أزمة الجيش الإسرائيلي وصراع الهيمنة

aac57ec2b3ab917b9541a226e90c25eb.jpeg
حجم الخط

بقلم مصطفى إبراهيم

 

يبدو أن الأزمة السياسية الإسرائيلية التي تتجلى في الاحتجاجات على خطة الحكومة اليمنية المتشددة لما تسمى خطة الإصلاح القضائي، تأتي في سياق الصراع على الهيمنة، وأن الصدام الجاري، وانعكاسه بين الجماعات الاثنية، وممثليها من النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية. ويبدو أنها وصلت الى الوقت المناسب لتمرير الانقلاب ضد الاشكناز المهيمن على النظام، وتجديد هوية وطبيعة النظام الإسرائيلي. لصالح الفئات الأخرى من سفارديم والمتدينين المشددين والصهيونية الدينية، وغيرهم من المهمشين.

 

وتتفاقم الأزمة في إسرائيل في ظل تهديد الضباط في الخدمة العسكرية في الاحتياط، وما نشرته صحيفة هآرتس اليوم الجمعة عن ارسال 1142 ضابطا وجنديا نشطا في الخدمة العسكرية في الاحتياط، رسالة إلى أعضاء الكنيست ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي وقائد سلاح الجو، جاء فيها أن "التشريع الذي يسمح للحكم بالعمل بشكل غير معقول وبصورة متطرفة سيقود بأسف عميق وبلا خيار إلى تعليق التطوع في الاحتياط.

 

وبين الموقعين على الرسالة 422 طيارا نشطا، 173 مشغلي طائرات بدون طيار، 124 مراقب طيران، 167 من عناصر مقر عمليات سلاح الجو و669 من جنود وضباط الاحتياط في وحدة الكوماندوز "شلداغ". ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية الرسالة بأنها "زلزال سيضرب الجيش.

 

تسببت خطة الإصلاح القضائي، بشرخ كبير في المجتمع الإسرائيلي، سياسيا واقتصاديا واجتماعياً، إلا أن التأثير الأوسع هو على الجيش الإسرائيلي، وطبيعة المجتمع الإسرائيلي العسكرية واعتبار الجيش الإسرائيلي بأنه "جيش الشعب".

 

حتى الان تتركز الاحتجاجات في صفوف قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، ولم تصل بعد إلى القوات النظامية، وطالت وحدات مهمة في الجيش خاصة سلاح الجو والوحدات الخاصة، والوحدات الخاصة من النخبة والاستخبارات العسكرية، وسلاح البرية.

 

الاسبوع الماضي أعلن العشرات من ضباط الارتباط في نظام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الجيش الإسرائيلي عن توقفهم عن التطوع للخدمة في الاحتياطيات. وفي الوقت نفسه، مئات من المناصب في السلك الطبي في الاحتياطيات، بما في ذلك الأطباء والمسعفون ومعالجي الصحة العقلية، من المتوقع أن يرسلوا رسائل في الأيام المقبلة إلى كبير المسؤولين الطبيين، المقدم ألون جلازنبرغ، بخصوص إنهاء تطوعهم. في وقت سابق اليوم، القائد السابق للسرب الثالث عشر، العميد الاحتياط نيفو إيريز أبلغ الجيش الإسرائيلي أنه كان يعلق خدمته في الاحتياط احتجاجًا على الانقلاب. وينضم إعلانه إلى قرار المئات من مقاتلي الاحتياط البحريين منذ الأسبوع الماضي بوقف الإبلاغ عن الخدمة حتى يتم وقف قانون الانقلاب.

 

ويترافق ذلك مع الخطاب العام الذي وصفه المحللين العسكريين بالخطير، وأنه بصورته الحالية الأكثر تسميماً وانتشر في كل مكان، ويؤدي لانقسام الجيش، ومن شأن ذلك أن يستهدف قدرات الجيش عموما وسلاح الجو خصوصا.

 

وفي مقال للمراسل العسكري لصحيفة معاريف ليف تل رام قال: عندما تصاب الدولة وتنزف، من المستحيل وقف الآثار والاضرار على الجيش، الجدل حول الأرقام، ومن يتردد هو فاصلة من الدمار الهائل الذي قد يحدث، عندما يكون التصدع أهم أساس للخدمة المشتركة بين جميع قطاعات الجيش – الإجماع.

