هارتس : نتنياهو يحطّم مصادر قوة إسرائيل

حجم الخط

بقلم: ألوف بن


في العقد الماضي أكثر نتنياهو من التفاخر بـ "نقاط القوة الأربع لإسرائيل"، التي نسبها لنفسه ولسياسته وهي: القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والقوة السياسية والقوة النفسية، والتي وصفها بأنها اندماج بين التراث اليهودي والتميز الحالي.
وقد تفاخر بأن زعماء العالم يسارعون في القدوم إليه. وبالتعالي الذي يميزه اقتبس عن أحد الزعماء الأفارقة، الذي حسب قوله قال له: "نحن في أفريقيا ننتج جميع المشاكل، وأنتم في إسرائيل تنتجون جميع الحلول. فكيف تفعلون ذلك؟".
قبل عودته إلى الحكم قبل نصف سنة تقريباً يبدو أن الصورة انقلبت، وقرر نتنياهو أن يتعلم بالذات من هذا الزعيم الأفريقي المجهول.
فبدلاً من حل المشكلات يحطم نتنياهو قوى إسرائيل واحدة تلو الأخرى، التي تفاخر بها في السابق.
فقد فكك تماسك الجيش الذي لا يعرف قادته إذا كان جنود النخبة التابعون لهم سيمتثلون للخدمة في الاحتياط أم لا.
أيضاً جعل المستثمرين الأجانب يهربون، بعد أن حركوا النمو في الجيل الأخير، وبدلاً من أن يشجع المبادرات الحرة جعل المبادرين يخرجون أموالهم إلى الخارج، وضخم القطاع العام بميزانيات ضخمة منحها للمستوطنين والحريديين.
القوة السياسية، التي اعتبرها نتنياهو ذروة إنجازاته الشخصية، تبخرت بسرعة منذ أن تبين أن نتنياهو غير مرغوب فيه في البيت الأبيض.
الضيف الأخير في القدس كان رئيس ليبيريا، جورج واه، وقد سبقه رئيس حكومة ليطا ورئيس حكومة قبرص ورئيس حكومة سلوفاكيا ورئيس حكومة تشاد.
نتنياهو بنسخته الحالية يرعى فقط قوة واحدة وهي التراث اليهودي، بالتفسير الأرثوذكسي والعنصري جداً. وقد تنازل عن التميز بالميزانيات الضخمة التي حولها للتعليم الحريدي والتي بوساطتها سينمو جيل من الجاهلين والعاطلين عن العمل، الذين من أجل توفير مصدر رزقهم سيضطر نتنياهو إلى أن يحلب القطاع التجاري المتقلص أكثر.
العنوان الملائم لسيرة حياة نتنياهو هو "الكذبة في وقتها". هكذا يتقدم رئيس الحكومة في أروقة السياسة الإسرائيلية والدولية منذ عشرات السنين. كل يوم له قصته، وكل شخص يتحدث معه والكذبة التي تروق له، الأساس هو اجتياز الأزمة المناوبة والبقاء في الحكم.
لا يمكن مناقشة نجاحات نتنياهو الذي حطم كل الأرقام القياسية لولاية سلفه، الذي سقط وعاد إلى القمة مرتين، والذي يشكل إسرائيل كما يشاء ويسيطر على أجندتها العامة.
لكن الآن وصل نتنياهو إلى نقطة الحسم، التي سيصعب عليه النجاة منها كعادته حتى الآن من خلال إطلاق الأكاذيب بصوته العميق.
وخلافاً له فإن شركاءه في الائتلاف وأصدقاءه في الحزب يقولون الحقيقة.
فهم يريدون تحويل إسرائيل دولة ديكتاتورية وعنصرية تضطهد العرب والنساء والمثليين، وتتنازل عن الأقلية وتتركها لمنظمات الجريمة، التي تمنع التظاهرات بشكل عنيف وتدخل معارضي الحكم إلى الاعتقالات الإدارية أو تحولهم إلى أهداف لميليشيا مسلحة تحكم قبضة الشريعة الدينية على القطاع العام بتمويل العلمانيين الذين يحاولون تطبيق نمط حياتهم.
استهدفت مؤامرة السيطرة على جهاز القضاء، التي يقودها وزير العدل، ياريف لفين، ورئيس لجنة الدستور، سمحا روتمان، إزالة الكوابح التي وضعتها المحكمة العليا وجهاز المستشار القانوني للحكومة أمام تطبيق حلم الدولة اليهودية الديكتاتورية.
اللغة المغسولة بأسلوب "تغيير ذريعة المعقولية" تجد صعوبة في إخفاء أهداف الانقلاب التي تم تفصيلها بتوسع في الاتفاقات الائتلافية وفي خطوط الحكومة الأساسية وفي مشاريع القوانين لأعضاء الائتلاف.
تملص نتنياهو حتى الآن من الحسم بطريقته المعروفة. فقد غمر الرئيس الأميركي، جو بايدن، وشركات التصنيف الائتماني الدولية، بالأكاذيب حول "التشريع باتفاق واسع".
وبعد ذلك انحرف وعاد إلى اليمين ومكن لفين وروتمان من التقدم في تشريع الانقلاب. أمامه وقف رأس حربة الاحتجاج وهم الطيارون في الاحتياط في سلاح الجو، الذين يعرضهم نتنياهو وجوقته كرافضين للخدمة ومتملصين.
الآن يقول نتنياهو إنه يمكن تدبر الأمر دون عدة أسراب، أي دون القوة العسكرية التي تفاخر ذات يوم بها.
الأساس هو أن تصمد الحكومة وأن تستطيع الاستمرار في التدمير.
من المحظور تصديق موجة الأكاذيب الجديدة التي تصدر عن مكتب رئيس الحكومة وكأن الأمر يتعلق بقانون واحد فقط، فطيرة حلوة للفين وروتمان اللذين كما يبدو سيشبعان منها ويتخليان عن انقلابهما.
إلغاء ذريعة المعقولية سيسرع فقط عملية التدمير الوطنية التي يقودها نتنياهو منذ نصف سنة.
وإذا تم تمريره فإن شهية الائتلاف ستزداد للقيام بخطوات القمع والإسكات والفساد القادمة.

عن "هآرتس"