هارتس : الإرهاب اليهودي قتل أبي وأنا طفلة وانقضّ عليّ وأنا عجوز!

حجم الخط

بقلم: جبريئيلا غولدشميدت



في ظهيرة يوم الاثنين، 22 تموز 1946، في السكرتاريا الرئيسة لحكومة الانتداب البريطاني في القدس، في فندق الملك داود، تم تلقي مكالمة هاتفية. صوت فتاة أبلغ بأنه تم زرع قنابل في المبنى، وأنه يجب إخلاؤه على الفور بكل من فيه. لم يحدث أي شيء، ولم يتم إخلاء المبنى. فكّر من تسلم المكالمة أن هذه نكتة غير مضحكة بشكل خاص، حيث إن الوقت ليس الأول من نيسان، وأن هذه ليست كذبة نيسان. مر وقت قصير جداً، وحدث في المبنى انفجار ضخم. وانهار كل الجناح الجنوبي. قُتل 91 شخصاً في المكان، يهودا ومسيحيين ومسلمين، معظمهم من العاملين في مكاتب الحكومة المختلفة. نفذت الـ"ايتسل" هذا العمل الإرهابي، والفتاة التي اتصلت مع الفندق كانت نشيطة شابة في هذا التنظيم.
أحد القتلى كان الدكتور زئيف فيلهالم غولدشميدت، وهو محامٍ كان يعمل في قسم النائب العام نائباً لمن يقوم بصياغة القوانين. كان صهيونياً هاجر إلى البلاد عندما تولى النازيون الحكم في ألمانيا. عندما توفي كان عمره 43 سنة، وترك زوجة حاملاً في الشهر الأخير وبنتاً عمرها أربع سنوات تقريبا. هذا الشخص كان والدي، والطفلة هي أنا. بعد ذلك قالت لي أمي، إنه في أسبوع الحداد وجدت في صندوق البريد بطاقة من الـ"ايتسل" مكتوباً فيها بأنه يؤسفهم ما حدث، حيث حذروا البريطانيين. رمت أمي البطاقة بقرف. فقط ولادة أُختي بعد شهرين من ذلك أعطت طعماً لاستمرار الحياة. تحولنا إلى متضررين من أعمال الإرهاب، ولم تعترف الدولة في أي يوم بهم بهذه الصفة.
عندما أصبح مناحيم بيغن رئيساً للحكومة لم يضيع وقتاً طويلاً، وبادر إلى إجراء احتفال رسمي فاخر في "حائط المبكى"، تم تكريم مقاتلي التنظيمات السرية الـ"ايتسل" والـ"ليحي" فيه بأوسمة من الدولة على إسهامهم في إقامة دولة إسرائيل. فقط ضحايا الإرهاب اليهودي قبل إقامة الدولة تم نسيانهم. لم يكرمهم أحد، ولم يذكرهم أحد، ولم يخلدهم أحد. عملياً، عند إقامة الدولة ونقل السلطة من حكومة الانتداب إلى حكومة إسرائيل بقيت عدة مواضيع غير محلولة، جرت حولها نقاشات بعد ذلك بين الحكومة البريطانية والحكومة الإسرائيلية. أحد الأمور الصغيرة، التي لم يتم حلها، هي مكانة بقايا العملية في فندق الملك داود. رفضت إسرائيل تحمل المسؤولية عن الحادثة، وفي النهاية تم الاعتراف بها كـ"حادثة عمل" بسببها تلقى هؤلاء البقايا تقاعدا ضئيلا وغير مقرون بجدول غلاء المعيشة، وبالطبع تحول إلى نكتة مع تضخم الخمسينيات.
نحن متضررو عملية إرهابية، ولكن في يوم ذكرى شهداء الجيش الإسرائيلي والمصابين في عمليات عدائية مكاننا غائب. قتلانا غير مدفونين في المقابر العسكرية، ولم نحصل في أي يوم على دعم من الدولة. لن أنسى طوال حياتي استياء احد أيتام العملية، شيلا ليفي، التي كانت كبيرة في السن، وليست بصحة جيدة، من أن والدتها العجوز والمريضة والأرملة بعد العملية، تعيش في دار للمسنين بمستوى متدن، لأنها لا تملك هي وأخواتها الموارد لتوفير مكان معقول اكثر للعيش فيه.