 

ولخص عضو الكنيست عن حزب الليكود دافيد امسالم الأزمة والصراع على الهيمنة، في تغريدة له على حسابه على تويتر الأسبوع الماضي بقوله: قل ما شئت، لن يشرك اليمين الجيش الإسرائيلي بهذه الطريقة الذي يضر بأمن الدولة، سيتعين علينا الجلوس بعد انتهاء هذا الحدث، فيما بيننا، ونفهم كيف وصلنا إلى هذا الوضع، حيث توجد أماكن في الجيش، حيث توجد مجموعات يسارية تمسك بالبلد من الحلق.

 

أرى الجد والأب والابن، أفهم أن هناك حدثاً هنا. الجد طيار، الأب طيار، الابن طيار، الحفيد سيكون طيارًا أيضًا. لا يوجد أشخاص آخرون في الدولة. نحن بحاجة إلى تقوية الجيش الإسرائيلي، كي يكون مرة أخرى جيش الشعب، للجميع ليس جيشا فيه نخب.

 

ولا تزال عاصفة نشر الوزير ميكي زوهار، من حزب الليكود، مقطع فيديو غير حقيقي في حسابه في تويتر، يظهر فيه جنود من سلاح البرية الإسرائيلي في لبنان يطلبون مساعدة جوية أثناء القتال، فيما رد عليهم الطيارون بسؤالهم إذا كانوا "مؤيدين للانقلاب" على القضاء ويرفضون تقديم المساعدة لهم، وربما يقصفونهم أيضا. وأعاد وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، نشره في حسابه في تويتر. 

 

إضافة إلى الهجوم الذي تعرض له القائد السابق للكوماندوس البحري العميد (متقاعد) نيفو إيريز، بوقف تطوعه للاحتياط بسبب خطة الإصلاحات القضائية، من قبل مسؤولين في الليكود ومؤيدي خطة الإصلاح، وكتب الصحافي يانون ماجال، على حسابه في تويتر: البلد في حالة اضطراب، جندي احتياط يبلغ من العمر 58 عاماً يتوقف عن الخدمة.

 

وفي مقال نشر الأسبوع الماضي للمحلل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل قال فيه: يقدر الجيش الإسرائيلي أنه حتى إذا تم إيقاف التشريع الآن، فسوف يستغرق إصلاح الضرر الذي حدث بالفعل وقتًا طويلاً. ومع ذلك، على عكس القدرة التشغيلية، التي يتم قياسها وفقًا لمعايير واضحة ومحددة، فإن التماسك هو الأمر "الرخو" الذي يعتمد تقييمه بشكل أساسي على مشاعر القادة.

 

واجمع عدد من المحللين العسكريين أن رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي يشعر بالوحدة لأنه لا يتمكن من التشاور مع غالبية أسلافه في المنصب، وبينهم إيهود باراك وموشيه يعالون ودان حالوتس الذين يشاركون بشكل نشط في الاحتجاجات ضد الخطة القضائية.

 

رئيس الأركان لديه مشكلة، هرتسي هاليفي عالق في معركة الانقلاب، ويجد نفسه وسط مجموعة من التوقعات والمطالب المستحيلة، من كلا الجانبين. ولم يقتصر الأمر على أن أيا من أسلافه واجه اضطرابات اجتماعية من نفس الحجم، فهو ممنوع أيضًا من التشاور معهم. باستثناء سلفه في المنصب، أفيف كوخافي، فإن جميع رؤساء الأركان المتقاعدين الآخرين تقريبًا يؤيدون الاحتجاج بشدة، على الرغم من أن بعضهم   في الأيام الأخيرة كانوا ضد مظاهر الإحجام التطوع في الجيش.

 

يرى المحللون العسكريون ان الضرر الحاصل في الجيش بالغ، وأنه حتى لو تم وقف التشريعات، فإن الجيش الإسرائيلي لن يعود إلى ما كان عليه، والأزمة السياسية والاجتماعية حولت الجيش مثلما عهدناه إلى جهاز متخاصم.

 

وترفض الحكومة، بدءا من رئيسها بنيامين نتنياهو والغالبية العظمى من أعضاء الائتلاف، احتجاج قوات الاحتياط ضد الخطة القضائية، ولا تظهر أي بادرة للتراجع أو استئناف الحوار مع المعارضة حول الخطة. ويوجه الائتلاف انتقادات شديدة لعناصر الاحتياط.

 

وفي ظل الصراع المحتدم، والحديث عن هزة أرضية في سلاح الجو، والحديث عم عن انقلاب عسكري، تأتي في سياق التحريض والخطاب الذي يتأجج من الطرفين، حتى احتمال استقالة هليفي، ثمة احتمال كبير ألا تتراجع الحكومة، وأن تعيّن مكانه ضابطا ملائما أقل بكثير لقيادة الجيش الإسرائيلي في ظلال تحديات المستحيلة لهذه الفترة.