التعامل الغربي مع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يشبه إلى حد كبير المسرحية الملهاة المأساوية «في انتظار غودو» للكاتب الإيرلندي صمويل بيكيت، التي تتحدث عن شخصيتين (فلاديمير وإستراجون) ينتظران شخصاً آخر اسمه غودو لا يأتي أبداً.
فالغرب عموماً - وأوروبا على وجه التحديد - ليس مستعداً للتدخل في إنهاء الصراع ووضع حد للاحتلال الإسرائيلي إلا في إطار مساعدة الطرفين عندما يكونان جاهزَين للتوصل إلى اتفاق. بمعنى أن أوروبا تنتظر إسرائيل حتى تكون مستعدة للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين. ولا يهمها كم يستمر هذا الانتظار وما الذي يترتب عليه من معاناة ومأساة للشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال منذ عقود طويلة.
في الواقع، إسرائيل ليست فقط غير جاهزة للتسوية السياسية، بل هي تبتعد كثيراً عنها، وتنتقل من مرحلة إدارة الصراع إلى مرحلة حسمه بالقوة على أرضية شطب فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة أو حل الدولتين. وبالتالي فانتظار إسرائيل يعني في الحقيقة مساعدتها على قتل مبدأ إنهاء الاحتلال والحل السلمي ووضع حد للصراع الطويل والمرير. وهنا تقع مسؤولية الدول الغربية الداعمة لإسرائيل سواء الولايات المتحدة أم الدول الأوروبية وغيرها. لأن إسرائيل تعتمد على الغرب ليس فقط في الحصول على المساعدات العسكرية والاقتصادية المهمة، بل كذلك في نيل حصانة دولية من التعرض للعقوبات كأي قوة احتلال تنتهك القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. وهي تتمتع بوضع فريد يسمح لها بمواصلة جرائمها بحجة أنها تتبنى قيم الديمقراطية الغربية. وفي هذا السياق يجري التغاضي عن الاعتداء الفظ على حقوق الفلسطينيين كشعب وأفراد.
الولايات المتحدة، قامت في الماضي بمحاولات خجولة للتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكنها لم تصل في أي مرحلة إلى قول الحقيقة وتحميل إسرائيل المسؤولية عن استمرار الاحتلال والصراع، بل كانت تنحاز لإسرائيل وتوجه انتقاداتها للفلسطينيين، وفى مرات قليلة تتحدث عن الطرفين وكأنهما متساويان في تحمل المسؤولية عن الفشل وحتى عن استمرار الصراع والعنف المترتب عليه. والإدارة الأميركية الحالية أخفقت تماماً في إحداث أي تغيير وبقيت أسيرة الشعارات والمواقف اللفظية والوعود الزائفة، كالوعد بفتح القنصلية الأميركية في القدس، وفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وإعادة الدعم المادي للسلطة الفلسطينية. والآن الإدارة مشغولة بالتحضير للانتخابات القادمة، وأكثر ما يعنيها هو تطبيع العلاقة بين المملكة السعودية وإسرائيل على اعتقاد أن هذا يساهم في فوز الرئيس جو بايدن بولاية أخرى.
وفي أوروبا، لا تزال الدول المؤثرة تحجم عن اتخاذ أي مواقف جدية بعيدة عن إصدار البيانات المتكررة والممجوجة التي لا تعني شيئاً لإسرائيل على المستوى العملي، وهناك دول كألمانيا لا تزال مسكونة بعقدة الذنب تجاه اليهود، وهذه العقدة أصبحت غطاءً للجرائم الإسرائيلية وكأنه يحق للضحية في مرحلة معينة من التاريخ أن يصبح مجرماً في مرحلة أخرى. والغريب أن اليمين المتطرف الفاشي الصاعد إلى الحكم في أوروبا يدعم إسرائيل على الرغم من عدائه لليهود. وأضحت المؤسسات الأوروبية وحتى الأفراد يخشون انتقاد إسرائيل حتى لا يتهمون بمعاداة السامية، هذه الصفة الكاذبة التي تطلق على من ينتصر لحقوق الإنسان.
التطور الأهم الذي يجري في إسرائيل بالتوازي مع تغوّل اليمين الاستيطاني العنصري وازدياد معدل جرائمه ضد الشعب الفلسطيني في إطار السعي لحسم الصراع على طريقته، هو حركة الاحتجاج التي تشهدها إسرائيل والتي تلقي بظلالها على صورة إسرائيل في العالم، خاصة لدى المجتمعات الغربية. فهي تتحول من دولة ديمقراطية في نظام حكم قائم على تعدد السلطات يتم التغاضي عن خروقاتها وجرائمها إلى دولة دكتاتورية بعيدة شكلاً عن القيم الغربية. وهذا يجعل إسرائيل وحكومتها على وجه الخصوص تتعرض لانتقادات غير مسبوقة ليس فقط من أحزاب وقوى ووسائل إعلام ومنظمات مجتمع مدني، بل أيضاً من غالبية اليهود. شخصيات يهودية وازنة عرفت بوقوفها إلى جانب إسرائيل وهي ظالمة.
الملفت للنظر هو تكاتف المنظمات اليهودية التقدمية في أوروبا والولايات المتحدة وكندا ضد الحكومة الإسرائيلية في المعركة حول القضاء والانقلاب الذي ينفذه اليمين العنصري في إسرائيل، والذي يغير طابع وشكل الدولة. وهذا يشجع في الواقع انتقاد إسرائيل وحتى المطالبة بفرض عقوبات عليها. فعلى سبيل المثال برزت في وسائل الإعلام الأميركية مطالبات للمرة الأولى، ومن شخصيات وازنة ولها ثقلها السياسي، بوقف الدعم الأميركي المقدم لإسرائيل. اثنان منهم كانا سفيرَين لأميركا في إسرائيل دان كيرتسر ومارتن إنديك، الذي كان أيضاً مبعوثاً للسلام في الشرق الأوسط، طالبا بوقف الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل لأنها لم تعد تمثل نفس القيم المشتركة، كما أن الدعم لم يعد يخدم أهداف السياسة الأميركية في ظل تجاهل إسرائيل للموقف الأميركي. كما أن دنيس روس الذي كان مسؤولاً عن ملف الصراع في الشرق الأوسط في عهد الرئيس بيل كلينتون هو الآخر لا يعارض وقف الدعم لإسرائيل. وهؤلاء بالمناسبة يهود أميركيون. وهذا يحمل بعض الأمل ولكن التغير يبدو بطيئاً وبحاجة للضغط والعمل الدبلوماسي الكثيف.
استراحة المحارب في انتظار ترامب
06 ديسمبر 2024