ليس لدي ثقة بنتائج جولة الدوحة من المفاوضات بين حركة فتح وحركة حماس، هكذا ببساطة ودون تحليل زائد عن الحاجة، حتى تلك الصورة التي سيجري التقاطها خلال الأيام القادمة والتي ستضم عزام الأحمد وأبو مرزوق وهما يبعثان بابتسامتيهما نحو الشعب، لن تكون ذات فائدة ولن تغير شيئاً من الانطباع الذي تحول إلى حقيقة، لا تخلو من طرافة، وستبقى الفكرة الرائجة، بعد الصورة، هي نفسها التي تراكمت قبل الصورة.
سيتغير المصور، غالباً، وهنا يمكن اقتراح تشكيل وفد من المصورين الذين واكبوا مفاوضات «المصالحة»، ويمكن منحهم زياً ملوناً بأعلام مصر والسعودية وقطر، ومنحهم، من باب التنويع، حق إقامة معرض صور فوتوغرافية متنقل يقام في مدخل القاعة المؤدية لاجتماعات المتفاوضين، وينتقل معهم في الجولات القادمة، مثلاً.
الحقيقة الواضحة هنا والتي تؤدي إلى كارثة الثقة، هذه لا تنحصر بطول فترة المفاوضات وتعدد جولاتها، ولكنها تذهب إلى بنود جدول الأعمال الذي تتضمنه الجلسات والكواليس.
الجدول الحقيقي الذي يجري كل مرة تهريبه بعيداً عن وعي وبصر الناس وأحلامهم الصغيرة، أحلام الأسر التي فككها الانقسام وبدد زمنها وسرق مستقبل أولادها وبناتها.
هناك داخل القاعة وحول طاولة المفاوضات تنحرف البوصلة تماما ويتغير الاتجاه، وتتحول فكرة «المصالحة» برمتها وبحمولاتها إلى أهداف محصورة بمكتسبات «الانقسام» والحفاظ عليها، بالضبط في تغذية وإدامة مكونات الانقسام، التي جرى تركيبها على الانقسام نفسه وعلى الإيغال في الانقسام والبناء عليه.
أحلام السياسيين والفصائل في مواجهة أحلام الناس.
ثلاث حروب كاملة ومتوحشة شنتها إسرائيل على قطاع غزة لم تكن كافية ليفكر المتفاوضون بقسوة الخراب والموت على الناس.
عشر سنوات من الحصار على غزة وقمع أهلها حكمها تحت قبضة نظام أمني يرفع شعارات المقاومة، يندر العثور على شبيهه، حتى في عصر سلطة حزب «البعث» البائد في كل من العراق وسورية.
عشر سنوات من الانقسام فككت المشروع الوطني وساهمت، بنفس الفعالية مع سياسة المفاوضات، بزراعة الضفة الغربية والقدس بالمستعمرات.
لا يهم على الإطلاق بلاغة الشعارات المرفوعة فهي لم تعد مقنعة، في بلادنا أكثر الأشخاص الذين يهاجمون «أوسلو» في لازمة طويلة تمتد على مسافة سنوات طويلة، هم أكثر المستفيدين من «أوسلو»، أكثر الأشخاص الذين يطالبون بإلغاء التنسيق الأمني يتجولون ويتعالجون بتصاريح ويقطعون الجسر بتنسيق مسبق، ويتنفسون عبر التنسيق الأمني المذموم.
يمكن تتبع هذا الممر العريض بسهولة وبإسهاب لولا ضيق المساحة.
عشر سنوات من الانقسام زرعت اليأس والإحباط وهوس الهجرة في أوساط شبابنا في غزة وتركت الضفة وحيدة في مواجهة الجدار والاستعمار واستشراء الفساد وغلبة الانتهازيين وصيادي الفرص. ورغم ذلك لم يتوصل المتفاوضون إلى اتفاق. بحيث يبدو الانقسام وكأنه وليد نفسه، أو كأنه ظهر فجأة وورّط الفصائل في حدوثه.
لدي الكثير من الأسباب لأعزز عدم ثقتي بما يحدث في الدوحة.
«المصالحة» التي تأتي عبر حاجة الفصائل ومآزقها السياسية ستكون دائماً مختلفة عن تلك التي تأتي بها المصلحة الوطنية. نظرة واحدة إلى قضايا الخلاف تؤكد هذه الفكرة