هارتس : سياسة إسرائيل تجاه الضفة الغربية: فصول من التضليل (1من2)

شاؤول-ارئيلي.jpg
حجم الخط

بقلم: شاؤول أريئيلي



تستكمل حكومة اليمين الخالص، برئاسة بنيامين نتنياهو، في هذه الأثناء عملية كشف سياسة إسرائيل بالنسبة للضفة الغربية، مثلما تم التعبير عنها في مشروع الاستيطان. لقد أحسن وصف ذلك توماس فريدمان في المقال الذي نشره في "نيويورك تايمز" في 11/7، والذي جاء فيه أن الحكومة الحالية لا تسمح باستمرار وهم الدولتين، ولم يعد بالإمكان نفي السياسة التي تدفع بها إسرائيل قدما: دولة واحدة غير ديمقراطية. بدأت هذه السياسة في تضليل المجتمع الدولي والمجتمع الإسرائيلي، وهي ستنتهي – بوساطة الانقلاب النظامي – بخلق دولة إثنية رسمية خالصة.
لم يبدأ اليمين العملية. في العام 1967 كانت إسرائيل تدرك بأن بناء مستوطنات يهودية في "المناطق" المحتلة أمر غير قانوني حسب ميثاق جنيف. في آذار 1968 أرسلت وزارة الخارجية برقية مصنفة بأنها "سرية جدا" إلى السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة في حينه، اسحق رابين، ضمت التوجيهات التالية: "خطنا الثابت كان وما زال التهرب من مناقشة الوضع في المناطق التي تم وضع اليد عليها على أساس ميثاق جنيف... سيبرز الاعتراف الصريح من قبلنا بسريان الميثاق مشكلات صعبة من ناحية الميثاق بخصوص تفجير البيوت وعمليات الطرد والاستيطان وغيرها".
هكذا، على الفور بعد حرب "الأيام الستة" بدأت إسرائيل في بناء المستوطنات في "المناطق"، من خلال استخدامها كثيراً من التضليلات. في 27 أيلول 1967 كتب رئيس لجنة التنسيق السياسي – الأمني في "المناطق"، شلومو غازيت، لمكتب رئيس الأركان بخصوص استمرار التمسك بـ"غوش عتصيون"، لأنه كـ"غطاء" لاحتياجات المنظومة السياسية، "ستظهر البؤرة الاستيطانية للشبيبة الدينية في (غوش عتصيون) بؤرة عسكرية للناحل. وستعطى توجيهات حول ذلك للمستوطنين في المكان".
في عيد الفصح في 1968 رفض المستوطنون، برئاسة موشيه ليفنغر، الخروج من فندق "بارك" في الخليل بعد أن تقمصوا صورة السياح، كما وعدوا الجيش الإسرائيلي. أثمرت التسوية معهم بضغط من يغئال الون عن إقامة "كريات اربع". في نيسان 1975 سمح وزير الدفاع، شمعون بيريس، لـ"فصيل العمل" في نواة "شيلو" بالنوم في موقع عسكري اردني مهجور بعد أن وعدوا بأن الأمر لا يتعلق بمحاولة استيطان. "فصيل العمل" كان ربما أراد بناء قاعدة سلاح الجو في باعل حتسور، ما منحه الاسم المغسول "ناحل راداري". عمليا، لم يعمل هذا الفصيل بهذا مطلقاً، وبقي في المكان الذي تحول فيما بعد إلى مستوطنة "عوفرة" على أراضي قرية عين يبرود وسلواد.
في كانون الثاني 1978 استوطنت على تلة شيلو مجموعة من المستوطنين، هذه المرة تحت غطاء معسكر حفريات أثرية بتشجيع من وزير الزراعة في حينه، ارئيل شارون. اتخذت إسرائيل مع هذا عدداً من الخطوات الحذرة، كما أوضحت بليئا البيك من وزارة العدل: "هناك عنصر المؤقتية في المستوطنات؛ لأن الحكم العسكري يمكن أن يمنح المستوطنين حقوق استئجار للأرض. إذا حدث تغيير في الترتيبات السياسية والعسكرية فإن الحكم العسكري سيتوقف وسينتهي الاستئجار" ("هآرتس"، 5/4/2004).
إسرائيل، التي طبقت على "المناطق" المحتلة "قوانين الاحتلال الحربية"، وصلت إلى ذروة السخافة في الوقت الذي أرادت بوساطتها تبرير وضع اليد على أراضي بملكية فلسطينية خاصة لصالح إقامة المستوطنات بذريعة الاحتياجات الأمنية. وزير الدفاع في حينه، موشيه ديان، قال في 1970 في نقاش في الحكومة حول إقامة "كريات اربع"، "أقترح... في المرحلة الأولى أن نعمل وكأننا نفعل شيئا ما لغايات الأمن، بالأساس إذا كان هذا الأمر مرتبطاً بمصادرة أراض وبناء وشق طرق".
أيدت المحكمة العليا هذا التبرير. في قضية "بيت إيل" المقدمة للمحكمة العليا في العام 1978 قال القاضي الفيرد فيتكون، إن "لا حاجة لأن تكون خبيرا في شؤون الجيش والأمن كي تفهم أن عناصر تخريبية تعمل بشكل أسهل في منطقة مأهولة فقط بسكان لامبالين أو متعاطفين مع العدو، من العمل في منطقة يوجد فيها أيضا أناس من شأنهم أن يتابعوهم ويلاحقوهم ويخبروا السلطات عن أي حركة مشبوهة".
وقالت القاضية مريام بن بورات، "من المعقول أنه في هذا الوضع الخاص فإنه من الحيوي استخدام حلول استثنائية أيضا. احد هذه الحلول هو خلق تواجد يهودي مدني في نقاط حساسة بشكل خاص".
