ليس بعيدا ما يحدث في فرنسا من مظاهرات صاخبة اثر مقتل الفتى من أصول جزائرية عما يحدث من احراق و تدنيس القرآن الكريم في السويد بالقرب من احد المساجد .
السؤال الذي يتبادر الى الذهن في احداث فرنسا ، هل من المعقول ان يؤدي مقتل شخص على يد الشرطة الى كل هذه المظاهرات على مدار أسبوع تقريبا احرق فيها المتظاهرون مئات السيارات و الباصات و المؤسسات بما فيها مستشفيات و بنايات و حوانيت و بنوك ، أم ان سيل العنصرية و الكراهية قد بلغ زباه ، في دولة ادعت انها مهد "الحرية و الاخاء والمساواة" ، فرنسا العاتية اقتسمت مع بريطانيا تركة العثمانيين "الرجل المريض" و أسستا لدولة إسرائيل في فلسطين بعد ان شرذمتا الوطن العربي الى ما يزيد على عشرين شرذمة ، كل واحدة لها حدودها الخاصة و علمها و جواز سفرها و عملتها و العائلة التي تحكمها .
أما السؤال المتعلق بالسويد و بإحراق المصحف و تدنيسه ، فإن الامر يتعدى كريها مأفونا مريضا الى الدولة ذاتها التي منحته حق احراق و تدنيس كتاب مقدس ، بل و أمّنت له الحماية الشرطية والتغطية الإعلامية المصورة ، و مع ذلك تجد حكومة عربية تطالب السويد بتسليمها هذا المأفون كونه ينحدر أصلا من جنسيتها . لم تكن السويد الدولة الأولى التي تقدم على فعلة شنيعة كالتي أقدمت عليها مؤخرا ، بل سبقتها الى ذلك الدانيمارك و النرويج و بريطانيا و المانيا و فرنسا و أمريكا ، و كلها كما هو معروف دول تدعي الحضارة و الديمقراطية و حقوق الانسان ، و هو كلام يثير الضحك والأسى معا ، هل مسموح للإنسان في هذه الدول ان يناهض إسرائيل ، هل مسموح له بانكار المحرقة ، هل مسموح له ان يناصر شعب فلسطين ، هل مسموح للمرأة المسلمة ان تتميز برموزها الدينية كما هو مسموح لليهودي او المسيحي او حتى البوذي والهندوسي .
و عند توقفنا قليلا إزاء ردات الفعل العربية والإسلامية الرسمية ، فهي ردود باهتة غير فاعلة او مؤثرة ، لانها لا تعالج الجذور بل القشور ، ولهذا يستمر تكرار التدنيس بين الحين و الحين . تراهم يستنفرون استنفارا عفويا فارغا ، على احراق القرآن و لكنهم لا يحركون إزاء قتل ولد على خلفية عنصرية ، تراهم في سريرتهم يقولون : فخار يكسّر بعضه ، ذلكم انهم في جزء من هذه السريرة و هذه القرارة عنصريون أيضا ، غنيهم ضد فقيرهم ، مسلمهم ضد مسيحيهم ، ذكرهم ضد أنثاهم ، سنيّهم ضد شيعيّهم . مسؤول ديني في الضفة دعا الى هدم مساجد غزة على رؤوس أصحابها ، في حين سمعنا من يقول في احداث انفصال غزة وهو يلقي معارضا له عن سطح عمارة : دعوني ادخل به الجنة.
ما الذي يمكن ان نسميه خلال جرائم "الربيع العربي" من الإرهاب الديني بممارسات يندى لها الجبين الإنساني ، فما بالكم بالجبين المسلم . الأقصى يا عرب و يا مسلمين محتل منذ ستين سنة ، و ها هو اليوم يتقسم ، و القدس التي تضمه أصبحت كلها عاصمة خالصة لإسرائيل . اما مخيم جنين الذي ينتظر سكانه العودة منذ 75 سنة ، فإنه يتم إعادة تدميره امام السويد وفرنسا و أمريكا و بقية اقطاب العالم الحر و المتحضر و الديمقراطي و العرب و المسلمين .