في زيارة هي الثانية من نوعها منذ توليه رئاسة الدولة، يواصل الرئيس الإسرائيلي يتسحاك هرتسوغ اجتماعاته مع المسؤولين الاميركيين، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي بايدن ونواب من الكونغريس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والقى خطابا أمام أعضاء الكونغريس من الحزبين، هذا وسوف تستمر الزيارة على مدار أربعة أيام.
وتتزامن زيارة الرئيس الإسرائيلي مع الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان عن قيام دولة إسرائيل، وعلى الرغم من أن الزيارة تحمل طابعًا رمزيًا لرئيس لا يملك صلاحيات تنفيذية في إسرائيل، إلا أن زيارته هذه تأتي في الوقت الذي تتفاقم فيه العلاقات بين الإدارة الامريكية وقيادة الرئيس بايدن ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
بحيث أكدت كافة وسائل الاعلام الامريكية والقيادات التنفيذية في الإدارة الامريكية، أن نتنياهو يتجه اتجاها يؤدي في النهاية إلى تقويض العلاقات الامريكية الإسرائيلية وضربها في الصميم وإرجاعها إلى نقطة الصفر.
حيث وصفت الإدارة الامريكية هذه الحكومة الحالية بأنها الاكثر تطرّفًا منذ تطوّر العلاقات الامريكية الإسرائيلية في أواخر الستينات، وان هذه الحكومة تذهب إلى طريق مسدود داخليًا من حيث فرض إصلاحات قضائية تهدف في نهاية الامر إلى شلّ السلطة القضائية والسيطرة النهائية على السلطة التنفيذية والقضائية معًا .
حيث يسعى نتنياهو إلى ذلك وبدعم من مؤيديه في الائتلاف الحكومي، وكلهم وزراء ونواب كانوا خارج القانون قبل ان يسيطروا على السلطة القضائية، وكان سمورتتش قد زار الولايات المتحدة قبل نصف عام ولم يتم الاجتماع به واستقباله من قبل أي مسؤول امريكي سواء كان مسؤولًا عاديًا او رفيع المستوى، هذا ولم تتم دعوة وزراء اسرائيليين آخرين إلى الولايات المتحدة، وذلك لأن نتنياهو منع وزراءه الذهاب إلى الولايات المتحدة والمشاركة في أي مشاورات مع الطرف الأمريكي، قبل أن تتم دعوته الشخصية إلى الولايات المتّحدة، ولم يُدعى غالانت إلى واشنطن بل اكتفى بالاجتماع مع وزير الدفاع الأمريكي في بروكسل مثلًا.
وتنظر الإدارة الامريكية وبدعم من الصوت اليهودي هناك إلى هذه التغييرات القضائية بأنها تمثّل خطورة كبيرة على اسرائيل كدولة وكحليفة للولايات المتحدة، بحيث أن الولايات المتحدة تريد من إسرائيل أن تعطي الانطباع بأنها دولة منفتحة وشبه ديمقراطية، حيث يساعد ذلك على تسويق إسرائيل وفي نفس الوقت على تسويق السياسة الامريكية بأنها هي وحليفتها إسرائيل دولتان ديمقراطيتان وليبيراليتان تسعيان إلى مستقبل أفضل في العالم، وليس أن إسرائيل التي أحدثت بها التغييرات الحالية، تتحول إلى دولة دكتاتورية وفاشية كما يتوقّع الكثيرون، الامر الذي لا يساعد الولايات المتحدة على العمل بشكل جادّ من أجل تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وهذا الامر هو مهم واستراتيجي للسياسة الامريكية في الشرق الأوسط .
ولا يكفي هذا الامر المتعلق في التغييرات القضائية التي يُقدم عليه نتنياهو، حيث يتعلّق ذلك أيضًا بالسياسات الأحادية الجانب التي تقوم بها إسرائيل في الضفة الغربية، حيث بدأت هذه الحكومة منذ قيامها في مطلع 2023 بقيادة الأحزاب الأصولية والمتطرّفة في إرباك السياسة الامريكية وأعطت الانطباع بأن الولايات المتحدة هي شريك وحليف بما تفعله هناك في الضفة الغربية، وكانت قد أعلنت عن إقامة مستوطنات ووحدات سكنية تُعدّ بعشرات الآلاف، وبدأت سياسة تهويد واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية وأقل ما تسمى بسياسة الابارتهايد وبناء الغيتوات، إضافة إلى السياسة الحديدية التي تهدف إلى القتل اليومي للفلسطينيين، العقاب الجماعي وزجّ الآلاف من اهالي الضفة الغربية في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وقد انهارت السياسة الامريكية بعد صعود هذه الحكومة انهيارًا كاملًا بكلّ ما يتعلّق بمقولتها التي كانت تسوّقها للعالم العربي و لدول الشرق الأوسط بأنها مع حلّ الدولتين وأنها تسعى لإقامة دولة فلسطينية بقيادة السلطة الفلسطينية، حيث انهارت تلك المقولة وهذه السياسة انهيارًا كاملًا واندثرت في مهّب الريح وبات واضحًا للعيان أن إسرائيل هي التي تقود هذه السياسة الامريكية في الشرق الأوسط، وتدعمها من الخلف بدون أن تحقّق أي اهداف جوهرية، حيث أن هنالك بعض القادة الأمريكيين الذين بدأوا يفكرون بانهم ينجرّون وراء إسرائيل تمامّا، كما انجرّت وتهافتت الولايات المتحدة، إبّان إدارة ريغين في أواخر التمنينات في دعمها لحكومة الابارتهايد في جنوب افريقيا.
