ينتابني شعور مفعم بالقناعة والامتنان والثقة، ان الثلاثين سنة الماضية ، وهي التي عرفت بسنوات السلام ، سلام "أوسلو" ، قد مرت على خير ، وانها لم تستطع ثني الشعب الفلسطيني عن طريقه المعمدة بالدم والتضحيات ، ولم تنجح في نزع جذوته النضالية والكفاحية . لقد بذلت جهود عالمية جبارة، وأخرى إقليمية وعربية وإسلامية لتركيع هذا الشعب، وترويضه كي يقبل بما انتكب به قبل "75 سنة" على انها يوم اسود في حياته عليه ان ينساها ويسقطها من حساباته، وان هزيمة 67 قدر من الله عليه ان يسلّم به وان لا يحاول معاندته او معارضته، وان يقبل باتفاقية أوسلو لاقامة صرح السلام في دويلة "اوسلوستان" ، التي اتضحت معالمها وخطوطها العريضة بعد اقل من عشر سنوات على توقيعها في البيت الأبيض .
ليس عكس السلام الحرب، الا في قواميس اللغة ، فالشعب الفلسطيني من بين اكثر الشعوب في العالم مناهضة للحرب والقتل، ذلك انه شعب متحضر، يدين بالإسلام السمح، و بين ظهرانيه ولد رسول المحبة والسلام يسوع المسيح، وبشكل عام، ليس هناك شعوب تحب الحرب التي تعني في المحصلة الموت والثكل واليتم والخراب .
حزب الله، الذي لا يبدو كذلك ، هو أيضا لا يحب الحرب ، لكنه كحزب مقاتل ، لا يخشاها، وقد حقق الكثير من الانتصارات والاختراقات بدون ان يطلق رصاصة واحدة . أهمها خزان الامونيا الذي هدد بقصفه في حيفا، واضطرت الدولة العاتية الى نقله، فقال وقتها امينه العام ممازحا: كان على سكان حيفا ان يشكرونني انني خلصتهم من هذه القنبلة النووية الموقوتة على شاطئهم. ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و الدولة العاتية، التي ارادت ان تضع يدها على غاز فلسطين وغاز لبنان معا، وأخيرا الخيمة التي نصبها مؤخرا والطريق التي تم شقها في مزارع شبعا وقرية الغجر التي كان محرما دخولها منذ نصف قرن ، وها هم سكانها يدخلونها اليوم باريحية واطمئنان ومعهم حتى اغنامهم دون ان يتعرضوا الا لقنبلة دخان واحدة .
امتلاك ناصية القوة هو الذي يصنع السلام، بل هو الذي من شأنه ان يمنع الحرب. في عام 1990 قال اسحق رابين انه يتمنى ان يفيق من النوم ليجد غزة قد ابتلعها البحر ، كان هذا تصريحا واضحا من انه تعب من حكم غزة ، وان الحل بالنسبة اليه هو ان ينسحب منها بدون قيد او شرط ، ولكن أصحاب غزة المتمثلون في منظمة التحرير الفلسطينية دخلوا على الخط دخولا خاطئا، فعقدوا معه اتفاقية "غزة واريحا أولا"، معظم المحللين والمفكرين الصادقين قالوا انها أولا وأخيرا .
في احد خطاباته قال حسن نصر الله انه قادر على احتلال مناطق في الجليل، ولكن ماذا سأفعل بخمسة مليون يهودي.
هل يسمح له دينه ومبادئه واخلاقه بإبادتهم كما تسمح الدولة العاتية بمسح حوارة وجنين وقبلها قبية ودير ياسين عن الخارطة ؟.