يفغر العرب أفواههم، مشدوهين بما يحدث في دولة اعدائهم إسرائيل ، رافعين أيديهم الى السماء، ان يشتت الله شملهم اكثر فأكثر ، ان يفسّخ وحدتهم ان يشق صفهم وان يأخذهم أخذة عزيز مقتدر ، و أن يدخلهم في أتون الحرب الاهلية التي عايشوها من قبل في العديد من بلدانهم عبر عقود طويلة من الزمان ، بعضها ما زالت ماثلة و قائمة حتى اليوم ، كالسودان واليمن وليبيا ... الخ .
لا يريد العرب ان ينظروا الى أسباب هذه المظاهرات والاحتجاجات منذ حوالي سبعة اشهر (30 أسبوعا) المتعلقة بما تسميه الحكومة إصلاح القضاء و تسميه المعارضة إفساده و تخريبه ، كل وسائل اعلام العرب تقريبا تردد هذه الأسباب ، لكنها تتناسى او تغض الطرف عن أحوال القضاء في اوطانها ، و هو قضاء أقرب "للقضاء والقدر" تابع بشكل ذيلي للحاكم ، و عبر القرن الأخير من الزمان لم نسمع عن زعيم او أي احد من اهل بيته قد جلب الى المحاكمة رغم فساداته متعددة الأوجه والصفقات . وتسهب وسائل الاعلام العربية ، مذيعون و مراسلون و محللون و محررون عن المحكمة العليا الإسرائيلية و المس بصلاحياتها ، فهل سأل هؤلاء انفسهم و لو لمرة واحدة : ماذا عن محكمة عدلنا العليا في العديد من الدول العربية. وعبر الثلاثين أسبوعا من هذه المظاهرات ، هل سأل العرب انفسهم لماذا لم يسقط فيها أي متظاهر كما يحدث في قمع مظاهراتنا ، لماذا تقتصر عمليات القمع عندهم على خراطيم المياه ، في حين تتولى خراطيم الدبابات قمع مظاهراتنا و يسقط العشرات و ربما المئات و يفرض منع التجول و تشن حملات الاعتقال و السجن والتعذيب ، و تصبح المشاركة في المظاهرة بمثابة مشروع استشهاد .
بين المشهدين الإسرائيلي و العربي ، يبرز السؤال الأصعب على النفس : من هو الأكثر جدارة بالحياة ، الأول ام الثاني ، رغم ان الأول الإسرائيلي يحمل بذور فنائه في ذاته كونه يحتل شعبا آخر ، وجذور الصراع معه تمتد الى ما دون تأسيسه قبل خمسة و سبعين سنة ، و لكن النظام العربي انهى هذا الصراع مع هذا الكيان ، و هذا العدو لم يعد عدوا ، حتى ان بعض من هذا النظام تطوع مؤخرا لتقديم محاولات انقاذ عبر توجيه الدعوات لنتنياهو زيارة المغرب و تركيا من باب "الصديق وقت الضيق" ، و ستكون الطامة الكبرى اذا ما استخدم اردوغان قضيتنا الفلسطينية مبررا للانقاذ ، و ستكون الطامة أكبر اذا ما شاركنا في فصولها الهزلية و نحن لم نبدأ بعد في ترميم اثار المجزرة في مخيم جنين ، و نحن لم نبدأ بعد في التئام اجتماع أمناء الفصائل المزمع في القاهرة لرأب صدعنا و فضائحنا ، بل صدعهم و فضائحهم .