في قضية "الون موريه" المقدمة للمحكمة العليا في 1979 غيرت المحكمة سياستها، وأمرت بإخلاء المستوطنة وإعادة الأراضي إلى أصحابها، كل ذلك لأن المستوطنين، خلافا لرئيس الأركان في حينه، رفائيل ايتان، فضلوا تجنب ادعاء الهدف العسكري والانتقال إلى ادعاء الحق الإلهي. هذا الحكم، على خلفية وقف عملية تسجيل الأراضي في الضفة الغربية من قبل إسرائيل، نتجت عنه مبادرة جديدة مضللة. وتحت قيادة ارئيل شارون ولدت فكرة تسوية الأراضي على أساس قانون عثماني قديم، بوساطته أعلنت إسرائيل 1.6 مليون دونم من أراضي الضفة الغربية أراضي دولة. من بينها خصصت الحكومة أراضي لإقامة مستوطنات في إطار "خطة شارون" التي تمت المصادقة عليها في الحكومة في تشرين الأول 1977 وأدت إلى إقامة 88 مستوطنة خلال ثماني سنوات.
بعد مرور 14 سنة على ذلك بدأت تترسخ، لفترة قصيرة، سياسة جديدة. ففي تشرين الثاني 1992 قررت حكومة رابين الثانية وقف إقامة مستوطنات جديدة (القرار 360). وبعد سنة تم التوقيع على اتفاق أوسلو وتم البدء في نقل الصلاحيات على جزء من "المناطق" إلى السلطة الفلسطينية. في أعقاب ذلك، في آب 1996، قررت حكومة نتنياهو أن أي مستوطنة جديدة يجب إقامتها بموافقة كل الحكومة (القرار 150).
قاد الوضع الجديد الحكومة إلى إيجاد طرق التفافية، وهكذا ولدت ظاهرة البؤر الاستيطانية غير القانونية. في تشرين الأول 1998، قبل التوقيع على اتفاق "واي"، دعا شارون، الذي كان في حينه يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة نتنياهو، المستوطنين إلى احتلال كل تلة فارغة لأن "ما ستحتلونه سيكون ملكاً لنا. وما لا تحتلونه لن يكون لنا"، ("هآرتس"، 17/11/1998). وقال مدير عام مجلس "يشع" السابق، عيدي مينتس، إنه خلال السنين اعتقد المستوى السياسي بأنه من المناسب وأنه يمكن خلق تواصل استيطاني. وحسب قوله فإن البؤر الاستيطانية ليست مبادرة لمجموعة من الأشخاص الهامشيين التي تسمى "شبيبة التلال"، بل نتاج لتخطيط دقيق لاحتلال أماكن استراتيجية، تم تنسيقه مع المستوى السياسي، ("هآرتس"، 6/9/2004). دليل آخر على ذلك هو خطة "المنظومات العليا"، التي اطلقها لواء الاستيطان في الهستدروت الصهيونية في 1997 والتي على أساسها أقيمت البؤر الاستيطانية.
استمرت ألاعيب التضليل أيضا في أوقات التصعيد الأمني. ففي 2001 قررت إسرائيل إقامة جدار الفصل الأمني بسبب موجات "الإرهاب" في الانتفاضة الثانية. أراد رؤساء مجلس "يشع" (يهودا والسامرة وغزة) استغلال الوضع وتسوية مكانة معظم المستوطنات عن طريق الضم الفعلي بوساطة الجدار. وأوضح عضو الكنيست نيسان سولومنسكي (المفدال) في اللجنة المالية في حزيران 2003 بأنه هو وأصدقاؤه سيكونون مستعدين للمصادقة على ميزانية إضافية لإقامة الجدار شريطة أن لا يتم تغيير المسار، وأن يتضمن أيضا (ارئيل وكدوميم وعمانوئيل وكرنيه شومرون).
في هذا الوضع، بقيت المحكمة العليا هي آخر من أوقف استبداد النظام والطموحات الجغرافية للمستوطنين وممثليهم في الحكومة. في العام 2004 قال رئيس المحكمة العليا في حينه اهارون براك، "لا يمكن أن يكون جدار الأمن بسبب ضم أراض من المناطق لدولة إسرائيل. هدف جدار الفصل لا يمكن أن يكون ترسيم حدود سياسية". وفي العام 2006 وبخت رئيسة المحكمة العليا، دوريت بينش، الجيش على تضليله للمحكمة (ملف تسوفيم): "يشير الالتماس الذي أمامنا إلى حدث يجب عدم التسليم به، بحسبه المعلومات التي قدمت للمحكمة لا تعكس كل الاعتبارات التي كانت محط اعتبار متخذي القرارات". وفي 2009 (في ملف بلعين – موديعين عيليت) تبين نظام الأولويات للحكومة والمستوطنين. وهذا ما كتب في قرار المحكمة العليا: "يبدو أنه إزاء الرغبة في ضمان إقامة الحي الشرقي مستقبلا (موديعين عيليت) تم تحديد مسار الجدار في المكان الذي لا توجد فيه أفضلية أمنية... هو يعرض للخطر القوات التي تتجول على طول المسار".
ازدادت البؤر الاستيطانية وازدهرت. وفي 2005 وصل عددها إلى 105، وكان يعيش فيها حوالي 4 آلاف شخص. ورغم عدم قانونيتها (حتى حسب القانون الإسرائيلي) إلا أنها حصلت على حماية كاملة من الجيش، بتوجيهات من المستشار القانوني للحكومة. وقد دفع ضغط أميركي لإدارة جورج بوش حول هذا الأمر شارون إلى تعيين المحامية تاليا ساسون من اجل التحقيق والتوصية باستمرار السياسة في موضوع البؤر الاستيطانية.

عن "هآرتس"