والكلّ يعرف ماذا جرى آنذاك حيث تراجعت الولايات المتحدة في دعمها لسياسة جنوب افريقيا في لحظاته الأخيرة فقط، وعندما انهار نظام الابارتهايد أبدت الولايات المتحدة ابتعادها عنه، واعطت الانطباع بأنها لا تؤيد هذا النظام، بل شاركت بخجل في احتفالات صعود نيلسون مانديلا آنذاك.
وهنالك عامل ثالت آخر يتعلّق بالخلافات الامريكية الإسرائيلية وهو العامل الإيراني، حيث بات الكلّ يعلم أن سياسة نتنياهو وإسرائيل تهدف بالأساس، إلى زجّ الولايات المتحدة في حرب طاحنة ضد ايران، تمامًا كما اقحمت الولايات المتحدة نفسها في حربها ضد أفغانستان والعراق، حيث كلّفها الكثير وما زالت تلعق جراحها حتى يومنا هذا .
ففي الوقت الذي توصّلت إليه الإدارة الامريكية إلى اتفاق تسوية مع ايران، تسمح بإرجاع الأموال الايرانية المجمدة بقيمة 20 مليار دولار، وأن لا تقوم ايران بتخصيب الأورانيوم لأكثر من 60% في مفاعلها النووي، فقد بات من المؤكد أن إسرائيل تريد زجّ الولايات المتحدة في حرب مع ايران بهدف افشال هذا الاتفاق، على عكس ما يريده نتنياهو وهو زجّ الولايات المتحدة في حرب طويلة الأمد مع ايران تمامًا.
وإزاء تلك الخلافات الجوهرية بين الإدارة الامريكية ونتنياهو، فقد تصاعد الخلاف والازمة بين الطرفين، بحيث اعتُبر نتنياهو شخصية غير مرغوب فيها في واشنطن، وكان بايدن قد أعلن في آذار الماضي أن نتنياهو سوف لن تتم دعوته إلى واشنطن، وقد أحدث ذلك شرخًا عميقًا في العلاقات بين الطرفين.
وقد وصلت الأمور إلى أن أعلن المُحلّل في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمن، أن الولايات المتحدة تقوم في خضم هذه الأيام بتقييم سياسات جديدة اتجاه إسرائيل، وقد أحدث هذا المقال ضجة ومخاوف واسعة النطاق في إسرائيل، بحيث قاموا باتهام نتنياهو باللعب بالنار بكلّ ما يتعلّق في العلاقات مع الولايات المتحدة.
أما هرتسوغ من جانبه الذي انتخب بدعم من نتنياهو، فقد استطاع ابتزاز محادثة تلفونية من بايدن إلى نتنياهو الذي طالبه فيها بأن يكفّ عن الاستمرار بالإصلاحات القضائية، وأن يصل إلى اتفاق بين الأطراف المتنازعة داخل إسرائيل كي تتوقّف الاحتجاجات وما سُمّي في الولايات المتحدة أيضًا، بالانقلاب القضائي، لكن نتنياهو كعادته والذي يمكن ان يكون قد حظي بدعوة من بايدن إلى واشنطن، فقد وعده بأن يتمّ التصويت هذا الأسبوع على الحجة المعقولية، وبعدها سيسعى جاهدًا إلى التوفيق بين الأطراف المختلفة في إسرائيل، وهذا ما وعد به الرئيس الأمريكي، لكن في الحقيقة لا يصدق الكثيرون هذه الوعود، وهل ستؤدي تلك الوعود إلى وقف الاحتجاجات، وان تذهب المعارضة إلى أحضان نتنياهو بهدف تحسين العلاقات الامريكية الإسرائيلية.
أما ما نراه في الأيام المقبلة فهو دعم واحتضان امريكي للرئيس هرتسوغ كي يكون موازيًا لعدم الدعم لنتنياهو، ولا نعرف بالضبط إذا كانت هذه الدعوة الامريكية دعوه حقيقية من الجانب الأمريكي بهدف إسكات الراي العامّ المؤيّد لإسرائيل في الولايات المتحدة أم أنها محادثة تلفونية لكسب الوقت، ويمكن أن يكون دخول نتنياهو إلى المستشفى، ومعلومات أمريكية سرّية عن حالته الصحية، هو السبب الحقيقي لإجراء تلك المكالمة بين بايدن ونتنياهو.. بوساطة هرتسوغ.