هل فشل حقّاً «اجتماع العلمين» للأمناء العامّين؟

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم عبد المجيد سويلم

 

 

 


قلّة قليلة، قليلة جدّاً – وأنا منهم – ما زالت تعتقد أنّ هذا الاجتماع لم يفشل، أو أنّه لم يفشل بالكامل، أو حتى أنّ هذا الاجتماع ربّما يكون «الحلّ الوحيد» الذي سيتمّ من خلال ما نتج عنه من تشكيل للجنة متابعة ستتولّى وضع مداميك قد تتمكّن الحالة الرسمية الفلسطينية من البناء عليها.
أعرف أنّ مثل هذا الرأي سيقابل بالكثير من الاستغراب، إضافةً إلى التجاهل، وربّما الاستهزاء، وأعرف أنّ الانطباع الذي ساد في الجوّ السياسي العام بعد هذا الاجتماع كان سلبيّاً ومُلبّداً باليأس والإحباط، ونعرف جميعاً أنّ هذا الإحباط قد تمّ التعبير عنه في كلّ الأوساط السياسية، الموالية للرسميّات الفلسطينية، وفي الشارع، وفي إطار كلّ قوى المجتمع ومنظّماته ومؤسّساته.. لكن مع ذلك كلّه، فإنّ الأمر على ما أرى وأعتقد يحتمل رأياً مخالفاً لهذا الجوّ المُحبِط والمُحبَط على حدٍّ سواء.
بماذا أُفسّر هذا الاعتقاد؟ ولماذا ما زلت أرى أنّ جوّ الإحباط واليأس ليس سوى المظهر المخادع، وليس الاتجاه الذي سوف يسود حقّاً في الأسابيع والأشهر القادمة؟
لا يوجد ما يكفي من المعلومات التي تؤكّد أو تنفي هذا الرأي أو ذاك، والاستناد الوحيد هو إلى القراءة السياسية، وليس إلى غيرها.
دعونا نعود الآن إلى السبب الأكثر جوهريّة لبقاء هذا الانقسام، ولتكريسه على مدى زمني طويل، ولبقاء القائمين عليه عند مواقفهم، وتمترسهم بمواقعهم، واستمراء هذا النهج لديهم.
العامل الإسرائيلي، وكذلك الإقليمي، وحتى العوامل والمتغيّرات الجديدة في العامل الدولي كلّها تلعب أدواراً مختلفة في «إذكاء» حالة الانقسام بتفاوتٍ بين عامل وآخر، في الظروف الملموسة، وفي المراحل المختلفة، مع بقاء العامل الإسرائيلي أكثر تأثيراً في تقرير مصير الحالة الانقسامية، وفي التلاعب بأطرافها، وفي «تغذية» استمرارها.
وفي المستويَين الإقليمي والدولي تتنازع في إطار معادلة التأثير على الحالة الانقسامية الفلسطينية عناصر عدّة من الشدّ والجذب، ومن الصعب اعتبار اتجاه التأثير لكلا العاملَين وكأنّهما يسيران بخطٍّ مستقيم من تعزيز وتكريس الحالة الفلسطينية الراهنة.
هنا يمكن ملاحظة أنّ هناك الكثير من اللحظات المهمّة للمراقبة.
لا أحد على ما يبدو، لا دولياً، ولا إقليمياً، يبحث عن حربٍ في الإقليم، والكلّ يعمل على تفادي مثل هذه الحرب، كلٌّ من زاويته، وكلٌّ حسب ظروفه، وكلٌّ حسب مخاوفه واعتباراته، وكلٌّ حسب إمكانياته وظروفه الخاصة في إطار تشابك وتداخل هذه الظروف بكلّ مكوّنات معادلة الصراع الشاملة، والمعادلات الفرعية لهذا الصراع.
ولأنّ الأمر، أيْ إنهاء حالة الانقسام كما هي قائمة في الواقع وليس إنهاء الانقسام والذهاب إلى إعادة توحيد الحالة الوطنية، وإعادة إدماج المؤسّسات الوطنية، والتوصّل إلى إستراتيجية وطنية مُوحَّدة لمواجهة الأخطار والتحدّيات الماثلة أمام الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية الخاصة من مسيرته الوطنية.. لأن الأمر كذلك يبرز دور العامل الذاتي في تجاوز حالة الانقسام القائمة على الأرض راهناً، والذهاب نحو شكلٍ جديد من «التعايش الانقسامي»، وليس إنهاء الانقسام وتصفية مُخلّفاته، بما في ذلك السموم التي تراكمت في الجسد الوطني على مدى زمني طويل نسبياً، فإنّ العامل الذاتي هنا هو الأهمّ، وهو المقرِّر، وهو الحاسم، أيضاً.