بعد رؤية أوسمة مقاتلي التنظيمات السرية في "حائط المبكى" لم أستطع تحمل الظلم الذي يوجد في تقليد الأوسمة للمشاغبين مقابل نسيان الضحايا. التقيت بيغن، الذي كرر تعويذة أن الجيش الإسرائيلي حذر البريطانيين، وبالتالي هم غير مذنبين. في المقابل، قلت، إنه في الوقت الحالي لا يدور الحديث عن تهمة، بل عن تحمل المسؤولية. ولكن بيغن لم يفهم الفرق. يوجد فرق. وربما أيضا من غير الصحيح أن أعضاء الـ"ايتسل" غير مذنبين.
ما هذا العمل عديم المسؤولية المتمثل في إرسال فتاة عمرها 16 سنة من اجل الاتصال مع مركز أعصاب الحكومة والتحذير من انفجار؟ لماذا سيصدق أعضاء سكرتاريا الحكومة صوتا طفوليا يبشرهم بأمر غير معقول كهذا؟ المتصلة، سارة أغاسي، شهدت بعد ذلك بأنه عندما سمعت الانفجار قالت، "لقد نجحنا!". بماذا نجحتم؟ بتدمير 100 عائلة تقريبا؟ وتحويل عشرات الأطفال إلى أيتام؟
بعد ذلك، كان رئيس بلدية القدس، أيهود أولمرت، ينوي تسمية شارع على اسم أحد أعضاء الـ"ايتسل"، غال غولدشميدت، وهو البطل الذي شارك في عمليات إرهابية كثيرة، بما في ذلك في دير ياسين، وفي أعقاب المرض لم يعد يمكنه المشاركة في عملية فندق الملك داود التي شارك في التخطيط لها. لا توجد حدود للسخافة: تسمية شارع على اسم الإرهابي الذي اسم عائلته تقريبا يشبه اسم عائلة والدي، في حين أن والدي تم نسيانه. لحسن الحظ لم تخرج هذه المبادرة إلى حيز التنفيذ في أعقاب الاحتجاج ضدها، والذي وصل وسائل الإعلام في أوروبا. ولكن في إسرائيل الحالية لم يكن هذا الأمر سيتم وقفه. الأعمال الإرهابية ينفذها فقط العرب. اليهود هم أبطال يحاربون من اجل حريتهم وبلادهم؛ حتى وهم يحرقون بيوت وسيارات وحقول العرب الهادئين باسم مسيحانية متخيلة تضع اليهود كأسياد للبلاد وكشعب الله المختار، والذين يعود لهم كل شيء، وكل شيء مسموح لهم فعله، حتى القتل والسلب والتدمير، وحتى البصق على غير اليهود الخالصين؛ لأنهم لا ينتمون للعرق السامي.
قررت بلدية القدس قبل فترة قصيرة وضع نصب تذكاري لضحايا أبناء القدس. هذا النصب التذكاري هو عبارة عن شاشة تفاعلية موجودة في قبو البلدية، ولا يتردد عليها احد تقريبا، حيث يمكنك فيها أن تجد صورة وسجلاً لشهداء الجيش الإسرائيلي والأعمال العدائية، في اليوم الذي تزور فيه هذا المكان، حتى موظف الاستقبال في المبنى لم يكن يعلم عنها. لذلك، كتب هناك عن والدي قبل اشهر قليلة: "قتل في الأعمال العدائية في 23 تموز 1946 في حرب الاستقلال. مكان الحادثة: القدس". في هذا التسجيل غير الصحيح بشكل صارخ توجد رائحة تشويه متعمدة. كتبت لرئيس البلدية، موشيه ليون، وسألته إذا كانت بلدية القدس لا تعرف متى كانت "حرب الاستقلال". ولم احصل على إجابة. ولكن بعد بضعة اشهر تم تصحيح التسجيل، وتم حذف كلمات "في حرب الاستقلال".
