من أجل ألا يضطر الطيارون، وأعضاء الوحدة 8200، وجنود الدوريات، وقادة الوحدات المختارة، الذين يخدمون في الاحتياط، إلى الوقوف بعد فترة قصيرة أمام معضلة "العلم الأسود"، لا يوجد أمامهم أي خيار إلا الانضمام للاحتجاج بكامل القوة. هذا لا يعتبر رفضاً أو "امتناعاً عن الخدمة الطوعية"، بل هذه حرب دفاعية عن طابع الجيش، وفي الأصل عن طابع الدولة.
من خلال احتجاجهم هم يدافعون أيضاً عن الجنود في الخدمة النظامية كي لا يضطروا إلى الوقوف أمام المعضلة نفسها. هم لم يبادروا إلى الاحتجاج ولم يقودوه في بداية طريقه. لولا الاحتجاج الشعبي الضخم الذي عمل على بناء إجماع من المعارضة للتشريع الوحشي والمدمر، لكان مشكوكاً فيه أن يخطر ببالهم إعادة فحص طبيعة اتفاقهم مع الدولة. وبالتأكيد هم لم يحلموا في أي يوم بأن يكون عليهم اتخاذ قرار حول هل هم جيش الشعب أم جيش الحكومة. بالنسبة لهم لم يكن هناك أي فرق. أن تكون في خدمة الحكومة وتخضع لأوامرها وتنفذ العمليات القذرة التي يقتل فيها أبرياء، كل ذلك اعتبر جزءاً لا يتجزأ من إرادة الشعب.
هذه كانت تغذية متبادلة في منظومة الأواني المستطرقة. "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم" أعطى الدولة والحكومة مشهداً خارجياً أخلاقياً. والحكومة حرصت على دعم أي عملية غير أخلاقية للجيش باسم شرعياتها الديمقراطية.
الضباط الذين انضموا للاحتجاج قالوا: إن الحكومة في التشريع المسمم الذي قامت به خرقت الاتفاق، وإنهم غير مستعدين لخدمة نظام غير ديمقراطي. هذا ادعاء صحيح ومناسب، لكنه غير كاف. لم يتعهد أي أحد للجيش بأن النظام الديمقراطي سيستمر في إسرائيل إلى الأبد، ويمين الولاء للجندي قرب حائط المبكى لم يشمل كلمات مثل "سأخدم فقط في نظام ديمقراطي". جملة الافتتاحية في يمين الولاء للجندي تقول: "أقسم وأتعهد بالحفاظ على ولائي لدولة إسرائيل وقوانينها وسلطاتها المخولة"، وضمن ذلك قانون إلغاء ذريعة المعقولية.
لكن الادعاء القاطع قدمه بنيامين نتنياهو نفسه. ففي الأسبوع الماضي، اقتبس وهو يقول: إن "الدولة يمكنها تدبر أمرها دون عدة أسراب، لكن لا يمكنها ذلك دون حكومة". هذه أقوال تأسيسية يجب أن تهز كل الجيش وليس فقط نخبته في الاحتياط. هكذا فإن نتنياهو يقول: إن الجيش الإسرائيلي جيش الحكومة وليس جيش الشعب أو الدولة. تصريحه غير المسبوق أيضاً يلغي بضربة واحدة مسلمّة أن الجيش الإسرائيلي دائماً يضطر إلى أن يتقوى. فجأة أصبح بالإمكان التنازل عن عدد من مقاتليه، وفعلياً إعادة تقدير "كمية" الأمن الذي تحتاجه الدولة. ولماذا الاكتفاء فقط بـ"عدة أسراب"، يمكن أن نتدبر أمرنا أيضاً إذا كان هناك عدد أقل من مقاتلي السايبر وعدد أقل من الدوريات، وربما أيضاً دون الأسطول ودون دورية رئاسة الأركان، إذا كانت هذه تهدد سلامة الحكومة.
في الأوقات العادية كان وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد سلاح الجو وقادة أذرع الأمن، سينقضون بغضب على تصريحات نتنياهو ويمزقونه إلى أشلاء؛ بتهمة المسّ بأمن الدولة. لكن لنتنياهو لم تنكشف فجأة الحاجة إلى التوفير أو فحص كفاءة الجيش. هو مذعور من كسر المعادلة التي كان فيها الجيش جسماً غير مشخص سياسياً ونائماً، الذي امتثاله مضمون دون أي تحفظ. الآن نتنياهو هو الذي يختمه بخاتم سياسي بقوله: إن الجيش ملزم بالدفاع عن الحكومة، وفقط بعد ذلك الدفاع عن كل ما تبقى.
الجيش الإسرائيلي الذي كان على ثقة بقدرته على الحفاظ على منظومة قيم منفصلة، التي سمّيت "قيم الجيش الإسرائيلي"، وأن يفصل نفسه عن السياسة والعيش في فقاعة وتمكين الحكومة من أن تطبق دائماً سياستها، اكتشف بذهول أن الفقاعة في خطر، وأن انفجارها يهدده بشكل مباشر. لا يجب أن يكون لديه أي تخبط. قبل لحظة من تحوله إلى مليشيا للنظام وقبل أن يتم إلزامه بتبني قيم الحكومة وكأنها قيم الدولة، يجب عليه وضع قدمه أمام الباب وأن يمنع إغلاقه.
عن "هآرتس"