جلب الصيف الحار جولة أخرى من التوتر بين إسرائيل و”حزب الله”، بالذات في الوقت الذي تتطلع فيه العيون إلى التنقيب المرتقب في أيلول لشركة “توتال” في المياه الاقتصادية اللبنانية. يعد هذا تنقيباً مهماً في ضوء توقعات لبنان بخلاص اقتصادي من احتمالات الطاقة في مياهه. نتائجه كفيلة بأن تؤثر على المزاج اللبناني، بما في ذلك “حزب الله”.
ما الذي يقبع في عمق التوتر؟ بالإجمال، الأعمال الإسرائيلية في قرية الغجر ليست جديدة، وسمح لإسرائيليين بزيارة قسمها الشمالي قبل نحو سنة في أثناء المفاوضات على الحدود البحرية. يبدو أن عاملين أساسيين يقبعان في عمق الخطوات الآن من جانب “حزب الله”، بما في ذلك إقامة الخيام في قاطع “هار دوف”: الأول يتعلق بالوضع غير المريح الذي يكمن فيه التنظيم داخل الساحة اللبنانية؛ أي أن مأزق انتخاب الرئيس ومجال المناورة الضيق عقب نتائج الانتخابات للبرلمان لا يسمحان له بإملاء تعيينه للرئيس كما يشاء. وحتى الدعم الفرنسي لمرشحه المفضل، فرنجية، ليس كافياً.
العامل الثاني يتعلق بالتطورات في الساحة الإسرائيلية. مظاهر الاحتجاج الواسعة المتواصلة لأسابيع طويلة، والإعلانات المتسعة من جانب جنود الاحتياط بالوقف عن التطوع للخدمة العسكرية تقدم عرضاً غير مسبوق؛ لأن الساحة الإسرائيلية، السياسية والاجتماعية، منقسمة وضعيفة. وقد تكون ساعة مناسبة، في نظر “حزب الله”، لإنجازات، تكتيكية في أساسها، في الظروف الحالية، تعتبر ممكنة.
لكن كما هو الحال دوماً، فإن التصعيد المدروس ربما يتردى إلى منزلق سلس، والطرفان غير معنيين به الآن.
السلوك الإسرائيلي يفضل العمل بوسائل دبلوماسية هادئة. أما المشتكون من المس بالردع الإسرائيلي والداعون إلى رد حازم، فيجدر بهم التركيز على ما يحصل في الساحة الداخلية، حيث سلوك الحكومة عديم المسؤولية وضار، في المديين القصير والبعيد على حد سواء.
زيارة عاموس هوكشتاين، مبعوث الرئيس الأمريكي لإسرائيل، جرت على خلفية مختلفة عن تلك اللبنانية (التطبيع المبتعد مع السعودية حسب الرئيس بايدن؟). لكن واضح أنه الرجل الصحيح في الوقت الصحيح، للقفز إلى بيروت لتصحيح المعوج؛ أي أن المنزلق السلس يبقى في وضع متوازن. من الصعب الافتراض أنه يمكن الآن تسوية خلافات الرأي حول الحدود البرية، وبخاصة حين تتضمن أيضاً مسائل تستوجب الزاوية السورية، كمزارع شبعا أو قرية الغجر. سوريا لا تزال مستبعدة رغم عودتها إلى الجامعة العربية ورغم عملية تطبيع نظام الأسد في الأشهر الأخيرة. لقد فضلت إسرائيل ألا تدرج مسألة الحدود البرية في عملية المفاوضات على الحدود البحرية. والموافقة التي سمعت الآن من إسرائيل للدخول ظاهراً إلى مفاوضات في الموضوع، تشكل خطوة تكتيكية ترمي إلى الإشارة إلى أن الأفضلية الواضحة تعطى للمستوى الدبلوماسي.
كما أسلفنا، التنقيب الشمالي في كتلة 9 اللبنانية ذو أهمية عظيمة. صحيح أنه لا ينبغي تعليق توقعات أعلى مما ينبغي على التنقيب الأول، لكن النتائج كفيلة في ظروف الأزمة في لبنان بأن تلقى معنى أوسع من تفسير الطاقة الصرفة. من المهم الاستعداد لنتيجتين محتملتين: تنقيب جاف يتسبب بخيبة أمل في لبنان، وأصوات تنتقد الاتفاق مع إسرائيل. وسيزداد الضغط على الشركة الفرنسية لتنفيذ تنقيب إضافي، والمطلوب استعداد لأزمة التوقعات.
من الجانب الآخر، سيستوجب التنقيب الناجح تنسيقاً للتوقعات، وإن كان في سياق إيجابي. سيزداد الضغط لتنفيذ إصلاحات ضرورية في مجال الطاقة اللبنانية. السؤال فيما إذا كان الحديث يدور عن حقل مشترك مع إسرائيل سيصبح واقعياً وربما أيضاً مسائل تتعلق بالتصدي المحتمل (إذا كان الحديث يدور عن كميات كبيرة)، أو للساحة المحلية فقط (إذا كانت الكميات أكثر تواقعاً). يدور الحديث عن تفكير يجب أن يتم الآن، سواء في “القدس” أم في بيروت (وربما أيضاً في واشنطن وباريس).
يمكن ومرغوب فيه تسوية الخلاف الحالي في المستوى الدبلوماسي. للولايات المتحدة، رغم أنها ملت من الحكومة الحالية، قدرة على عمل ذلك.
ميخائيل هراري
معاريف