بشكل مفاجئ، أعلنت مصادر فلسطينية يوم 24 يوليو 2023، عن لقاء سيعقد بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حركة حماس هنية في أنقرة، رغم ما سبقه بساعات من حملات تشويه وتخوين متبادلة فيما يملك كلاهما من وسائل إعلام بمختلف أشكالها، ومناصرين كذباب إلكتروني لا يبقون كلمة من القاموس غير الأخلاقي دون سردها.
ليس المرة الأولى أن يحدث لقاء كهذا بين الطرفين، بمستويات مختلفة بعد ما ماثلها حملات التوصيف، وغالبا ما تبدأ بابتسامة لتنتهي بأقذر ما في اللغة من عبارات، وتكررت ذات المواقف، وتلك ليست عملا مدهشا لغالبية أهل فلسطين، ولكنها تصبح عملا قمة في الاستخفاف ألا يقال عن سبب تلك المهازل المتلاحقة.
"لقاء أنقرة" بين عباس وحماس لم يأت في سياق "وعي مفاجئ" لهما بأهمية الاجتماع حرصا على "الوطنية الفلسطينية"، فتلك ربما لم تكن جزءا من تفكيرهما، بل جاء تلبية لرغبة الرئيس التركي رجب أردوغان، الباحث عن استعادة مكانة تركيا، دوليا وإقليميا، خاصة وأنه سيستقبل رئيس حكومة الكيان نتنياهو بعد أيام من "الصورة الثلاثية"، والتي أطلق بعدها تصريح هو الأول في تاريخ أردوغان السياسي، بأن "الانقسام يخدم أعداء السلام".
تصريح الرئيس التركي بعد "الصورة الثلاثية" رسالة سياسية الى 4 أطراف، أمريكا ودول حلف الناتو، ودول الاتحاد الأوروبي الباحث عن عضويتها، ودولة الكيان وحكومتها، والى مصر بأنها ليست الطرف الوحيد الذي يملك "مفتاح" الدخول الى المشهد الفلسطيني.
رسالة تركية خالصة الامتياز، استخدم فيها طرفي العملية الانقسامية دون أي حساب خاص لفلسطين، بل العكس تماما، ما كان منهما بعد اللقاء كشف أن السذاجة التي تحدثا بها، وخاصة تسريبات الطرف الحمساوي، تؤكد أن الانتهازية السياسية تخطت خطوطها الحمراء، وأن الفلسطيني المواطن، لا قيمة له في حسابتهم، بقدر حساب مصلحتهم.
حماس موضوعيا، الأكثر استفادة من "لقاء السذاجة" في أنقرة، فهي تبحث تصويب مكانتها التي أصابها ضرر كبير، بعد معارك جنين وقبلها غزة، وما حدث غضب سكاني في ظل أزمة الكهرباء، فكانت تركيا باب التفافي لتحسين مشهدها قبل لقاء القاهرة، ومنحتها فتح ورئيسها مكانة امتيازية مسبقة، بل أنها تخلت موضوعيا عن قيمة "الشراكة" مع فصائل منظمة التحرير لصالح اللهاث عن لقاء بحماس.
بعد أيام، سيتم عقد "لقاء القاهرة" بناء على دعوة من الرئيس عباس، مبكرا أعلنت حركة الجهاد على لسان أمينها العام زياد النخالة عدم المشاركة، وربما أصاب القرار بذلك، ليس لما قاله من مسببات، فكل ما قاله لا يمثل دافع رفض الحضور، ولكنه كان سيكون أكثر صدقا لو ربط عدم المشاركة بـ "لقاء أنقرة".
بعد فشل اللقاء التركي، رغم الميزة التي منحتها فتح لحماس، وعدم وضع أي ملامح مبشرة بين الطرفين، فما الذي سيتغير في اجتماع القاهرة:
- هل ستحدث "معجزة القرن" لتعلن حماس موافقتها على تسليم الحكم الانفصالي لتعود غزة الى حضن الشرعية، وتتخلى عن آخر قاعدة إخوانجية حاكمة في العالم، ما يفقدها قوة دفع الجماعة بكافة مسمياتها في العالم.
