في إسرائيل، هنالك قانون الرمال المتحركة، المُقرر بشأن الحكومات، من تبقى ومن تغيب، وكثيراً ما كانت الانتخابات العامة تأتي بما لم يكن متوقعاً، حتى لو قدرت استطلاعات الرأي «الدقيقة» عكس ذلك.
أسباب كثيرة لفاعلية قانون الرمال المتحركة، منها قوة أو ضعف الحملة الانتخابية، وقيام الحكومة المهددة بالسقوط بمفاجأة مدوية، إما ضربة قوية للفلسطينيين، أو لمفاعل نووي عربي قيد الإنشاء، وكذلك وجود «بيضة قبان» مرجِحة، حال التوازي في الأصوات ونشوء تحالفات مصلحية لا صلة لها بالمواقف والبرامج السياسية!
وعلى ضوء الخلاصة التي تتبلور بعد إعلان نتائج الانتخابات النهائية تتشكل الحكومات حاملة في داخلها إمكانات عالية لأن لا تستمر، إذ بوسع التشكيل المرجح المسمى بيضة القبان أن يقوض الحكومة ويرسل الجميع إلى انتخابات جديدة، حتى لو بلغت خمس مرات في أقل من خمس سنوات!
في الوقت الراهن... حيث حكومة الأغلبية المريحة، التي ربما توفر لنتنياهو رئاسة لمدة ثلاث سنوات، ظهرت فوق الرمال المتحركة حالة هي الأغرب منذ تأسيس الدولة، قوامها الانفصام بين الأغلبية البرلمانية شبه المضمونة حتى نهاية عهدها، والأغلبية الشعبية التي تبلورت باتجاه معاكس للحكومة، فالبرلمان في جانب والشارع في الجانب المقابل، وهذه الحالة أفرزت احتمالات أن يدفع اليمين صاحب الأغلبية البرلمانية ثمناً باهظاً إذا حدث تطور يؤدي إلى تبكير موعد الانتخابات، وفي حال عدم حدوث هذا «التطور»، وعلى الأرجح وحسب المعطيات الراهنة، ألا يحدث، فإن الاحتمال المرجح حسب حالة الشارع وأرقام الاستطلاعات، أن ينزاح اليمين عن رئاسة حكومة خالصة له، وأن يكون نتنياهو «جوكر» اليمين الرابح دوماً خارج اللعبة، أي أن تكون رئاسته الحالية المهددة بالقضاء، وتراجع الشعبية في الشارع، واحتمالات انشقاقات في معسكره، آخر رئاسة له، وهذا ما سيخلق معضلة كبيرة لقوى اليمين التي لن تجد زعيماً موحداً لقواه، كما كانت عليه الأمور، زمن الزعامات القوية التي تحكمت باللعبة وحافظت على نفوذ اليمين، مثل بيغن وشامير وشارون.
ازدواجية اللعبة البرلمانية، مع تراجع الأغلبية الشعبية، عززا من جديد مكانة العرب المؤثرة في أي تشكيلة حكومية مقبلة، والأمر يتوقف على ارتفاع نسبة التصويت العربي في الانتخابات العامة، وكذلك على تطوير قوة خصوم نتنياهو وائتلافه الذين يتصدرهم الآن غانتس ولبيد، إذ للمرة الأولى يتمكن حزب ناشئ يقوده الجنرال غانتس بالتفوق على حزب «عريق» يتزعمه نتنياهو.
وهنالك عامل آخر يتصل بتصويت الدروز الذين يشعرون على نحو جماعي بخذلان اليمين لهم، بل وبخذلان الدولة لدورهم في تأسيسها والدفاع عنها.
ولأننا في أول عهد الحكومة الائتلافية التي يقودها نتنياهو ويعاني في السيطرة عليها ما يعاني، فإن السنوات الثلاث المقبلة، وإن كانت الأغلبية البرلمانية هي المقرر الوحيد في بقائها أو رحيلها، فإن قانون الرمال المتحركة وهو في الوقت ذاته قانون المفاجآت، ربما يحمل بفعل الثلاث سنوات التي هي العمر القانوني للحكومة الحالية، ما يخالف التوقعات السائدة حتى الآن، فأي مغامرات سيلجأ لها نتنياهو لاستعادة مكانته المتكرسة كقائد كاريزماني لليمين المتشدد؟ أو كعنوان له؟ وأي إخفاقات سيقع فيها خصومه، وهم مشهورون بها، إذ لولا إخفاقاتهم لما عاد لرئاسة الحكومة أصلاً؟ وهل يتراجع التصويت العربي إلى حدود دنيا ما يؤثر حتماً على النتائج وطبيعة الحكومة، واضعين في الاعتبار إسهامهم الحاسم في تقويض حكومة كانت توصف بالاعتدال النسبي لتأتي الحكومة اليمينية الحالية التي قد تعيش كامل مدتها القانونية وهي ليست بالقليلة على أي حال؟
قانون الرمال المتحركة يحمل الشيء وعكسه، فبفعله تتشكل حكومة، وبفعله يطاح بها، وتاريخ إسرائيل القصير والمكتظ بحكومات من كل لون يؤكد ذلك.