هذا هو الرد الإسرائيلي على المبادرة الفرنسية !!

131
حجم الخط

يبدو أن الرفض الإسرائيلي للمبادرة الفرنسية، قد أدى إلى حراك سياسي لدى الدولة العبرية، إذ ان اسلوب الرفض الدائم الذي ميز ردود الفعل الإسرائيلية على كافة أشكال المبادرات والحلول، من شأنه أن يسبغ هذه السياسة بالسلبية، ويذكر بعض المحللين السياسيين في الدولة العبرية، أن إسرائيل نجحت في الماضي في أن تصف المواقف الفلسطينية بالرفض والسلبية، الأمر الذي ساعدها في ذلك الوقت في أن تبدو أكثر حرصاً من الجانب الفلسطيني في توجهاتها السلمية ورغبتها في التوصل إلى حلول لهذا الصراع المستحكم، بينما وفي ظل حكومات نتنياهو الأربع، ووصول أكثر الأحزاب الإسرائيلية يمينية وتطرفاً، انقلبت الصورة، وظهرت إسرائيل على حقيقتها التي نجحت في إخفائها عقودا طويلة من أنها لا تبحث عن حل وانها ماضية في تأكيد "إسرائيل الكبرى" واقعياً، وتكتفي برفض الحلول والمبادرات والوساطات، بما فيها تلك التي تبادر إليها أطراف معروفة بصداقتها وحرصها على الدولة العبرية، وهكذا أفشلت كافة الجهود التي رعتها الولايات المتحدة طوال ولايتين لإدارة اوباما في البيت الأبيض، خاصة تلك التي قام بها وزير الخارجية الأميركية جون كيري.

وخلال الأسبوع الماضي، شهدت السياسة الإسرائيلية، شيئاً من المراجعة، كنا قد تناولنا بعضاً منها في مقالنا السابق في "الأيام"، هذه المراجعة استمرت أكثر كثافة، بل أكثر عمقاً في الأيام القليلة الماضية، وجاء الحراك الأوّلي من قبل المعارضة وتحديداً من خلال زعيمها رئيس حزب العمل اسحق هيرتسوغ، إذ تبين أن تصريحه إثر اجتماعه قبل أسابيع مع الرئيس الفرنسي في باريس، من أنه لم تعد هناك إمكانية "لحل الدولتين" تبين أن وراء هذا التصريح، خطة للتحايل على حل الدولتين، من خلال ما يسمى "بفك الارتباط" أو الانفصال نهائياً، وذلك عودة إلى مقولات اسحق رابين، وشارون منذ بضع سنوات: "نحن هنا.. وهم هناك" ومن جانب واحد، إسرائيل، طالما أن حل الدولتين غير ممكن في ظل الأوضاع الحالية، هذه الخطة سلمها هيرتسوغ لوزير الخارجية الأميركية جون كيري، قبل أربعة أيام عندما التقاه بالعاصمة الإيطالية روما، الذي بدوره أبدى "اهتماماً" بها، كما جاء على لسان مساعد هيرتسوغ!

لا تبدو هذه الخطة، لها حظ من النجاح، خاصة وأنها طرحت في السابق في ظروف أفضل وفشلت في ان تحظى بالتفاف حولها، على كافة الأصعدة، رغم أنها كانت تطلق من جانب زعماء كبار لهم مكانتهم الإسرائيلية والدولية، مثل رابين وشارون، وهي، أيضاً، لا توفر رداً على المبادرة الفرنسية، أو أي مبادرة شبيهة، كما أن "اهتمام" وزير الخارجية الأميركية جون كيري بها، ما هو إلاّ مصطلح دبلوماسي لا قيمة له من الناحية السياسية.. فما هو الحل في هذه الحال؟! نشرت صحيفة "معاريف" يوم الجمعة الماضي، مقالاً لثلاثة كتّاب، عامي ايلون رئيس الشاباك السابق، جلعاد شير المفاوض الإسرائيلي في كامب ديفيد، واورني باتروشكا الناشط في مجال المساواة بين اليهود والعرب في اسرائيل ورئيس مبادرات صندوق ابراهام... هؤلاء الثلاثة، تمكنوا من صياغة رد إسرائيلي ـ مطلوب ـ على المبادرة الفرنسية، ولكن ليس قبل أن يشرحوا لماذا هم يرفضونها!!

ذلك أنها تطرح خيارات بعودة اللاجئين الفلسطينيين وبينما تتحدث المبادرة عن قرار 242، إلاّ أنها تشير إلى قيام دولة فلسطين على حدود 1967، والمبادرة تدين الاستيطان دون أن تذكر "الارهاب الفلسطيني"! والحل، من وجهة نظرهم، أن تتقدم إسرائيل بمبادرتها الخاصة، وتبني حل الدولتين باعتباره الحل الأمثل للدولة العبرية، وضمان بقائها دولة ديمقراطية ودولة قومية للشعب اليهودي (!) ينبغي الانفصال عن الفلسطينيين وتقسيم إقليمي للأرض ما بين البحر والنهر، على أساس حدود تضعها إسرائيل وفقاً لمصالحها، وفي ضوء الوضع الراهن، ينبغي اتخاذ خطوات مدروسة ومستقلة طالما ليس بالإمكان إجراء مفاوضات في الأوضاع الراهنة، وإلى أن تتضح الأمور وتتغير الظروف، يمكن التفاوض على الوضع النهائي... والأهم إعداد الجمهور لتقبل هذه الخطة، وطمأنته من الناحية الأمنية، خاصة أن هذه الخطة يجب أن تلحظ الحفاظ على قدرات إسرائيل الأمنية في "المناطق" وحتى نهر الأردن... إلى أن يتوفر بديل آخر!!

يبدو أن هذه الخطة التي نشرتها "معاريف" هي ذاتها التي سلمها هيرتسوغ إلى وزير الخارجية الأميركية جون كيري، وجوهرها انفصال من جانب واحد، بخريطة جديدة تحددها الدولة العبرية والحفاظ على المستوطنات الكبرى، والإبقاء على الأداة الأمنية بيد إسرائيل المطلقة... إلى حين توفر ظروف أفضل.. حل مؤقت... إلاّ أن خبرتنا مع اتفاق اوسلو، فإن الحل المؤقت، هو حل دائم ومطلق. نحن أمام خطة، ذات طابع تكتيكي، في مواجهة المبادرة الفرنسية وانطلاقاً منها في مواجهات تبدلات الرأي العام الدولي لصالح القضية الفلسطينية، سياسياً من خلال اعترافات دول وبرلمانات بالدولة الفلسطينية، واقتصادياً من خلال برامج الحصار لمنتجات المستوطنات، ومكمن هذا الطابع التكتيكي، أن لإسرائيل مبادرتها الخاصة، وهي مطروحة للنقاش والحوار... بينما أداة الاستيطان مستمرة ورسم وقائع على الأرض متسارعة، وليبقى الحوار.. مجرد حوار!!