من نتائج العدوان الهمجي المستمر على فلسطين شمالًا وجنوبًا وآخره العدوان الشرس على جنين البطولة والتحدي، أن الوحدة الميدانية الفلسطينية تجلت على الأرض بين كافة الفصائل وبين كافة شرائح الشعب، وأنها أدخلت في قرارات القيادة ال"18" قرارًا بضرورة تفعيل اجتماع الأمناء العامين للفصائل، في ظل جمود الوضع الداخلي في معظم الملفات، وهذا ما يُحسب للمقاومة الفلسطينية والقيادة معًا، أو للوحدة الميدانية التي وصل صوتها عاليًا.
في إطار التفاكر في ماذا يمكن أن يحصل في القاهرة، ستجد الفكر أو النفس التفاؤلي الدائم، وذاك التشاؤمي السلبي الدائم، وإن كان الثاني هو سيد الموقف لتعذر التفكير بامكانية الحل أو التغيير في هذا الاجتماع لما للظروف الفلسطينية الداخلية، وتلك العربية ومعها الأميركية-الصهيونية من تأثير حاسم في بعثرة الملفات وانفلات الأفكار وتعدد الأولويات الى درجة محو فلسطين من الأذهان.
من أبرز نجاحات البعثرة والانفلات هو النجاح الأميركي-الإسرائيلي بتنحية القضية الفلسطينية عن سلم أولويات الدول العربية ما قبل اتفاقات "ترامب-ابراهام" والى اليوم، وضمن المخطط الواضح لاستجلاب السعودية للدخول في اتفاقات "ترامب-ابراهام" التي تتوج "إسرائيل" السيد على المنطقة بلا منازع، وفي المقابل تنزع من الفلسطيني أي ورقة عربية أو غيرها يستند اليها في أي حل سياسي.
في ظل الغيوم الداكنة التي تسبح في سماء الوضع العربي والفلسطيني كان لابد لنا من نقاش الخيارات أو الأفكار وهو ما حصل من ثلّة من الأخوة الكرام الذين التقينا معًا وكان لي المداخلة التالية.
سأتكلم في 4 اتجاهات أو محاور هي: جدول أعمال القاهرة المفترض أولًا، وثانيًا المشاركون، وثالثًا النوايا ورابعًا الخيارات، وكالتالي.
في المحور الاول: قد يكون من المقدّر أن يعرض ضمن جدول أعمال اللقاء في القاهرة تكوين حكومة فلسطينية جديدة برئيس وزراء جديد لاسيما وأن مراكز الأبحاث الاميركية تعزز مثل هذا الخيار-لمصلحتها هي وليس لمصلحتنا. اما نحن فمصلحتنا في ذلك يجب أن تكون المقياس. وفي الاتجاه الآخر لربما يُطرح أن تكون الحكومة الوحدوية تضم "حماس" لاسيما وأنها في وثيقة 2017 في الدوحة ثم في لقاء الرئيس والأمناء العامين عبر "الزوم" عام 2020 قد اجتازت الطريق الصعب ودخلت كليًا في معمعان الواقعية السياسية.
وقد يكون لكل أوبعض الأطراف أن تطرح الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية، وكلنا يعلم ما حصل من تفرق شديد وتفتت مع اعلان الانتخابات العامة ثم تأجيلها بسبب القدس.
أم هل نرى خطة عمل حقيقية للتصدي لسلب الأرض عبر عصابات المستعمرين/المستوطنين فيما هو الأصل في النضال أي الثبات والصمود بالأرض ومقاومة سلبها بكل السبل الممكنة وهناك من الآليات الكثير.
من الممكن أن يطرح أو يجب برأينا على الأقل أن يُطرح موضوع الحملات الإعلامية المسمومة والتشهيرية والتخوينية الدائمة بين الفصائل.
كما من المتوقع أن يكون الطرح لما بعد الرئيس "أبو مازن" حاضرًا بشكل علني أو بالإيماء لاسيما وأن فكرة فراغ السلطة وعدم معرفة ماذا سيحصل في اليوم التالي يؤرق الاميركيين والإسرائيليين الذين يُضعفون السلطة عمدًا ويشوهونها، وبنفس الوقت يريدونها! لكن هكذا أي ضعيفة وتحت اليد. ولكنه في الإطار الفلسطيني يهمنا جدًا أن تتواصل القضية الفلسطينية متألقة حتى تحقيق الأهداف الوطنية باستقلال دولة فلسطين القائمة تحت الاحتلال على الأقل.