- هل هناك توافق أساس على طبيعة الأجنحة المسلحة في قطاع غزة، وعلاقتها بالأجهزة الأمنية، لتنتهي ظاهرة التمرد الفصائلي في منطقة لم يعد هناك أي ضرورة وطنية كفاحية لسلاح خارج الشرعية الرسمية، وتلك مسألة مركزية دون وضع قاعدة أساس لها لا يمكن اطلاقا الحديث عن "حكم وحكومة" لشرعية ابدا.
- هل هناك توافق على آليات عمل "أجنحة مسلحة" في الضفة الغربية ضمن استراتيجية مواجهة العدو الاحتلالي، جيشا وأجهزة أمنية وفرق إرهابية استيطانية بكل منتجاتها، وهنا لا يمكن الحديث عن "سلاح واحد"، بل يمكن الحديث عن "رؤية مواجهة واحدة".
الحديث عن "سلاح شرعي واحد" مطلب يغلق الباب كليا أمام أي توافق، فالضفة والقدس ليست قطاع غزة، كون وجود الاحتلال مختلف، فالأولى وجود مباشر والثانية خارج جغرافيتها، ولذا لا يجب وضع أداة قياس واحدة، فالشرعية الرسمية في القطاع تتطلب "سلاح واحد"، فهذا حق مطلق، ولكن في الضفة والقدس يصبح مفهوم "سلاح واحد" مفهوم غير مقبول وطنيا، ولذا يجب التفكير ببعد خارج النص الكلاسيكي التقليدي، بتعريف "الشرعية" وفقا للأهداف القائمة وليس وفقا للنظام القائم فقط.
تلك هي القضايا المركزية التي منها يكون انهاء الحالة الانقسامية أو استمرارها، وكل حديث آخر ليس سوى ذرائعية هروبية، لا برنامج سياسي يراد أن يتم "اختراعه" خاصة مع قرارات المجلس المركزي التي أكدت عليها لقاءات بيروت والقاهرة، ومن لديه تحفظ فهذا حقه ما دام وافق البقاء ضمن الشرعية الرسمية، ولعل حكومة دولة الكيان وبرلمانها مثال لا يجب أن يغيب، وشرط الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية لإنهاء الانقسام "شرط غير ذكي"، ويجب شطبه كليا من جدول الأعمال احتراما للعقل الفلسطيني.
قبل لقاء القاهرة وكي لا يقال يراه غالبية أهل فلسطين بأنه "لقاء التساهيل"، عل وعسى وربما وممكن أن يكون، يجب تأجيله وتشكيل فرق عمل مصغرة لبحث مسألتين لا أكثر، هما:
* تسليم الحكم والحكومة في قطاع غزة، ومفهوم "سلاح واحد" ضمن الشرعية القائمة.
* وضع رؤية خاصة حول سلاح الأجنحة العسكرية في الضفة والقدس، ضمن "رؤية مشتركة" وليس ضمن "سلطة واحدة"، مرتبطا بالهدف القائم في مواجهة مكونات الاحتلال كافة.
لو تم التوافق حول مسألة نهاية التفرد الحمساوي وسلاح الفصائل في قطاع غزة ورؤية مشتركة لسلاح الفصائل في الضفة، لتكمل الفرق المتفاوضة صياغة اتفاق نهاية الانقسام، دونهما أوقفوا "مهزلة لقاءات الفنادق" وما تكلفه من أموال ولتذهب لصالح دعم الأسر الفقيرة، وتوفير الكهرباء لأهل غزة.
مرة واحدة، لتحترم المسميات الفصائلية كافة، وعي الشعب الفلسطيني ولتغادر حالة الاستهبال السائدة منذ عام 2005 وحتى تاريخه...فتذاكيها باتت مشمئزا وجدا.
ملاحظة: نقطة ضوء وسط سواد مشهد فلسطيني..بداية حركة نحو محكمة العدل الدولية لمطاردة المحتلين وكيانهم..بدها قوة دفع أكثر لتقدم كل دول العرب مطالعتها..وكل من أيد القرار في الأمم المتحدة..نشاط أكثر يجلب مطالعات أكثر..شوية همة شباب.
تنويه خاص: تسريبات أنصار حركة "الجهاد" حول أعضاء "كتائب الأقصى" الفتحاوية برفضهم العمل في الأجهزة الأمنية، يشكل تهمة خاصة، فمن هو الطرف الذي ينفق عليهم حياة وسلاحا...هيك كلام يضع "شبهات" كبيرة على كتف شباب يدفعون حياتهم ثمنا لوطن..بلاش برم في غير وقته ومكانه.