خلال 30 أسبوعا لم تهدأ مظاهرات الغضب ضد حكومة "التحالف الفاشي" برئاسة الثلاثي نتنياهو - سموتريتش وبن غفير، عنوانها "التعديلات القضائية"، لكنها تكشف أمورا أكثر تعقيدا وجوهرية من تلك المسألة، وبما يعيد صياغة النظام السياسي في دولة الكيان، كاسرا كل "تقاليد" القانون.
التطور الأبرز في مظاهرات "الغضب"، أعادت الضوء الى عمق الانقسام العامودي المتجه نحو الأفقي، في داخل إسرائيل، ولم يعد الأمر مقتصرا على تعابير بدأت تستخدم وكأنها واقعا قادما، كحرب أهلية وديكتاتورية، مع منصب يظهر بلقب "الديكتاتور"، منح لمن يحاول بكل أشكال التحايل صياغة نسيج قانوني يحمه من النهاية الأسود لمسيرته.
الأسبوع الـ 30، رفع الغاضبون شعارا للمرة الأولى بذلك الوضوح الكامل، "هم ..ونحن"..تعبير يلخص الحقيقة السياسية التي بدأت تظهر، دون مواربة والتفاف تشير الى أن الأمر لم يعد رهنا بتعديل أو تراجع عن التعديل.
البعد الانقسامي في دولة الكيان، ليس جديدا أبدا، بل كان واقعا منذ 1948، وتعبير "اليهودي الغربي" و "اليهودي الشرقي" نموذجا لمظهر انقسامي، دون اعتراف قانوني، والى عام 1977، كان "الشرقي" يشعر باضطهاد بل وعنصرية "الغربي"، الأمر الذي استخدمه بـ "ذكاء شديد" مناحيم بيغن ليفوز الليكود لأول مرة ويطيح بحزب العمل قائد كل الحكومات الإسرائيلية من 48 حتى 77.
ولكن، الجديد المستحدث أن الانقسام العامودي الراهن، بين "هم ونحن"، شكل يختلف جوهريا عما كان ما قبل 1977، لأنه ليس مقتصرا على "غربي" و"شرقي"، بل يشمل مختلف المكونات ليصبح انقساما مجتمعيا فكريا وسياسيا، بين أنصار الفردية المطلقة التي تنتج "ديكتاتورية" تفتح الباب لحرب أهلية، أصبح التعبير جزءا من الاستخدام السياسي اليومي، وبين اتجاه يحاول الحفاظ على العامود الفقري لدولة الكيان، فيما يتعلق بالتوازن السياسي – القانوني لـ "دولة اليهود" وليس "دولة كل مواطنيها".
"هم ..ونحن"..تعبير ما كان يجرؤ يهودي في داخل دولة الكيان أن يهمس به، كونه سيعتبر جزء من عملية "تخريب"، بل وربما يصل الاتهام الى حد التخوين، لكنه بات راهنا وخلال 30 أسبوعا فقط نحج "التحالف الأكثر سوادا" في صناعة "المستحيل السياسي" تقسيما وانقساما، لن يكون الخروج منه بسهولة ما حدث، بل ما سيكون لن يمر مروا سلسا وعبر بوابة المؤسسات الرسمية، وحادثة اغتيال رابين التي كانت يوما خارج أي تفكير، ستصبح حدثا عابرا تجاه ما هو قادم.
التطور الرئيسي في المشهد الإسرائيلي الجديد ليس وجود الليكود وانزلاق نتنياهو نحو الفاشية تجاه اليهود، بل تمثيل الفرق الإرهابية المسلحة للمستوطنين داخل النظام، وخلال فترة وجيزة حققوا ما اعتبروه يوما "حلما من أحلام اليقظة السياسية"، ولن تقف متفرجة أبدا على أي محاولة لأنهاء ذلك الامتياز، وتلك مسألة يدركها أكثر من الآخرين رأس التحالف ذاته، وبأن مصيره بات رهنا بسجن أو اغتيال، فلا ثالث لهما.
الحضور الاستيطاني المسلح داخل الحكومة الأبرز منذ 1948، من خلال سموتريتش وبن غفير ويقف خلفها بقوة وزير العدل ليفين، يقود منطقيا الى أن يتحول تعبير "هم ..ونحن" الى صراع مفتوح بكل المظاهر التي لم تعرفها سابقا دولة الكيان.
الخطر لم يعد شكليا، وليس جزئيا أو ثانويا، بل حقيقة وصلت الى كل "خلايا الكيان"، بما فيه المؤسسة العسكرية، التي كانت "فخرهم"، بكل أفرعها، لم تتمكن محاولات "التهويش" من ترويضها، بل زادت اتساعا.
السؤال الكبير الذي سيصبح واجهة المشهد السياسي..إسرائيل الى اين...هل حقا تذهب لحرب أهلية كل قوامها وعناصرها متوفرة وتنمو سريعا، أم تتدخل أمريكا للقيام بأوسع عملية إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
هل يمكن لبعض العرب أن يكونوا "ورقة" حماية الكيان من ذاته، بمسميات مختلفة، محكوما بغرور مخزون وطموح بين مشروع ولا مشروع..؟!
هل تبقى فلسطين مراقبا دون أن تستخدم ما يدور بدولة تصادر حقها الوطني في الحرية والاستقلال..؟!
أسئلة تبدو فرعية ضمن السؤال الكبير، ولكنها أكثر من ضرورة، كونها قوة تأثير موضوعية لها أن تصبح فاعلا مباشرا بشكل أو بآخر.
ملاحظة: طرافة حماس وأدواتها "الأمنية" بكل مسمياتها، وكذا "السياسي" عبر ما يسمى "لجنة قوى" تذكرت الدم الفلسطيني في عين الحلوة..لكنها تعامت كليا عن دم الغزازوة نساءا وشبابا اللي سال في شوارعها يوم الغضب...بتصدقوا كل أوراق التين مش راح تستر "إيزكم"!
تنويه خاص: شو قصتها قيادة حركة فتح مع قطاع غزة..حدث جلل صار وهي ولا كانها هان ومعهاش خبر خالص..معقول صارت تعتبر القطاع "متجنح عرفاتيا"..الصراحة كل شي مع هيك ناس بيصير !