنياهو، وحتى بأنه قد لا يمر كثير من الوقت حتى تقوم بإسقاطها، لكن بعد مرور عام، شيء من هذا لم يحدث، ويكاد أحد لا يسمع صوت للمعارضة الإسرائيلية، بل إن سياسة العمل برئاسة هيرتسوغ تتوافق تماماً مع سياسة الحكومة، خاصة فيما يخص الملف الفلسطيني، وعلى وجه أكثر خصوصية، مواجهة الهبة الشبابية المندلعة منذ أكثر من أربعة أشهر.
وصل الأمر إلى حد التنظير من قبل هيرتسوغ لسياسة حكومة نتنياهو حسب يديعوت أحرونوت، وبتقديرنا فإن أخطر ما وصل إليه خطاب المعارضة الإسرائيلية هو ذلك المتمثل بما سمي بالمبادرة السياسية التي طرحها زعيم المعارضة الإسرائيلية، وتتلخص في الدعوة إلى الفصل على وجه السرعة بين ما سمّاه التجمعات الفلسطينية وإسرائيل الاستيطانية، وإقامة جدار يفصل بين "التجمعات السكانية الفلسطينية في القدس عن إسرائيل، وكان من الطبيعي أن تؤيد الأغلبية اليهودية في إسرائيل هذه المبادرة.
أي أن إسرائيل بيمينها ويسارها لم تعد "موحدة" فقط فيما يخص القدس بشرقها وغربها، بل برؤية الحل في الضفة الغربية، وهي بالطبع ليست حل الدولتين ولا الحل القائم على أساس الاتفاق مع "شريك" فلسطيني، بل الحل من جانب واحد، والقائم على أساس ما سبق وان طرحه اليمين الإسرائيلي منذ كامب ديفيد 1978 وحتى الآن، وهو الحكم الذاتي المحدود، وفي أقصى الأحوال الانسحاب من 60 % من أراضي الضفة الغربية ومن جانب واحد!
هذا الموقف السياسي للمعارضة الإسرائيلية لا يساعد جدا في استقرار حكومة نتنياهو وحسب، بل يساهم في أن تستمر في إدارة الظهر، رغم وجود الهبة الشبابية للجانب الفلسطيني والاستمرار في إغلاق كل المنافذ أمام احتمالات العودة للتفاوض على الحل السياسي. 
وهذا يؤكد ما سبق وأن أشرنا إليه في أكثر من مقال سابق، من أن إسرائيل، ذاهبة للانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، عبر إقامة المعازل والجدران الفاصلة داخل الضفة، وعلى طريق فرض الحل الاحتلالي الذي يناسبها ومن جانب واحد، وذلك لتحقيق الهدف الأمني، كما فعلت عام 2002، والهدف السياسي، كما فعلت بغزة عام 2005 .
أما الفلسطينيون، فإنهم ورغم اندلاع الهبة الشبابية، إلا أن هبتهم ما زالت تبدو، كما لو كانت بلا أب أو أم، لذا لم تفرض حتى اللحظة أي عامل ضغط يجبر إسرائيل على ولوج بوابة تؤدي إلى الانسحاب على قاعدة خطوط عام 1967، كما أن الفلسطينيين، وعلى عكس الإسرائيليين ما زالوا منقسمين رسميا وفعليا، ويواجهون إسرائيل بجمل إنشائية لا تتعدى كونها بالونات في الهواء، عاجزين عن الرد الفعلي والعلمي والحاسم على إسرائيل. 
أكثر من سبب يدعونا للقول بأن هذا الفصل من "المواجهة" قد يبدو أخيرا وحاسما، ذلك أن فصول المواجهات الميدانية والسياسية السابقة، كانت عادة ما تشهد حالة من التعادل، التي تعني بأن ملف الصراع ما زال مفتوحاً، لكن هذه المرة، هناك ترتيبات جدية إقليمية، كذلك فإن نجاح إسرائيل في فرض حقائق ميدانية على الأرض، مع دفع تدريجي لاختفاء السلطة، ليس كسلطة أمنية أو مدنية، بل كمشروع لدولة فلسطينية موحدة ومستقلة، يعني بأنها لن تكون بحاجة لموافقة الجانب الفلسطيني، تماما كما فعلت مع غزة عام 2005، لذا فإن بقاء الفلسطينيين منقسمين ومتفرجين، لن يعني سوى "تمرير" هذا المخطط الإسرائيلي الذي تسعى إليه إسرائيل بحكومتها ومعارضتها، ولن يعني إلا أن حلم الدولة الفلسطينية الموحدة والمستقلة، لن يعود في المستقبل القريب، والذي ربما بات وراء الأبواب، لن يبقى إلا حلماً غير قابل للتحقق!.