بالإضافة إلى البعد السياسي، ربما يكون البعد الديني هو أحد أهم أسس ومبادئ النظرة الإسرائيلية للقدس، وهو المبدأ الذي يستند على ﻨﻅﺭﻴتي “ﺍﻻﺼﻁﻔﺎﺀ ﺍﻹﻟﻬﻲ” ﻟﻠﻴﻬﻭﺩ ﻭ”ﺍﻟﻭﻋﺩ ﺍﻹﻟﻬﻲ” لهم ﺒﺎﻟﻌﻭﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻤﻴﻌﺎﺩ!! فبحسب أساطيرهم: لااصطﻔﺎﺀ ﻭﻻ ﺃﺭﺽ ﻤﻴﻌﺎﺩ لليهود ﺒﺩﻭﻥ ﺍﻟﻘﺩﺱ. وفي هذا السياق، تظهر خطط إسرائيل التهويدية للقدس بعيدة المدى، والتي ترمي إلى طرد كل الفلسطينيين من “زهرة المدائن”! فتهويد القدس، جوهر المشروع الصهيوني، الديني والسياسي الراهن، لا تتراجع إسرائيل عن الحلم بتحقيقه على أرض الواقع بل هي تمضي إليه بكل حماسة وجهد.
مؤخرا، دفع ما يسمى “حارس الأملاك العام في وزارة القضاء الإسرائيلية” مخططا، لبناء مستعمرة كبيرة بادعاء أنها أراض في القدس المحتلة مسجلة بملكية يهود قبل العام 1948، وذلك على حساب خطة لتقليص الضائقة السكنية للمقدسيين. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “هآرتس” أن المخطط “قدّمته شركة مقاولات يديرها ناشط يميني، علما أن المنطقة المزمع إقامة المستوطنة فيها تم تخصيصها من أجل خدمة الفلسطينيين”. ويشمل المخطط الاستعماري/ “الاستيطاني” بناء (450) بؤرة سكنية في منطقة مساحتها (12) دونما في منطقة تقع بين قريتي أمليسون وجبل المكبر في القدس المحتلة. ويقضي المخطط بإحاطة “المستوطنة” بجدار. وكانت سلطات الاحتلال قد ادعت، في إطار خطة خماسية للقدس الشرقية، تخصيص هذه المنطقة لبناء فلسطيني دون الإعاقات المعتادة. إلا أن منظمات إسرائيلية بينها “عير عميم” أكدت أنه، منذ بداية الإجراءات في هذه المنطقة، ركز موظف التسويات في وزارة القضاء على مناطق، يُزعم أنه تتواجد فيها “أراض بملكية يهودية”، وأن هذا الموظف تحول إلى أداة بأيدي منظمات “استيطانية”.
هذا، وكانت صحيفة “هآرتس” قد ذكرت اسم الثري الأسترالي اليهودي (كيفين برمايستر) على أنه أحد الناشطين البارزين في مشروع هذه “المستوطنة”، وهو عضو في مجلس إدارة شركة “طوفوديا”. وعضو آخر في مجلس إدارة الشركة هو (يهودا ريغونس) الذي كان في السابق متحدثا باسم جمعية “إلعاد” الاستيطانية التي تسعى إلى السيطرة على حي سلوان، وهو مدير عام صحيفة “ماكور ريشون” اليمينية المتطرفة. وفي هذا قال الباحث الإسرائيلي (أفيف تتارسكي) من جمعية “عير عميم”: “هذه المرة الثالثة خلال أقل من سنتين التي يستغل فيها حارس الأملاك العام تفويضه المؤقت من أجل إقامة مستوطنة داخل حي فلسطيني. والتعاون بين حارس الأملاك وعناصر المستوطنين تجاوز خطوطا حمراء بارزة هذه المرة”. من جانبه، يرى الكاتب (نير حسون) أنه “في السنوات الأخيرة أصبح قسم القيم العام، المسؤول عن إدارة الأملاك اليهودية التي بقيت وراء الخط الأخضر في 1948، جسما مهما لاقامة المستوطنات اليهودية، وتم توجيه انتقاد شديد للمساعدة التي قدمها لجمعيات اليمين التي تعمل على تهويد القدس”.
لقد بات واضحا أن المسعى و(الهدف) الإسرائيلي النهائي في المدينة المقدسة يقترب من المأساة الكبرى!! فالمدينة باتت محاطة بحزام “استيطاني” يزداد تمددا في كل الجهات بل وتوغلا في كل الحارات والبلدات، الأمر الذي قلص الوجود العربي في القدس وحول الأحياء الفلسطينية فيها إلى كانتونات ينزرع فيها “الاستيطان” كما الغدد السرطانية. فإلى متى الصمت الرسمي العربي والإسلامي والدولي؟!! وإلى متى نغطي رأسنا تحت لحاف الوهم المتلاشي حثيثا مرددين: دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية؟!!