إن الحاجة المُلحة تؤكد ضرورة إتمام اجتماع الأمناء العامين بالقاهرة وفقًا للدعوة التي أطلقت خلال الاجتماع الأخير للقيادة الفلسطينية خلال العدوان الإسرائيلي على جنين ومخيمها، وما مورس بحقهم من سياسة عقاب جماعي.
دُعمت هذه السياسية بانحياز الولايات المتحدة لإسرائيل حين قالت: إنه «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها»، متجاهلةً المآسي التي أصابت شعبنا وما نتج عن إرهاب الاحتلال من تدمير للبنى التحتية وحصار وتشريد للأهالي وعمليات القتل، وغيرها من الأعمال الإرهابية التي كالعادة فضحت زيف دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم، والتي في ذات الوقت حاولت أن تجمل وجهها القبيح بدعوتها لحماية المدنيين.
هذا يستدعي أن نسأل، هل المشهد بات ضبابيًا إلى هذا الحد، ولا يمكن إنقاذ الحالة الوطنية من حالة التشرذم التي تعيشها من سنوات؟! إن تنامي الفعل المقاوم على الساحة الفلسطينية وتحديدًا في الضفة ساهم بشكل كبير في تأسيس مرحلة جديدة لإدارة الصراع مع الاحتلال تستدعي اغتنامها نحو بناء استراتيجية وطنية بديلة تقود الحالة الثورية الممتدة حتى تحقيق حلم شعبنا في الخلاص من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وإشراك الكل الوطني تحت راية (م.ت.ف) كممثل شرعي ووحيد لشعبنا.
فالوحدة الميدانية التي جُسدت خلال معركة جنين بين المقاتلين من مختلف الفصائل الفلسطينية، أصبح لا بد من تطويرها والعمل على توفير الغطاء السياسي والوطني لها باعتبارها ظاهرة نبيلة مشرفة، استطاعت أن تتخطى السياسة الانتظارية التي تنتهجها القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، مما أربكت الحسابات كليًا، وجعلت الموقف محل سخط من قبل مختلف الأطياف، وهذا ما تحدث به القيادي في حركة فتح جمال حويل حين قال: إن «أبطالنا وشهداؤنا من كتيبة جنين، وشهداء الأقصى، وكتائب الشهيد عمر القاسم، والقسام، وأبو علي مصطفى لن يسامحوا أحدًا فرط معهم في هذه المحنة العظيمة، وستكون هذه الملحمة شوكة في حلق نتنياهو وغالانت والظاهرة الصوتية سموتريتش وبن غفير، وسيعودوا أبطالنا مرة أخرى يخرجون من الركام ويعيدوا الكرة مرة أخرى ما دام الاحتلال جاثم على صدورنا».
حالة الترميم الوطني تبنى على أسس سليمة وليس بالشعارات التي أرهقت شعبنا، وتهميش قرارات الإجماع الوطني، أو بالخطاب الإعلامي الذي يضع العصا في الدواليب، أو حتى بإثارة النعرات ولغة التخوين والتشكيك وإقصاء الآخر، إنما بالجلوس على طاولة واحدة نستطيع أن نحقق مخرجات يمكن أن يستظل بها شعبنا لمرحلة قادمة، تمكنه من مواصلة النضال، وتعزز من صموده وتمنحه الرؤية الواضحة لإنجاز حقه في الحرية والعودة وتقرير المصير، وهذا هو بالأساس برنامج منظمة التحرير قبل إلغاءه باتفاق أوسلو الذي عمل على تقزيم قضيتنا الوطنية.
فلا شك أن تغذية الانقسام أتت أُكلها، وأصبح أطرافه منزوعي الإرادة، ولا يملكون قرارًا للدفاع عن شعبهم وحمايته من بطش الاحتلال والوقائع في الفترة الماضية أكدت ذلك سواء في غزة أو الضفة، في حين أن الاحتلال يواصل تكريس أهدافه الاستيطانية التوسعية، والعنصرية من خلال منح المستوطنين كامل الصلاحيات لممارسة عدوانهم الإرهابي وعمليات التخريب التي رأيناها في بعض البلدات والقرى مثل ترمسعيا، وحوارة وبرقة وغيرها، بهدف ترحيل المواطن الفلسطيني والسيطرة على أرضه.
فأمام دعوة الأمناء العامين، المشهد يقول إنه لا مجال للفشل، والخطوة يجب أن تكون للأمام، لأن الخطوة اليوم بألف ميل في ساحة الصراع، فكلما تقدمنا خطوة استطعنا أن نحمي شعبنا أكثر ونقاتل عدونا أكثر ونقترب من حُلمنا وهدفنا المنشود أكثر. هذا الكلام ربما صعبًا لمن أدركوا حياة الانقسام وعاشوا مغانمه، لكن محاولات تعطيل الحق العام الفلسطيني غير مشروع لأحد.
فالواقع اليوم بحاجة لحسم أمام استحقاق الحالة الوطنية وما تعانيه من الاحتلال أولًا، واستمرار الانقسام ثانيًا، فالميدان الذي تشهده الضفة ليست بحاجة إلى شعار يرفع من غزة، أو استجداء من الضفة، ومطالبات تُذكر في آخر المطاف. رأينا كيف أدت أجهزة أمن السلطة دورها خلال العدوان، وسمعنا ماذا قالت غزة، وكيف كانت الردود الأخرى، فماذا عن القرارات الوطنية الجامعة، لماذا لم تنفذ بعد؟!
ولأن الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب الفلسطيني هي الخيار الأقوى وطنيًا والأصعب في نظر أطراف الانقسام، تستمر عملية التغذية لهذا الواقع المرير، إلى أن أصبحنا نعيش الشرذمة بكل أشكالها ومواقعها، والمستفيد منه هو الاحتلال فقط.