احتجاج الطيارين سيصل إلى "الكتلة الحرجة" خلال أيام

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 



من سيسمى هنا "ي"، وهو من كبار الطيارين في الاحتياط في سلاح الجو، أرسل، هذا الاسبوع، رسالة لقادته يطلب فيها تعليق خدمته التطوعية كقائد لخلية هجومية في مق­ر العمليات في سلاح الجو. اضطر "ي" الى التنازل عن الطلعات قبل بضعة اشهر لأسباب صحية، وتوقف عن العمل مدرباً في مدرسة الطيران. ولكنه استمر في المشاركة في ايام احتياط كثيرة في السنة واثناء العمليات، في وظيفة مهمة جدا في المنظومة العملياتية.
سبب استقالة "ي" هو بالطبع تشريع الانقلاب النظامي. وقد وقع على رسالة الطيارين في آذار الماضي، لكن في نهاية المطاف لم تكن ثمة حاجة لاستقالته بعد أن قام رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بتجميد التشريع والغاء إقالة وزير الدفاع، يوآف غالنت، بضغط من الاحتجاج. في هذه المرة تطورت الأمور قليلاً بشكل مختلف. فسلاح الجو أعلن بأنه لن يتعامل مع التهديد الجماعي المتردد، بل فقط مع بيانات شخصية لرجال الاحتياط. الطيارون الذين يؤيدون الاحتجاج هم انفسهم لم يقرروا بعد الموعد الذي سيتخذون فيه خطوة مشابهة، حتى لو كان توجه تفكيرهم لا يختلف كثيرا عن توجه تفكير "ي".
قبل أن يقرر هذه الخطوة الاستثنائية قام "ي" بالاجتماع مع زوجته وأولاده الاربعة، بينهم ضابطان في مناصب رفيعة في سلاح الجو وفي جهاز الاستخبارات، من أجل شرح اعتباراته لهم. هو نفسه خدم في الخدمة الدائمة 30 سنة تقريبا، في سلاح الجو وفي هيئة الاركان، الى جانب رئيس الاركان الحالي، وقائد السلاح الحالي. كان القرار صعبا بالنسبة له، وقد رافقه تردد كبير. ولكن، مثلما قال لمن تحدثوا معه، مؤخرا، فقد شعر بأنه لا يوجد امامه أي خيار آخر. خطوته غير موجهة للجيش الإسرائيلي بل للحكومة.
مثل كثير من رجال الاحتياط في سلاح الجو فانه بالنسبة له لا يوجد تقريبا أي شيء محبب وأكثر اهمية من الخدمة في الاحتياط. ولكن في الفترة الاخيرة شعر بالتناقض بين واجبه كرجل احتياط ومشاعره كمواطن قلق. في هذه المرحلة، اضاف في المحادثات مع اصدقائه، لم يبذل الائتلاف أي جهد لإخفاء نواياه. جميع الاوراق موضوعة على الطاولة. واذا لم يتوقف التشريع الآن فان نظام الديمقراطية هنا سيتغير بشكل كبير. إسرائيل حسب رأي "ي" دولة لها اجندة هستيرية. فهناك على الاقل عشر مشكلات إلحاحية وفورية اكثر من جهاز القضاء. وحقيقة أن الحكومة تصمم، الآن، على تمرير الغاء ذريعة المعقولية تعكس نيتها الحقيقية.

