تتبنى الحكومة الإسرائيلية اليمينية، مقاربة حسم القضية الفلسطينية، وغلق أبرز ملفاتها وأولها ملف القدس، وثانيها ملف اللاجئين، وتقليص الخدمات المقدمة لهم. ولتحقيق هذه الأولوية تسارع هذه الحكومة في عملية ضم الضفة الغربية . وهنا التساؤل : لماذا الضفة ومتى وكيف؟. وقبل الإجابة عن هذا التساؤل تجدر الإشارة إلى غزة ولماذا الانسحاب الأحادي؟ نموذج غزة لا يمكن أن يتكرر في الضفة، لأسباب كثيرة تتعلق بمكان الضفة الجيوسياسي ، ومن ناحية أخرى حتى تكون غزة البديل الفلسطيني للدولة، لتعميق حالة الانقسام والفصل السياسي الذي يفسح المجال أمام إسرائيل، لتحقيق أهدافها في الضفة . وعليه وهنا الخطورة ، قد تكون غزة أحد المدخلات التي تتبناها إسرائيل لضم الضفة. وغزة كما نعلم لا تشكل أكثر من واحد في المئة من مساحة فلسطين، وهي منطقة مغلقة تتحكم بكل منافذها إسرائيل وهامشية الموقع، بمعنى أنه لو تم اقتطاعها فلن يؤثر ذلك على الشكل الجيوسياسي لفلسطين الانتدابية . ولماذا الضفة ، لأنها تشكل 21 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية وتتميز بجبالها في نابلس والخليل وطولكرم، وتشكل منطقة القلب الاستراتيجي لإسرائيل، كما هي منطقة القلب للدولة الفلسطينية. فمن جبالها المرتفعة يمكن الوصول لسواحل البحر المتوسط، وأهمية غور الأردن المائية والاستراتيجية كمنطقة فصل عن العمق الأردني . فهي لا تريد أي تواصل جغرافي بين أي كينونة فلسطينية والأردن، لأن من شأن ذلك أن يحصر منطقة القلب الإسرائيلية في قوقعة منعزلة، والضفة الغربية هي الهدف لأكبر مشروع استيطاني يستوعب أكثر من مليون يهودي من الخارج، وفي الوقت ذاته تشكل منطقة القلب لأي دولة فلسطينية، وبنزع القلب من مكانه تكون إسرائيل قد قتلت أي إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية.
ولقد بدأت عملية الضم منذ اليوم الأول الذي احتلت فيه الضفة في أعقاب حرب 1967 وأطلقت عليها يهودا والسامرة، ولا تعترف أنها محتلة وتتعامل معها على أنها أرض يهودية، كما أرست نظامين قضائيين منفصلين وغير متساويين، الفلسطينيون يخضعون للقانون العسكري، أما المستوطنون وكل الأراضي تخضع للقانون المدني الإسرائيلي وذلك بهدف استجلاب أكبر عدد من المستوطنين، وهذا ما حققته وصولاً لعدد مليون مستوطن، ومنذ اليوم الأول لاحتلالها، شرعت ببناء المستوطنات متجاهلة كل القرارات الدولية التي دانت الاستيطان ولم تعترف به، خادعة المجتمع الدولي أن هذه المناطق تخضع لقانون عسكري يمكن التراجع عنه. وفي عام 1967 أقر الكنيست الإسرائيلي أول قانون ينص على تطبيق القانون الجنائي الإسرائيلي على مواطني البلاد في الضفة، وهي الخطوة الأولى لوضع المنطقة تحت سيادة القانون الإسرائيلي المدني، في الوقت الذي يخضع فيه الفلسطينيون للقانون العسكري. ومع تشكيل الحكومة الحالية تسارعت الخطوات في عمليات الضم لطمس القضية الفلسطينية، بمحاولة فرض التقسيم المكاني في القدس ورفع الوصاية الأردنية، وأما ملف اللاجئين فتلعب الولايات المتحدة دوراً مباشراً عن طريق خفض الدعم المالي وتضييق الخدمات المقدمة لهم ولتسريع عملية الضم قامت الحكومة الحالية بتعيين وزير خاص ضمن إطار وزارة الدفاع، ويتولى السلطات المدنية في الضفة الغربية، بعد أن كانت من اختصاص وزير الدفاع حصراً.
ولعل من أخطر القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية أن بناء المستوطنات لم يعد بحاجة إلى تصديق الحكومة أو وزارات معينة، وبات اليوم من صلاحيات سموتريتش الذي يتولى وزارة المالية، وبن غفير الذي يتولى الشؤون الأمنية، والاثنان معاً يسهلان ويسرعان عملية الاستيطان والضم، وبدلاً من أن تحتاج عملية البناء سنوات،اليوم،وفي أيام قليلة يتم التصريح لبناء مستوطنات جديدة، وتوسيع القائم منها، وتحويل البؤر الاستيطانية لواقع قائم. ويبقى أن عملية الضم لن تحسم القضية والصراع، بل الضم بداية للصراع من جديد.