تُبذل الجهود لوقف تشريع الانقلاب النظامي، الآن، بحركة الكماشة قبل خطة الائتلاف لإجازة قانون إلغاء ذريعة المعقولية بالقراءة الثانية والثالثة، الأسبوع القادم. في الساحة الداخلية تحافظ نشاطات الاحتجاج اليومية على التوتر، وتمهد الأرض للورقة الأساسية التي بقيت في يد المعسكر الديمقراطي الليبرالي، التي تكمن بالتحديد في الخطوات التي ينوي اتخاذها رجال الاحتياط في الجيش الإسرائيلي. وفي الساحة الخارجية تستخدم الإدارة الأميركية ضغطاً متزايداً على رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من أجل التراجع عن مواصلة سن تشريعات الانقلاب النظامي.
خلافاً للادعاءات التآمرية لليمين فإن الخطوتين غير منسقتين معاً. مع ذلك، من الواضح أن الإدارة الأميركية تتابع بانفعال الحجم الكبير لنشاطات الاحتجاج في إسرائيل. نتنياهو يواصل إرسال رسائل متناقضة لا تسمح بالوقوف بشكل دقيق على نواياه. التفاؤل الذي بثه، أمس، الارتفاع في بورصة تل أبيب وانخفاض سعر الدولار تدل على أن القطاع التجاري يتطلع إلى تسوية ويقدر بأنها موجودة في هذه المرة في الأوراق.
لكن رئيس الحكومة مقيد من قبل الجناح الراديكالي في حكومته، وهو يحاول التوصل على الأقل إلى إنجاز واحد وهو إلغاء ذريعة المعقولية قبل انتهاء الدورة الحالية. وليس أنه فقط من غير الواضح الآن إذا كانت الاتصالات غير المباشرة حول تخفيف القانون ستؤتي أُكلها، بل من الصعب التصديق بأنه سيمكن تمرير صيغة مخففة كهذه حتى انتهاء الدورة الصيفية للكنيست في نهاية الشهر الحالي.
بركان
يقف الجيش الإسرائيلي على فوهة بركان، بشأن احتجاج رجال الاحتياط ضد الانقلاب. المبادرات التي نشرت في وسائل الإعلام حتى الآن، بما فيها رسائل نحو 160 شخصاً من رجال القيادة العملياتية في سلاح الجو، التي تم إرسالها، أول من أمس، هي فقط جزء صغير من القصة. في الأيام القريبة القادمة سينضم إليهم أيضاً مئات الطيارين في الاحتياط وفي الخدمة النظامية. الاحتجاج، إلى درجة الاستقالة من الخدمة، يتسرب بالتدريج حتى إلى أجزاء أخرى في الجيش.
لا ينعكس تأثير الاحتجاج بشكل كامل على الجيش البري، لأنه في جزء من وحداته توصل القادة إلى تسويات "رمادية" مع رجال الاحتياط، بحيث إنه بدلاً من الاستقالة يحصلون الآن على نوع من الإعفاء المؤقت من الخدمة إلى حين مرور الغضب (على أمل أن يمر). يتم الشعور أيضاً بتسرب ما لتأثير الأزمة إلى داخل جيش الخدمة الدائمة، بالأساس في المراتب الوسطى في شعبة الاستخبارات. من المحتمل أن يكون لما يحدث في الاستخبارات العسكرية دور في التأثير على المناخ في وحدات مشابهة في "الشاباك" و"الموساد". تحاول القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي وبحق عدم التسبب بالذعر للجمهور، لكن الصورة أكثر خطورة مما تظهر الآن.
على المدى الأبعد قليلاً قلقون هناك أيضاً من التأثير بشكل سيئ على الدافعية للخدمة وعلى الوظائف القيادية. خلال سنين سلمت عائلات من المعسكر الليبرالي بخدمة الآباء والأبناء في الوحدات القتالية في "المناطق"، حتى لو اعترضت على أهمية هذه المهمات. وقد كان هذا جزءاً من العقد غير المكتوب بين الجمهور الإسرائيلي والجيش تحت الوهم المتفق عليه وهو أنه مبدئياً وجهة إسرائيل المستقبلية هي تسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين بطرق سلمية.
لكن الحكومة الجديدة والعاصفة التي ثارت حول التشريع أخرجت الشياطين القديمة من تحت الأرض. ربما أنه في ظل حكومة تشرعن عدم تجنيد الحريديين، إلى جانب ضخ مبالغ ضخمة لصالح الأحزاب الحريدية والمستوطنين، فإن التطوع للخدمة القتالية لن يكون قيمة تحصل على تأييد العائلات للجندي أو المجندة كموضوع مفهوم ضمناً. المذابح التي ينفذها المستوطنون المتطرفون في القرى الفلسطينية رداً على عمليات إطلاق النار الدموية فقط تزيد التشكك بالسياسة في "المناطق".
القلق الملح والأكثر خطورة يتركز الآن في سلاح الجو. قادة كبار سابقون في السلاح، بعضهم يؤيدون الاحتجاج، قالوا لـ"هآرتس": إنه حتى في الكوابيس الأسوأ لهم لم يفكروا بأنهم سيجرون محادثات يحاولون فيها تقدير عدد الطيارين في الاحتياط الذين سيمتثلون للخدمة في الجهاز في مهماته من بداية الأسبوع القادم. خلال بضعة أيام - التقدير المعقول هو أن الأمر يتعلق بيوم غد (السبت) أو بعد غد (الأحد) – من شأن المئات منهم الإعلان عن وقف تطوعهم للخدمة. سيشكل هذا إضراراً كبيراً بكفاءة سلاح الجو، والأرقام التي يدور الحديث عنها تقترب من الخط الأحمر الذي حدده للكابينيت رئيس الأركان، هرتسي هليفي، وقائد سلاح الجو، الجنرال تومر بار.