طريق التفافي
خلافا للانطباع الذي تولد فإن الطيارين في الاحتياط لن يتنازلوا عن النضال. الاجواء في اللقاء الذي قاموا بعقده، الثلاثاء الماضي، والذي سمعوا فيه محاضرات مفصلة عن الازمة الدستورية وتداعياتها، كانت مشحونة ومعادية للاصلاح. الطيارون يفضلون في هذه المرة ابقاء القرار في يد كل واحد على انفراد وتجنب الظهور بمظهر العملية المنظمة. ولكن رغم أنهم ينوون العمل كأفراد فانهم ينتظرون ويأملون تجمع "كتلة حرجة" من مثل هذه الحالات. كتلة تصل الى الخطوط الحمر للمس بكفاءة السلاح، التي حددها رئيس الاركان وقائد سلاح الجو. الافتراض هو أن مثل هذه الكتلة يمكن أن تتراكم في رسائل سيرسلها كل اعضاء طاقم على انفراد حتى منتصف الاسبوع القادم.
هذه الخطوة يمكن أن تبقي اسبوعاً تقريبا للاتصالات من اجل تمرير التشريع بالقراءة الثانية والثالثة قبل انتهاء الدورة الصيفية للكنيست في نهاية الشهر الحالي. في هيئة الاركان يبثون في هذه الاثناء التفاؤل وكأنهم سينجحون في التعامل مع موجة الاحتجاج الحالية. يستند الجنرالات، ضمن امور اخرى، الى الاستقرار في المثول لخدمة الاحتياط في تدريب وحدات سلاح المشاة في الاشهر الاخيرة. ولكن هذا يمكن أن يكون خطأ. فالازمة اشتدت في الاسبوع الاخير، والطيارون ورجال الاستخبارات يفكرون ويعملون بطريقة تختلف عن طريقة اعضاء وحدات الميدان.
أحد المحاضرين في لقاء يوم الثلاثاء هو المستشار القانوني للحكومة السابق، افيحاي مندلبليت. هذا كان اللقاء الرابع لهذا المنتدى مع مندلبليت، الخبير في القانون الدولي. وقد وصف التداعيات بعيدة المدى لخطوة الغاء ذريعة المعقولية. بالنسبة له هذه طريق التفافية أوجدها نتنياهو كي يخرج الى حيز التنفيذ الانقلاب النظامي، بعد أن تم صد خطته الاولى للانقلاب بانقلاب تشريعي خاطف. طرح الطيارون عليه الاسئلة حول أن خطر تغيير التشريعات في إسرائيل وتغيير سلوكها في "المناطق" ستغير نظرة القانون الدولي لتدخله في نشاطات الجيش الإسرائيلي في المناطق.
وعلى اعتبار أنهم يكثرون الطيران الى الخارج، وبعضهم طيارون مدنيون، فان هذه القضية تقلقهم جدا. هل يوجد خطر في أن تحاول دول اجنبية تقديمهم للمحاكمة؟ سأل المشاركون في اللقاء. هذه النقطة تم طرحها ايضا في المحادثات التي اجراها قائد سلاح الجو، تومر بار، مع ممثلي رجال الاحتياط، الاحد الماضي، في قاعدة تل نوف. وقد تم طرح الاسئلة حول استخدام القوة في عملية "درع ورمح" في قطاع غزة في أيار الماضي، وحول اغتيال شخصيات رفيعة من "الجهاد الاسلامي"، قتل فيها مدنيون، من بينهم اطفال، كانوا يعيشون في شقق قريبة. نفى بار بأنه استخدم ضده ضغطا استثنائيا من الأعلى، وأنه حدثت انحرافات معينة عن قواعد القانون الدولي.

الاعتماد على بدلة الطيار
اضافة الى الطيارين فإن وسائل الضغط الاكثر فعالية من اجل وقف التشريع تتعلق بنظرة الادارة الأميركية للانقلاب. قام الرئيس الأميركي، جو بايدن، بلدغ سياسة نتنياهو في بداية الاسبوع في مقابلة اجراها مع الـ "سي.ان.ان". وبعد ذلك هاجمت الادارة بتصريحات رسمية تعامل الحكومة والشرطة مع الاحتجاج. جاءت الخطوة الاخيرة حتى الآن، أول من أمس، في مقال لاذع في "نيويورك تايمز" نشره توماس فريدمان، وهو أحد المحللين المقربين من بايدن. طلب فريدمان من الرئيس اعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل. والمعنى العملي الذي يقترحه هو الانسحاب من المفاوضات لالغاء الحاجة الى الحصول على تأشيرات الدخول للإسرائيليين، الى جانب التخلي عن الفيتو التلقائي لصالح إسرائيل في التصويت في مجلس الأمن.
المخضرمون في جهاز الأمن ما زالوا يذكرون الأيام التي قامت فيها الولايات المتحدة، بمبادرة منها، بتقليص عامل النية الحسنة في علاقاتها مع إسرائيل. هذه الخطوات في الثمانينيات والتسعينيات وبداية سنوات الألفين أدت الى المس الشديد بالجيش الإسرائيلي، ولا سيما سلاح الجو. يكفي قرار اداري، كما يبدو، بتأجيل شراء أو تزويد بقطع غيار وذخيرة، من اجل التسبب لإسرائيل بضرر حقيقي. حسب التصريحات والنغمة الصادرة من البيت الابيض مؤخرا ربما نحن غير بعيدين عن ذلك.
لذلك، نستغرب التصميم الذي يظهره نتنياهو بشأن تمرير قانون المعقولية. وربما الاكثر غرابة من ذلك هو حقيقة أنه في هذه المرة فان وزير الدفاع تماشى معه، حتى أنه هاجم بشدة من يسميهم رافضين. غالنت هو الوزير المفضل على الادارة والبنتاغون في الحكومة الحالية، وإن كانت المنافسة لا تشمل الكثير من المشاركين. وهو يدرك بدرجة لا تقل عن نتنياهو الضرر المحتمل لخطوات محتملة من قبل واشنطن. في هذه الاثناء يبدو أنهما ينسقان فيما بينهما تماما، لكن يصعب التصديق بأنه لم تتراكم حتى الآن كمية من الشكوك المتبادلة، بعد الاحتجاج في آذار الماضي على اقالة وزير الدفاع.
المعركة على الانقلاب بعيدة عن النهاية. وإسرائيل، حتى اكثر مما في ايام الحرب الاولى التي هددت وجودها، تعتمد الآن على بدلات الطيران، والاكثر دقة على من يرتدون هذه البدلات الزرقاء.

عن "هآرتس"