قبل بضع سنوات، شاركت في احتفال يوم الذكرى المشترك لليهود والعرب، الذي يجري كل سنة في حديقة اليركون في تل أبيب. في طريقي إلى هناك تم إطلاق وابل من الشتائم على المتظاهرين الذين انتظروا القادمين، أثناء قدومهم وخروجهم. إحداها كان "أنت عجوز ولكنك كلبة وعاهرة. يجب أن تخجلي. يا ليت مخرباً يدخل إلى بيتك". كم أنت متأخر أيها الصديق. المخربون دخلوا إلى بيتي في السابق، وهؤلاء هم مخربو الـ"ايتسل"، الذين زرعوا أوعية الحليب المليئة بالمتفجرات في قبو فندق الملك داود.
يصعب عليّ تذكر ذلك بعد الهجوم على أهارون براك في الكنيست، بما في ذلك من قبل الوزير بتسلئيل سموتريتش، الذي سماه "احد مخربي دولة إسرائيل"، وقد فاقه زميله عضو الكنيست، الموغ كوهين، الذي لا تستحق الدرر التي أخرجها من فمه الطباعة، لكن أنا سأذكرها رغم امتعاضي وغضبي: "أهارون براك سحقنا جميعا، هيا يا بارا غازغاز". المشكلة هي ليس فقط أنه يوجد في الكنيست أشخاص حقيرون مثل هؤلاء، يلحقون العار بالكنيست والحكومة وكل الدولة. المشكلة هي الكراهية المتقدة لكل ما تنبعث منه رائحة اليسار في نظر هذه المجموعة المهووسة بقوة السلطة التي تشوهها، وتهدم وتدمر وتحرق كل قسم جيد في كل مجال من مجالات حياتنا في هذه الدولة وتسقطه بحزن مستعار دون قيود ومن خلال العمى الكامل.
الأعضاء فيها لا يختلفون عن أعضاء الـ"ايتسل"، الذين فجروا فندق الملك داود. هم عديمو المسؤولية، ويتنكرون لتداعيات سلوكهم ويحولون إسرائيل إلى مكان مجذوم لا يستطيع أي شخص عاقل من أي تيار سياسي أن يعيش فيه فترة طويلة. أصبحت إسرائيل بلاداً تأكل سكانها العقلانيين، وهذا الأمر تم التعبير عنه ليس فقط بالعنف والعدوان اللانهائي والذي اصبح يرافق حياتنا، بل أيضا بكراهية الأجانب والتنكيل بهم وبمظاهر الفساد والحيونة والاستخفاف بقيم الثقافة والفكر وبفظاظة القلب وغياب الطريق السوية وعدم الاهتمام بالآخر الذي نواجهه كل يوم وعدد لا يحصى من المرات في كل يوم. باسم ماذا؟ باسم الإيمان بتفوق اليهود الوهمي، الذي يعطي حقوقاً زائدة ويهدر دماءهم. حقوق وكرامة كل الآخرين، بما في ذلك اليهود الكثيرون، الذين لا يعتبرون من "المختارين".
بعد ذلك جاء صباح يوم الجمعة، 7 تموز 2023. 9 حافلات خرجت من أرجاء البلاد، منها 3 من تل أبيب، حيث كان الهدف القرية الفلسطينية برقة في الضفة الغربية في شرق طولكرم. الهدف هو السير معا مع سكان برقة باتجاه "حومش" القريبة جدا، من اجل الاحتجاج على إعادة توطين هذه المستوطنة غير القانونية، التي يزعج سكانها سكان القرية ويضرون بممتلكاتهم ومزروعاتهم بشكل يومي. هذه الحملة نظمتها حركة "السلام الآن"، التي أبلغت الجيش عن نواياها. كنت في إحدى الحافلات التي خرجت من تل أبيب.