هل من الممكن أن يطرح جدول الأعمال فكرة الانتقال من السلطة الوطنية الفلسطينية الى أننا قد حُزنا على الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينة العضو المراقب في الأمم المتحدة ومعترف بها، لذا فنحن من اليوم فصاعدًا سنتعامل كدولة فلسطين (القائمة والمعترف بها، والتي تسعى للتحرر من الاحتلال، ولتكن السلطة أداتها التنفيذية المدنية المؤقتة) فنتغلب على مشكلة الانتخابات ونجد مساحة نضال جيدة؟ ومجلس تأسيسي بديل عن التشريعي؟ أم هل يمكن إعادة النظر للمنظمة باعتبارها الممثل السياسي الأول وما غيرها جزء وظيفي مدني وليس كل؟
في الاجتماع ومهما كان جدول أعماله فلا بد من الاتفاق على وحدة الرد في مواجهة المعتدي الإسرائيلي وخاصة في إطار التصدي لعصابات المستعمرين والجيش الغازي. فلا يجوز أن يظل التصرف كما هو حاليًا أي مرتبطًا بمناكفات سيئة بين "سلطتين" وبين "تنظيمين" ما يجرّد النضال الفلسطيني من أحد عوامل قوته التي كانت ضمن حديقة ياسر عرفات تقبل المختلف والمؤتلف ولكن على قاعدة الاحترام وعدم التقبيح والكذب.
إن البدء سياسيًا من الصفر في الاجتماعات لن يكون مقبولًا. فلقد استطاع الامناء العامون عام 2020 أن يتفقوا على 3 أمور سياسية بارزة هي أن خيمتنا هي منظمة التحرير الفلسطينية فلا يتم المس بالمبدأ رغم كثير خلاف فيما دون ذلك، وتم الاتفاق على تصعيد وتوحيد المقاومة الشعبية السلمية ما لم يتم حتى حينه بتاتًا كمجموع، حيث تمردت أجندات الفصائل على العقل الوحدوي وأسرفت بالخيارات الاخرى كلٌ لوحده منفصلًا.
وثالثًا: تم الاتفاق على تحقيق استقلال دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي والقانوني ولكن على حدود 1976 (باستثناء رفض الجهاد للصيغة) وعليه تكون هذه المرتكزات ثابتة ولا يُعاد فتحها.
أما بمحور حديثي الثاني حول المشاركين في اجتماعات القاهرة فكان الطرح أن يكون الحضور فيه بعض التغيير أو التطعيم لعدد من الوجوه الجديدة، (وربما الوجوه الشابة من جيل الأربعين أوالخمسين والستين عامًا مثلًا؟!)والتي من الضروري أن "تتدرب" إن شئت، على فقه الاستيعاب للمختلف ولا يتم ذلك الا من خلال إشراكها ولو في السياق الإداري في مثل هذه الاجتماعات.
في المحور الثالث لحديثي وهو باعتقادي النقطة الأصعب في النقاش فهو النوايا. دعنا نتساءل هل لدى الأطراف خاصة حركة "فتح" وفصيل "حماس" أي نية حقيقية للتغيير أو للحل أوللاتفاق الحقيقي، ونحن نعلم جميعًا حجم الضغوط وحجم الارتباطات الخارجية التي قد يكون لها كلمتها لاسيما وهي المموّل وهي المسهّل (أو المصعّب) وهي التي استغلت بكل بشاعة حالة الفرقة لتنخر الجسد الفلسطيني مما أوجد لها وكلاء مدافعين في جسد التنظيمات ذاتها.
بمعنى آخر إن لم يكن لدى الأطراف نوايا للاتفاق والتنفيذ، وإن لم تستطع أن تضع أمام الجماهير حقائق أو قرارات للتنفيذ أو العمل عليها فلا مناص من أن ترى الأثر السلبي في امكانية رفض الجماهير لقيادتها لتقف بوضوح هذه المرة ضد القيادة الضعيفة أو الفاشلة.
من المطلوب أن يكون لاجتماع القاهرة رغم صعوبة كل الملفات أن ينتج قرارات ورسائل وآليات تعكس ذاتها في مساحة التغيير أيضًا في قلوب الجماهير وحياتها وطموحاتها.
في النقطة الرابعة حول الفرص والخيارات فإن كان هناك فرضية أن النوايا طيبة من الطرفين، فالأهداف من الممكن أن تتقارب لاسيما إن اجتهدت حركة "فتح"، أساسًا في عملية إرسال مبعوثين لعواصم القرار العربية من جهة، وفي إرسال الوفود للحوار والفهم واللقاء التمهيدي المسبق مع "حماس"، بل ومع القوى الأخرى في المنطقة ومنها القوى الحزبية العربية والجماهيرية لأننا في عصر الجماهير لا نستطيع أن نحوصل كل شيء في بعض الدول في إطار الحكومة فقط.
إن كانت هناك نوايا للحل فإنها ستتحول لأهداف، وإن تم الاتفاق على الأهداف يجب أن ينشأ عنها استراتيجية وخطة ملزمة للجميع وإن أقرت الخطة فبدون أرجل لا قيمة لها ما يجعل من التنفيذ أساس حكم الجماهير على مصداقية أو جدية القيادة في القفز فوق العقبات أو تذليلها أو على الأقل تجميدها، والانتقال لما يمكن الاتفاق عليه وينفذ، وهو على قلته ربما يستحق أن يتم طرقه.
