حكومة نتنياهو وحكاية تعزيز السلطة الفلسطينية

P5VlX.jpg
حجم الخط

بقلم د. هاني العقاد

 

 عملية عسكرية واسعة نفذها جيش الاحتلال في جنين قبل أسبوع بدأت بالدفع بالبلدوزرات لسحق البنية التحية في المخيم وتدمير شبكة المياه والمجاري والكهرباء والتليفونات وحرق البيوت والشقق السكنية، الاحتلال حول مخيم جنين الي صحراء لا يصلح للحياة.  لا يوجد جيش يحترم قواعد المعركة يفعل ذلك بالمدن الا جيش الاحتلال الذي فعل ذلك، اجبر الالاف من سكان المخيم على الرحيل في الليل تركوا بيوتهم تحت قصف الطائرات وقنابل الغاز السام والرصاص والصواريخ وهدير الطائرات، دفعت دولة الاحتلال بكل ما تملك من عتاد للمخيم، كافة تشكيلات القوات الخاصة والقوات البرية والشباك والمخابرات كلهم فشلوا في الوصول الي كتائب المقاومة التي ابدعت في مواجهة الاحتلال وأوقعت فيهم خسائر بشرية ومادية كبيرة. لم يحقق جيش الاحتلال أي اهداف في مخيم جنين سوي تخريب المخيم , فيما ما يبدوا ان الاحتلال أراد ان ينفذ عملية عسكرية يعتبرها عملية جراحية لوقف تقدم المقاومة في جنين قبل ان تتعاظم قوتها ويستحيل مواجهتها , لكنه فشل وعاد بمزيد من الإخفاق  والضعف في منظومته الأمنية والعسكرية , وفشل في اغلاق الطريق امام تعاظم المقاومة في الضفة , كما ان نتنياهو فشل في توظيف هذه العملية لأقناع الإسرائيليين والمعارضة بوقف الاحتجاجات والتظاهرات في الشوارع الرئيسية  في تل ابيب وحيفا والعفولة و الخضيرة ونتانيا ورحوفوت والعديد من المدن الاسرائيلية , فشلت العملية وفشل نتنياهو في إرضاء المستوطنين وقياداتهم التي كانت ومازالت تحرض على اجتياح الشمال الفلسطيني  واحتلال بعض المدن كجنين ونابلس الا ان نتنياهو يعرف انها  مغامرة محفوفة بالمخاطر فشلها سيؤدي حتما لسقوط حكومة نتنياهو وذهابه الى السجن.

غضبت إدارة بايدن من حكومة نتنياهو على هذا الفعل وهذا الإخفاق الذي اعتبرته سيفقد السلطة القدرة على الحكم وسيسارع في انهيارها وخاصة بعد انكشاف مخطط حكومة الاحتلال من وراء العملية بضرب العلاقة بين الفلسطينيين بعضهم ببعض والايقاع بين الفلسطينيين وسلطتهم التي تصفها حكومة نتنياهو بالرجل المريض الذي لا ينفع معه أي ادوية. اليوم وصف (جو بايدن) حكومة نتنياهو بانها أكثر الحكومات تطرفا منذ حكومة (غولدا مئير) وان في هذه الحكومة وزراء   رآهم الأكثر تطرفا في حياته وهم جزء من المشكلة في الضفة الغربية. حكومة نتنياهو دعت لعقد (الكابينت ) المجلس الوزاري المصغر لبحث العلاقة مع السلطة الفلسطينية في اعقاب فشل سيناريو الإيقاع بين الفلسطينيين وتعميق الانقسام وتمكن حركة فتح من جبر المشهد وتوحيد الجهد المقاوم مع كتيبة جنين وتوحيد كافة قوي المقاومة في المخيم والمدينة والاستعداد للمواجهة القادمة مع الاحتلال. 