خطوات الاحتجاج لسلاح الجو كان يمكن أن تكون منسقة أكثر. فبعد اندلاع الاحتجاج حول قرار نتنياهو إقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، من منصبه، في آذار الماضي، استخلص طيارو الاحتياط الدروس. كانت هذه المرة النية الحفاظ على حوار متواصل مع قادة الأسراب والقواعد، وفي الوقت ذاته الحرص على الصمت الإعلامي حتى لحظة العملية، بتوقيت ستكون له فعالية قصوى.
لكن مبادرة أعضاء القيادة التنفيذية غابت قليلاً عن الطيارين، وهي أيضاً تم عرضها بشكل مغلوط وكأن الأمر يتعلق بطيارين نشطاء (بالفعل، معظم الموقعين هم من رجال الطاقم الجوي المتقاعد، الذين بسبب جيلهم انتقلوا إلى مناصب قيادية حيوية لا ترتبط باستخدام الطائرات). في غضون ذلك فإنه في نهاية المطاف طيارو الاحتياط سيضطرون إلى اتخاذ قرار.
في هذه الأثناء يستخدم عليهم ضغط شديد للعمل، مع المعرفة بأنهم الذخر الأساسي الذي بقي للاحتجاج. هذا حدث بعد أن أوضح غالانت أنه في هذه المرة لن يتطوع لتوريط نفسه في أزمة، وأن ليفي وقف ضد ما وصفه بـ"تشجيع عدم التطوع"، وأن الرئيس، إسحق هرتسوغ، وصل إلى البيت الأبيض محامياً لنتنياهو، وأن رئيس الهستدروت أرنون بار قرر مواصلة السبات الشتوي الطويل. في هذه الظروف، فإن الطيارين هم الورقة الأخيرة. أعضاء "إخوة في السلاح"، احتجاج رجال الاحتياط الذي يتكون بالأساس من جنود في الجيش البري، يتطلعون بشكل خاص إلى مساعدة جوية من زملائهم.
سبب سياسي داخلي
رافعة الضغط الثانية توجد لدى الرئيس الأميركي، جو بايدن. في مساء الإثنين الماضي، قبل خمس دقائق على بداية النشرات الإخبارية في التلفاز، حرص مكتب نتنياهو على النشر بأنه في مكالمة هاتفية بينه وبين بايدن دعاه الرئيس لزيارة الولايات المتحدة. بشكل ما تم تنسيق البيان مع عشية "يوم التشويش القطري"، الذي أعلنت عنه حركة الاحتجاج. في الساعات التالية تبين أن الانفعال الأميركي باللقاء أقل من الانفعال الإسرائيلي. وحتى بعد مرور يومين ونصف اليوم، فإنه من غير الواضح إذا كانت الدعوة ستكون إلى البيت الأبيض أم أنه بالإجمال يدور الحديث عن خطة للقاء الرئيس مع زعماء دول أقل قرباً من قلبه، على هامش اجتماع الجمعية العمومية في نهاية أيلول القادم.
الإدارة الأميركية معنية بإزالة عائق عدم الدعوة، الذي يلقي بظلاله على ولاية نتنياهو الحالية منذ تشكيل حكومته في نهاية كانون الأول الماضي. السبب هو سياسي – داخلي بالأساس. فالديمقراطيون لا يريدون أن يتهمهم خصومهم الجمهوريون بإهانة رئيس حكومة إسرائيل. ولكن في الوقت نفسه يرسل الرئيس الأميركي رسائل صعبة وقاسية لإسرائيل.
عندما تولد الانطباع لدى رجاله بأن الرسائل من المكالمة الهاتفية مع نتنياهو ومن اللقاء المباشر مع هرتسوغ وجهاً لوجه لم يتم تمريرهما كما هو مطلوب للجمهور في البلاد، فقد استدعى الرئيس محرر "نيويورك تايمز" توماس فريدمان. مقال فريدمان الأخير الذي نشر، فجر أول من أمس، كان أكثر حدة وتفصيلاً من المقال السابق. حسب هذا المحلل، فإن الرئيس طلب من رئيس الحكومة أن يوقف الآن التشريع، وقال: إنه فيما بعد لن يكون بالإمكان إصلاح الضرر الذي حدث. سارع مكتب نتنياهو إلى إصدار بيان نفى فيه ما نشره فريدمان. حتى أن مستشار الأمن القومي، تساحي هنغبي، قال: إنه "في الأسبوع القادم سيستكمل الكنيست التشريع الحالي".
كان نتنياهو دائماً وطنياً إسرائيلياً. وعلى خلفية الأحداث الأخيرة والضرر الكبير الذي لحق بالمجتمع والاقتصاد والجيش الإسرائيلي، فإنه لا يمكن التفكير بأمرين: الأول، بماذا يفكر أن يكتب عنه في كتب التاريخ هنا بعد ثلاثين سنة. الثاني، من حقّاً يحب إسرائيل في هذه الأثناء أكثر ويريد الخير لها: بنيامين نتنياهو أم جو بايدن؟
عن "هآرتس"