كان الراحل صخر حبش يمتعض من استخدام كلمة "القواسم" المشتركة لأن فيها مصدر القسمة اوفعل قسم، ويحبذ استخدام "الجوامع" المشتركة، فالاولى تعطي الإشارة السلبية وإن في إطار الجمع جمع القواسم، والثانية تعطي الإشارة الإيجابية من العنوان، لذا كل الأمل أن تكون الجوامع المشتركة أكثر بكثير مما يفرق.
دعنا نقول إما أن يكون هناك نوايا صادقة وفي هذا خير، ما يعني سعي للحل أو الحلحلة في بعض الملفات المعلقة بين الفلسطينيين بالشمال والجنوب، أو أن يكون لقاء القاهرة تكرار سمج لما سبق: بيان أوإعلان أو حتى (اتفاق) بلا حيطان وبلا أرجل.
قد نجد الحلحلة في شكل آخر هو (تجميد بعض الملفات المختلف عليها)، فمثلًا تصر حركة "فتح" على الحكومة المركزية وقرارات الشرعية الدولية، وعلى التخلي عن غزة لصالح الشرعية ولربما يكون ملف "حماس" الأبرز دخولها الى منظمة التحرير الفلسطينية ما يراه البعض بصيغة الانقلاب والنسف للقائم، أو غيرها من العقبات.
في جميع الأحوال إن تم طرق الملفات مما افترضناه أو لم يتم فإن ضرورة الخروج ببيان مشرّف أو إعلان يكتسب مصداقية وثقة بالقيادة يحتاج للكثير الذي ينطلق من ضرورة الاتفاق على تصعيد المقاومة الشعبية ولجان الحراسة والدفاع (وتشكيل لجنة فصائلية يومية حقيقية لذلك)، والتعامل الموحد مع الأعلام، ولجم الإعلام المسموم والمغرض من كافة الفصائل.
والى ذلك فإن تم الاتفاق على دورية اجتماع الامناء العامين، لنقل كل شهر تقريبًا فإن في هذا بارقة أمل للتقدم الى الامام.
إن وسائل التواصل بين الناس لم تعد اليوم مشكلة كبيرة، فهي قد تتم وجاهة مباشرة، أو قد تتم عبر الفضاء حين صعوبة الوجاهة، بحيث يتم الاتفاق على كل مسألة ضمن اجتماع الامناء العامين الدوري (الى أن يتم ايجاد الصيغة في إطار المنظمة) أو ضمن لجنة المتابعة اليومية بالوطن فلا يتم بلبلة الجمهور خاصة وأن عددا من الفضائيات التي تقصد إثارة أو بلبلة الجمهور سادرة في غيّها، ولايهمها فلسطين ولا شعبها مقابل الفرقعة الإعلامية، وتوجهات المموّل وأوامر الحزب الديمقراطي أو الجمهوري الاميركي الصهيونيين.
إن الاتفاق -حال تجميد الملفات الأخرى-على دورية الاجتماعات، وعلى تصعيد المقاومة الشعبية وتكريس لجان الحراسة والدفاع عن القرى والمدن مما جاء في بيان القيادة ذو ال"18" نقطة نتيجة هامة، وتحتاج لدعم مالي وإداري منفصل، فلا يظل هكذا بلاقيمة أمام هجمات المستعمرين/المستوطنين المنفلتة، بل يجب أن يكون سعيًا فصائليًا حقيقيًا لتمتينه هذا إن كانت النوايا بالتوافق حقيقية.
مما لا يجب الاختلاف عليه أيضًا هو الحراك الفلسطيني في المنابر العالمية لفضح الاحتلال بكافة السبل مما ذكر تفصيلًا أيضًا في النقاط ال"18" فلا يتم تقليل قيمتها او الطعن بها أو السخرية منها، بل دعمها باعتبارها هدفا متفقا عليه للجميع (جوامع مشتركة).
في صيغة تفكير أخرى نقول: هل من الممكن أن نبدأ بالمصالحة أو الحوار ذو الجدوى من الخارج الى الداخل هذه المرة؟
بمعنى أن نركز على التواجد الفلسطيني في الخارج وهو بالملايين، ونعمل ضمن منظمة التحرير الفلسطينية ولجنة منبثقة عنها للمّ شمل التوزع القائم بين الفصائل في الخارج، أو بين المنظمات والمؤسسات المختلفة للجاليات واللاجئين...الخ، ضمن إطار لامركزي يجمعها في هدف موحد ويمهد لاحقًا لآلية تمثيلها ضمن المنظمة؟
وهل يمكن أن نرى حوارًا مفتوحًا بين مختلف الفصائل بالخارج ضمن مظلة منظمة التحرير الفلسطينية لا يلغي المؤسسات الفصائلية أو المستقلة القائمة ولكن يحتويها ويشركها في إطار اللامركزية أو الفدرالية المؤسسية ضمن المنظمة، لما لذلك من صورة قد نحبذها، فنرى فيها الفلسطينيين بالخارج موحدوين؟ الى أن يتفق أولئك بالداخل!