أصدر الرئيس محود عباس يوم الخميس 10 أغسطس 2023، مرسوما رئاسيا بإحالة 12 محافظا من شمال بقايا الوطن وجنوبه الى التقاعد، ما أحدث "نقاشا" جوهره المناكفة الخاصة التي باتت سمة رئيسية للمشهد الفلسطيني العام، لا تنطلق من تقييم موضوعي، بل من جهة الأمر وشخصه، أي كان صوابه من لا صوابه.
ومن حيث المبدأ، لو سأل أي إعلامي عن أسماء المحافظين الذين تم إقالتهم، تقاعدا أو تقاصرا، فربما لن يسعفه الحظ بمعرفة غالبيتهم، إن لم يكن جميعهم، ولو طلب من أي شخص كان موقعه، بتقديم كشف حساب لما أنجزوه طول سنوات توليهم المسؤولية، التي تضاعف عمرها عما يجب، لخرج بقائمة شبه صفرية، أو ورقة بيضاء بها بعض مناطق سوداء.
وبعيدا عن "ثقافة المناكفة"، والتي هي تكريس للجهالة السياسية وليس تطويرا للمعارضة السياسية، فما حدث كشف أن هناك سكون فريد جدا في البنية الرسمية لأدوات العمل، تخلو من تحديد مهام واضحة، وقبلها غياب حقيقي لمرجعية عمل أحد المهام الخطيرة والحساسة، وارتباطها بمكتب الرئيس ذاته، لتصبح مكتبا ملحقا بشخص قد يكون فاقد المقدرة على معرفة واقع المسؤولية التي يجب القيام بها الشخص المكلف.
وكي لا تستمر حالة الدهشة من التعيين ثم الإقالة، أو الإحالة على التقاعد، وتحسبا ألا يصبح "القادم" حسب هوى مكتب وفرد، أو صفقات منافعية بين "شلة خاصة" لاختيار البدائل عن الذاهبين، لماذا لا نعيد التفكير في آليات ذلك، والبحث عن خيار "ديمقراطي" يكون لأهل المحافظة الحق في اختيار الشخص الذي يراد له أن يكون "حاكما عاما" عليهم، أو "مركز السلطة الرسمية" في نطاق جغرافية المكان.
وكي لا يصاب البعض بالدهشة جراء خروج الفكرة عن "النص البليد"، فهي ليست اختراعا أبدا، فكثير من الدول تلجأ الى انتخاب "حكام المحافظات" - الولايات، باعتباره المشاركة بالمسؤولية العامة، ويصبح المواطن هو من اختار، ولا يحق له لاحقا محاسبة النظام، بل محاسبة المنتخب ومن انتخب.
آلية التعيين المراسمية القائمة للمحافظين، بأسماء قد لا يكونون من أبناء المحافظة، وغالبهم كذلك، يدخل المشخص في إشكالية مفاهيمية لظروف كل منطقة ومحافظة، ويضع المواطن في ضرورة القبول للأمر الرئاسي، ويصبح أي مساس به وكأنه مساس بمن أصدر قرار التعيين.
فكرة استبدال التعيين الراهن، بالانتخاب المباشر، تضع المواطن ذاته في قلب الحدث والمسؤولية، من جهة، وتعيد الاعتبار لتنشيط قواعد النظام السياسي القائم، في ظل غياب الانتخابات العامةـ لظروف ملتبسة، وبذا يمكن أن تكون تلك الآلية نموذجا فاعلا في تحريك "السبات الديمقراطي".
انتخاب المحافظين، وبالتالي اختيار "الحاكم" من الشعب مباشرة، يضعه أمام المساءلة المباشرة من الناخب، ويصبح مسؤوليته الشخصية أعلى بكثير من تلك التي تكون نتاج مرسوم رئاسي، ولعل الانتخابات هنا، تعيد الاعتبار في العلاقة بين المواطن، صاحب المصلحة الأولى، وأركان المؤسسة الرسمية، بل وتجبر أن يكون الشخص المختار ضمن مواصفات محددة، تخلو من تعابير التزوير أو الترقيع لاختيار شخص بقرار لترضيات خاصة ولكن بنقاب "كلامي"، يضع المواطن أمام ثقافة "الرضوخ".
استبدال "ثقافة المراسيم" بـ ثقافة الانتخاب" فيما هو من أسس النظام، جزء من تطوير قواعد العمل والبناء الديمقراطي، وتلك انتخابات لا تنتظر أمرا من "الخارج" غير الوطني، أو ذريعة هروب من شروط اختراعية كي لا يكون هناك قرار لصاحب المصلحة الأولى...الناس.
انتخاب المحافظ مباشرة، نقلة نوعية ستعلي من شأن الرسمية الفلسطينية، وتعيد الحيوية لها، بعدما أصابها الكثير من "البلاهة الفكرية" وانتشر بها "العث السياسي"، الى حد يبدو معه الأمر خارج القدرة على التصويب والتصليح.
انتخاب المحافظ، هو أكثر أهمية للمواطن، من أي انتخابات أخرى، ويفوق كثيرا انتخابات البرلمان ذاتها، كون المحافظات الركيزة الأساسية لتعزيز الحكم أو الضرر به.
كسر صندوق "البلادة السياسية" بالتفكير في وضع آلية انتخاب المحافظين، ضرورة لحماية ما تبقى مما يجب حمايته، وسلاحا مضادا لمن يعمل ليل نهار لكسر أعمدة الكيانية الفلسطينية.
ملاحظة: مبكرا وقبل ما يصبح الأمر مأزوما..مهم من رئيس الحكومة د.اشتيه، وهو المحاضر الجامعي قبل وظيفته العامة، أن يبحث حلا سريعا لقضية اضراب المعلمين..وتبيان الحق من اللاحق دون استخفاف..والبلد مش ناقضة ضجيج.
تنويه: بلاد فارس استفادت من "خبرة" حماس في عقد الصفقات..فمن صفقة "مصاري مقابل خدمات أمنية" في غزة.. الى صفقة "مصاري مقابل أسرى" وطبعا معها تخفيف كم حبة تخصيب يورانيوم..طلعت "المصاري هي الحل" مش غيره يا كذابين!