ملاحظات عن «جنيف 3» والاحتمالات

صادق الشافعي_وكالة خبر
حجم الخط

م يكن إعلان السيد دي ميستورا وقف مباحثات جنيف وتأجيلها إلى 25 من الشهر الجاري مفاجئاً.  من بدايتها، ومنذ محاولات توليفها ومساعي عقدها، ظلت تلك المباحثات محملة بالغام وشروط ثقيلة وبتهديدات الانسحاب منها إذا لم تتحقق مطالب أو شروط المشاركة. 

خصوصاً وأن مشاركة أطراف من المعارضة لم تأت من باب الضرورة الوطنية والسياسية والإنسانية بل استجابة لضغوط الدول الراعية لها وحساباتها.

 فكرة المباحثات بين النظام وقوى من المعارضة أثارت الكثير من الجدل وما لا يحصى من التحليلات، وقدراً اكبر من الخلافات.

بعض الجدل كان منطقياً، لكن لا شيء في التحليلات والتوقعات، كان مضمون الصحة، او ذا حظ راجح في التحقق. فقد أكد مجرى الأحداث في سورية استعصاءه على التنبؤ وإفشاله لكل التوقعات، مهما بلغت قدرة المحلل وخبرته وسعة اطلاعه.

وأكدت الأحداث امتلاكها دينامية خاصة بها تتعدل وتتكيف لمواكبة كل متغير او معطى جديد، ان لجهة الواقع السوري، وان لجهة التدخلات الخارجية كثيرة التغير وكثيرة الإشكال. وأنها- الأحداث- ظلت قادرة على قلب كل ما كان قائماً من توقعات.  

هل كان احد مثلاً  قادراً على التنبؤ بالتدخل العسكري الروسي وتعبيراته ودرجة تأثيره وحدود مداه؟ مع ذلك ورغم ما تقدم، يمكن إبداء عدد من الملاحظات على المباحثات.

تنطبق على جنيف 3 ومقدماته ومآله، كما يحتمل ان تسحب نفسها ومفاعيلها على المجريات والأحداث القادمة والمباحثات المحتملة. الملاحظة الأولى، ان هناك تجاوزاً في إطلاق تعبير «مفاوضات» على ما جرى في جنيف 3. فهناك بون واسع بين ما جرى في جنيف وبين المفهوم السياسي للمفاوضات كما تكرس دولياً عبر عقود وتجارب كثيرة ومتنوعة.

الملاحظة الثانية، بخلاف النظام السوري ووفده الي جنيف، فان الطرف المقابل القادم اليها تحت اسم وفد الرياض والمدعي تمثيله لكل المعارضة والمفاوض الوحيد باسمها، لا يكاد يمتلك حضوراً مؤثراً على ارض الواقع يسمح بتمسكه ان يكون الطرف المفاوض الوحيد.

سواء كان ذلك لجهة تمثيل نسبة وازنة من الشعب السوري، او لجهة امتلاكه قوة عسكرية مؤثرة، او لجهة سيطرته على مساحات واسعة من أراضي الوطن السوري.

 من يمتلك القوة والسيطرة على مساحات واسعة ومأهولة من الأرض، غير النظام، ممن يطلق عليهم، بشكل عام قوى المعارضة طرفان: الأول، القوى الإرهابية حسب تصنيف المجتمع الدولي «داعش» و»النصرة» بشكل أساسي، وهذه مستبعدة تماما من كل مسار الحل السياسي والمفاوضات.

والثاني، القوى المنضوية في مجلس (ائتلاف) سورية الديمقراطية بالذات الاتحاد الديمقراطي الكردي، وقد نجحت معارضة الرياض مدعومة من تركيا في فرض فيتو على مشاركتها، في هذه الجولة على الأقل.

الملاحظة الثالثة، بسبب الحال الموصوف بالملاحظة الثانية، وباستثناء محدود لجهة تنظيمي جيش الإسلام وأحرار الشام المحاطة عضويتهما بمعارضة الرياض بالشكوك والتساؤلات، فان وفد المعارضة القادم من الرياض لا يملك ما يقدمه في المفاوضات مقابل ومعادل ما يطالب به، وما يطالب به هو كل الدولة السورية خالية من مؤسساتها الدستورية.

وعلى هذا يقوم رد النظام «اننا لن نعطيكم بالمفاوضات ما عجزتم عن أخذه بالقتال» خصوصا وانهم هم من بدؤوا اللجوء الى السلاح والقتال، بغض النظر عن تطور الأمر وخروجه من يدهم بعد ذلك.

قد يكون هذا هو السبب وراء رفض هذا الطرف أن تكون مكافحة الإرهاب هي القضية الأولى على جدول أعمال المفاوضات من جهة، واشتراطهم أولوية تحقيق مطالب معينة قبل البدء بالمفاوضات او في بدايتها.

وهذه مطالب تتركز حول قضايا إنسانية مثل وقف القصف وإطلاق سراح معتقلين وفك الحصار عن مناطق محددة ومنتقاة - دون الالتفات المطلوب للمناطق المثيلة الأُخرى-  وضمان وصول المساعدات الإنسانية لهم.

الملاحظة الرابعة، أن التدخل الخارجي قد وصل الى درجة تبدو معه المباحثات بين الأطراف السورية وكأنها مباحثات بالوكالة.

 في هذه الصورة العامة يتميز النظام بامتلاكه مساحة من الحضور وفي القرار وتقرير الموقف في علاقته مع حلفائه، ويبدو على درجة عالية من الثبات والتوافق والانسجام مع حلفائه في كل فعله العسكري وحركته السياسية.

بالمقابل فان المعارضة تبدو بدرجة عالية أسيرة لحلفائها ومسيّرة من قبلهم بما يخدم سياساتهم ومصالحهم وتحالفاتهم الأخرى بالمنطقة، مع التذكير ان مصالح ومواقف حلفائها كثيرا ما تتعارض وتختلف في ما بينها بما ينعكس عليها وعلى فعلها ومواقفها. الملاحظة الخامسة، ان النظام يدخل المباحثات مع قوى من المعارضة من موقع المرتاح نسبياً.

يتأتى هذا الارتياح من ثلاثة عوامل أساسية : الأول، انه يحقق إنجازات عسكرية هامة وينجح في استعادة السيطرة على مواقع استراتيجية، ويوسّع بشكل ملحوظ سيطرته على الأرض، بما يجعل ميزان القوى يميل لصالحه. والثاني، اطمئنانه الى تحالفاته ودرجة الثبات والتفاهم معهم والدور العملي المؤثر الذي يقومون به في دعمه وإسناده سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

والعامل الثالث، وقد يكون هو الأهم، ان صمود النظام طوال خمسة أعوام متمسكا بوحدة الدولة /الوطن وسيادتها وامنها، ومتمسكا بوحدة الشعب وتماسك مكوناته المجتمعية، قد فرض وجوده وفرض التعامل معه، واسقط رهانات وخطط للسيطرة على سورية - موحدة او مقسمة لا فرق- وأسقط معها رهانات واشتراطات تفصيلية تتطاول على سيادة الشعب العربي السوري وحقه المطلق في تقرير اختياراته الوطنية.

هل سنكون أمام جنيف 4 وجنيف 5 وصولاً الى حل يحفظ سورية وأهلها أم ان الأمور تسير نحو الاحتكام الى منطق الغلبة؟