لهذا كلّه، فإنّ القراءة السياسية لظروف العامل الذاتي الفلسطيني الملموسة، في هذه الظروف الملموسة، وليس بالمعنى الإستراتيجي أو البعيد، هي الكفيلة بتفسير الرأي الذي مفاده أنّ «الاجتماع» إيّاه لم يفشل، وأنّ هناك ما سيُبنى عليه للمرحلة الجديدة، وهي مرحلة «التعايش الانقسامي»، كما ذكرنا.
وإذا ما بدأنا بالحالة الرسمية الفلسطينية ماذا نجد؟
السلطة الوطنية الفلسطينية تتعرّض لمخاطر غير مسبوقة من محاولات التفكيك الإسرائيلية، وهذا التفكيك عناوينه الرئيسة مُعلنة على رؤوس الأشهاد من جانب إسرائيل، وهي ــ أيْ حالة التفكيك ــ لها الكثير من مظاهر الحصار، والإضعاف، والابتزاز، ومحاولات التهميش، وصولاً إلى الاشتراط العلني بأن تكون هذه السلطة مُجرّد وكيل أمني منزوع الإمكانيات والصلاحيات، وأنّ أقصى ما يمكن أن يتحصّل عليه هذا الوكيل هو «إدارة السكان» في مناطق معينة من دون أيّ مظهر للسيادة الوطنية، ومن دون أي حقوق وطنية، ومحصور دورها ومكانتها و»واجباتها» في الشؤون الخدماتية، و»البلدياتية» لإدارة السكّان.. هذا بشكلٍ رسمي إسرائيلي، أمّا إذا ما أتينا إلى الجانب الحزبي الخاص من برنامج «اليمين الفاشي»، فإنّ المطلوب هو تصفية هذه السلطة، واستبدالها بمن يوافق بالكامل على القبول بالبرنامج الإسرائيلي للحلّ، والذي يتراوح بين الخنوع والخضوع من جهة أو الموت والترحيل من جهةٍ أخرى، حسب الظروف الملموسة التي ستتوفّر أمام هذا «اليمين».
فهل يمكن أن تقبل مؤسّسة السلطة الوطنية، بما هي عليه من واقعٍ مُحاط بالمنظّمة، وبحركة «فتح»، ومن إرثٍ كفاحيّ، ومن مُراهنة شعبية ووطنية على دورها رغم كلّ ما تعانيه من أزمات، ورغم كلّ المشكلات التي انطوت على أدائها الضعيف، وعلى بُناها المترهّلة، وعلى انتشار مظاهر المحسوبية والفساد في إدارتها؟
جوابي القاطع هو: لا بالمطلق. لن تقبل السلطة مثل هذا الواقع، ولا هذا الدور، وعندما تقبل بمثل هذا الدور، وهذا الواقع تكون قد تحوّلت بالكامل إلى سلطةٍ أخرى، ونكون أمام واقعٍ سياسي آخر، وأمام مُعطيات «وطنية» مختلفة.
وأمّا حركة «حماس» بالمقابل حتى إن كانت لا ترى، ولم ترَ منذ أكثر من عقدٍ ونصف العقد أبعد من أنفها، ومساحة أنفها لا تتعدّى «الإمارة الإسلامية» في قطاع غزة، فهي تعيش اليوم واحدةً من أكبر وأخطر أزماتها الداخلية، سواءً اعترفت بذلك أو لم تعترف.
فالعامل الإسرائيلي في «دعم» بقائها في حكم القطاع لم يعد ثابتاً، والعامل الإقليمي لم يكن سوى محاولة لتحويلها إلى ورقةٍ وأداة، أو بهدف تدجينها والسيطرة عليها، وهي ليست مطلوبة إلّا إذا استجابت بالكامل لهذين التوجهَين المتناقضَين، وتحوّلت الحركة في الواقع إلى عبءٍ كبير على قطاعاتٍ واسعة من أهل القطاع، وبلغت حالات الاستياء من فسادها وتجبُّرها مُعدّلات لم يكن لأحد أن يتصوّر أبداً وصولها إليه.
ولم يعد أمام «حماس» إلّا الهروب إلى الأمام، والقبول بصيغة «التعايش الانقسامي»، والذي يوفّر لها البقاء في الحُكم، ويُقلّص كثيراً من التفرُّد به، والتلاعب به في معادلاتٍ أكبر.
حركة الإقليم تقول إنّ «حماس» و»فتح» ليس أمامهما سوى هذه الصيغة، وكلّ من سيحاول «عِنادها» سيدفع ثمناً باهظاً يتجاوز الدور، ويمكن أن يصل إلى تهديد البقاء، ليس البقاء الفيزيائي، وإنّما البقاء حيّاً وفاعلاً ومُؤثّراً ومُقرّراً في وجه التطوّر والأحداث.
وسواء حركة «فتح» والسلطة الوطنية، أو حركة «حماس» وتوابعها في المحور الذي ما زال يُسمّى «محور المقاومة»، فخوفهما من حركة الشارع الفلسطيني أكبر بكثير مما يبدو عليه الأمر.