لم تصل حافلاتنا إلى برقة. أوقفنا الجيش غير بعيد عن القرية، ولم يسمح للحافلات بمواصلة السفر. بعض الركاب في حافلات أخرى نجحوا في الوصول إلى برقة. ما حدث هناك أحسنت وصفه على صفحات هذه الصحيفة إيلانا هامرمان في المقال الذي نشرته في 14/7. سأعود هنا باختصار على تسلسل الأحداث: نزلنا من الحافلات ومشينا نحو برقة. مئات الشباب وكبار السن وعجائز في يوم صيفي حار جدا. بعد 4 كم عندما اقتربنا من القرية حاول جنود حرس الحدود إيقافنا بالدفع، دون نجاح (لقد أوقفوا احد المشاركين في المسيرة وأخذوه معهم). انحرفنا نحو حقل زيتون وواصلنا السير. استدعى حرس الحدود تعزيزات ووقف الجنود على بعد 200 متر عنا، وبدؤوا يطلقون نحونا قنابل الدخان وقنابل الصوت وقنابل الغاز. على الفور اندلعت حرائق وجدوا صعوبة في إطفائها. وصلنا إلى شارع 60، هناك انتظرتنا قوة اكبر، استمرت في إطلاق القنابل. ومن مسافة قصيرة تعرضنا للدفع الوحشي.
بما يشبه المعجزة فقط تضررت إحدى المشاركات في المسيرة بسبب الغاز، وتم نقلها إلى القرية لتلقي العلاج. الآخرون قاموا بوضع المناشف والمناديل وكل شيء تمكنوا من وضعه على الوجوه لحماية انفسهم من الغاز والدخان. اندلعت حرائق كثيرة، لم يسمح لنا بالوصول إلى برقة وتم توجيهنا إلى منطقة سبسطية كي ننتظر هناك الأصدقاء الذين نجحوا في الوصول. الجيش الإسرائيلي، جيش الدفاع عن المستوطنين، أعلن عن المكان منطقة عسكرية مغلقة محظوراً علينا التواجد فيها، بعد أن بدأنا في السير. لم يسمحوا للحافلات بالمجيء لنقلنا. أراد الجيش التأكد من أن كل الذين وصلوا إلى برقة سيغادرونها فقط بعد ساعتين. فقط عندما عاد هؤلاء وانضموا إلينا سمحوا للحافلات بالدخول.
تجربة التصادم مع الجنود (والمجندات)، العدوان والعنف الذي عاملونا به – نحن الذين لم نقم باستفزازهم ولم نستخدم أي عنف – كانت صادمة. شعرت أنه تمت خيانتي من قبل جيشي الذي بدلا من أن يدافع عني وعن مجموعة محبي السلام التي شكلناها، يدافعون عن المستوطنين الذين يثيرون الشغب ويزرعون الدمار. من الواضح من أين تأتيهم الأوامر حول كيفية تصرفهم. المستوطنات هي أم كل الخطايا، وهذا يذكر بيشعياهو لايفوفيتش، الشخص الحكيم، النبي في مدينته. لو أنه كان على قيد الحياة، اليوم، لما كان من المستبعد أن سيرجم في ميدان المدينة، ولما كانوا سيكتفون فقط بالشتائم والإهانات القبيحة وسحب جائزة إسرائيل منه وإجراء تظاهرات صاخبة أمام منزله.
من ناحيتي، تم إغلاق نوع من الدائرة: الإرهاب اليهودي سرق مني والدي عندما كنت طفلة صغيرة، والإرهاب اليهودي ينقض علي وأنا عجوز عندما اذهب من اجل التعبير عن الاحتجاج والغضب مما يرتكبه الذين يضعون انفسهم كأسياد البلاد والبلاد المجاورة، وأصحاب الحقوق الزائدة الذين كل أمر مقيت مسموح لهم القيام به باسم عقيدتهم المسيحانية منفلتة العقال والمقطوعة عن كل القيم اليهودية والعالمية للإنسانية الأساسية. الويل لنا لأننا وصلنا إلى هذا الوضع.

عن "هآرتس"