على ما يبدوا ان دولة الاحتلال تريد ان ترضي إدارة بايدن على الأقل لتخفيف الغضب الأمريكي تجاه حكومة نتنياهو بمنح السلطة الفلسطينية بعض التسهيلات الوهمية والتي أعلنت عنها الحكومة ورفضها الوزيرين (بن غفير) و(بتسلئيل سموتريتش) ولن يتحقق منها شيء لان حكومة نتنياهو ربطتها بتوقف القيادة الفلسطينية عن ملاحقة دولة الاحتلال قضائيا امام المحاكم الدولية ووقف التحريض على الاحتلال في الاعلام والمناهج الفلسطينية وكأن نتنياهو ببعض التسهيلات يريد ان يضع مزيد من الاغلال على رقاب الفلسطينيين والقيادة الفلسطينية , وهذا ما يجعلنا نقول ان حكاية تعزيز السلطة ببعض التسهيلات هي قرارات احتلالية خرجت من  (الكابينت) لن يتحقق منها شيء, لان الفلسطينيين يستحيل ان يقبلوا بوقف مقاضاة اسرائيل على جرائمها , كما ان وزراء التطرف يستحيل ان يسمحوا بذلك خاصة وزير الماليه سموترتش. 

  فشل نتنياهو في جنين   يعني انه سيفشل  في وقف المقاومة في نابلس وطولكرم وبلاطة او أي مدينة اخري , هذا صور له انه ببعض التسهيلات الفارغة للسلطة يستطع اغراء السلطة لإعادة العلاقات مع دولة الاحتلال لتؤدي دور امني في المناطق الفلسطينية  بمنع أي عمليات عسكرية تستهدف جيش الاحتلال ومستوطنيه , يجب ان تفهم إسرائيل ان هذا اصبح من الماضي وإسرائيل هي التي أوصلت المشهد في الضفة الغربية لهذه الدرجة حتي اننا بتنا نقول ان دولة الاحتلال لديها مخطط لتفكيك السلطة الفلسطينية واستبدالها بحكام مناطق يعملون مباشرة مع ما تسمي الإدارة المدنية في الضفة الغربية.

الفلسطينيون يعرفوا غاية دولة الاحتلال من أي تسهيلات اليوم ويعرفوا ان دولة الاحتلال لن تقدم أي حلول سياسية او مبادرات في هذه المرحلة لان الحل السياسي وانهاء الصراع مع الفلسطينيين ليس من الاستراتيجيات التي تؤمن بها حكومة التطرف ويدركوا تماما ان حكومة نتنياهو هي التي عملت على مدار سنوات لتقويض السلطة الفلسطينية باعتبارها الجسر الذي يوصل الفلسطينيين للدولة وان المرحلة مواتية لتمير هذا الجسر, لذلك رأينا كيف اضعفت إسرائيل السلطة بالقرصنة على أموال الفلسطينيين ما بات  ينزر بإفلاس السلطة ,ورينا كيف قوضت دولة الاحتلال سيادة السلطة الفلسطينية بمدن الضفة الغربية وتفعل كل ما تفعله لجعلها سلطة بلا سلطة ,ومازلنا نري كيف تخطط حكومة نتنياهو لتوسيع المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية وحسم قضية  القدس والضفة الغربية لصالح المشروع الاستيطاني والضم وفرض السيادة الإسرائيلية على اكثر من ثلثي أراض الضفة الغربية.

 ان حكاية تعزيز وجود السلطة ببعض التسهيلات الاقتصادية من قبل حكومة الاحتلال  هي حكاية مفضوحة  لن تأتي بالمجان وتصديقها يعني فتح الطريق امام دولة الاحتلال لتنفيذ مخطط الحسم الذي تقوده هذه الحكومة المتطرفة واساسه التخلص من السلطة لأجل سيناريوهات بديلة خطيرة , ولعل هذه الحكاية اليوم توجب على القيادة الفلسطينية جملة إجراءات فاعلة تربك من خلالها حكومة الاحتلال  ويحرج الموقف الدولي الذي لا يغادر مربع الادانات والتعبير عن القلق مما تفعله حكومة نتنياهو بالفلسطينيين لغرض خلق توجه للتدخل الإيجابي في الصراع والزام دولة الاحتلال وقف كل هذه المخططات المتطرفة ووقف التصعيد في الضفة الغربية سواء العسكري او الاستيطاني والقبول بالعودة للمفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات ذات الصلة, ما يتوجب على القيادة الفلسطينية الان ان تفعله هو العودة لقرارات المجلس المركزي 2018 وتطبيقها بالكامل والإعلان فوراً عن تفعيل قرار تشكيل القيادة الوطنية الموحدة لقيادة المواجهة مع الاحتلال وصد الاجتياحات المتوقعة  من جديد والتي لن تنتهي بل ستتصاعد خلال المرحلة القادمة.