يديعوت : هكذا أصبح نتنياهو خارج “الرقصة” التي تديرها طهران وواشنطن

تنزيل (9).jpg
حجم الخط

بقلم  أورلي ازولاي

الأمر الأفظع من كل شيء والذي قد يحصل لزعيم ما هو أن يصبح غير ذي صلة. يمكن له أن يكون موضع خلاف، مكروهاً أو محبوباً، وربما يكون عرضة لهجمة انتقاد وعنواناً لتعابير من الاحتقار العميق؛ أما أن يكون غير ذي صلة فبذلك لمس القعر وبانتظار أن يسمع صوت الارتطام. ما بالك إذا تعلق انعدام صلته بلباب تطلعاته، وتخويفاته، والعمود الفقري لحكمه: إيران.

نصب نتنياهو نفسه حامل راية ضد أي تحول نووي إيراني أكثر من أي شيء آخر. لو طلب من شاعر ما أن يجمل جوهر حكم نتنياهو لحامت كلمات القصيدة وموسيقاها في عزف التخويف: إيران، رعب، آية الله، نظام وحشي، يهدد وجودنا، لن نسمح لأجهزة الطرد المركزي بالدوران، لن نسمح، سيأتون لإبادتنا.

تخرج صفقة تبادل أسرى بين واشنطن وطهران في هذه الساعات إلى حيز التنفيذ من خلال وسطاء. تعهدت إيران بتحرير خمسة مواطنين أمريكيين تحتجزهم، وقد نقلوا من السجن سيئ الصيت والسمعة “أفين” وهم الآن قيد الإقامة الجبرية أو في الطريق إلى المطار. أما الولايات المتحدة فقد تعهدت بتحرير عدد غير معروف من السجناء الإيرانيين. وليس هذا فقط؛ فقد وافقت الولايات المتحدة على تحرير نحو 40 مليار دولار تعود لإيران، جمدت في كوريا الجنوبية ودول أخرى. وهذه ليست سوى البداية التي قد تؤدي إلى حوار واستئناف للاتفاق بين القوى العظمى (وربما في قسم منه فقط) وبين إيران على وقف برنامجها النووي. وقبل أن تتبلور “التفاهمات” على تبادل الأسرى، أبطأت إيران تخصيب اليورانيوم كبادرة حسن نية، وتعهدت بالتعاون مع وكالة الطاقة الذرية وقلصت نشاطات مليشياتها في سوريا والعراق والتي تعمل ضد القوات الأمريكية.

الرئيس بايدن مصمم على الوصول إلى اتفاق مع إيران، ونتنياهو خارج الصورة. سيذكر بايدن ورفاقه الديمقراطيون في التاريخ بصفتهم هم من وقع في عهدهم الانكسار الأكبر بين إسرائيل وواشنطن: كان هذا في 15 آذار 2015، حين كان الرئيس أوباما غارقاً كله في تحقيق الاتفاق مع إيران، ووصل نتنياهو في نظرة معتدة بالنفس، من خلف ظهر الرئيس ودون تنسيق معه، لإلقاء خطاب أمام مجلسي الكونغرس في محاولة لإقناعهم بأنه اتفاق سيئ، بل وسيئ جداً.

الاتفاق إياه وقع. لم يكن كامل الأوصاف، لكنه منع إيران من ركض مجنون نحو القنبلة. وليس هذا فقط: البروفيسور آرنست مونيز الذي كان وزير الطاقة في إدارة أوباما ومهندس الاتفاق مع إيران، قال لي في مقابلة معه إن خبراء إسرائيليين تشاور معهم الأمريكيون من خلف كواليس المباحثات مع إيران، وقبلوا بعضاً من اقتراحاتهم للتحسين. “كان التعاون قوياً لدرجة أنه كان يخيل وكأن الإسرائيليين كانوا في الغرفة”.

جاء ترامب فمزق الاتفاق إربا، لا لاعتقاده أنه جيد أو سيئ؛ فمدى فهم ترامب بالسلاح النووي وجد تعبيره في إحدى الجلسات مع رجال الأمن الأمريكيين في إطار الاستعداد لعاصفة إعصار سأل فيها بشكل أحرج المجتمعين في الغرفة، لماذا لا يمكن إرسال بضع قنابل ذرية للقضاء على الأعاصير. مزق ترامب الاتفاق لأنه كان إنجاز أوباما وسفينة العلم لديه.

مجازياً، أمسك نتنياهو بيده التي مزقت الاتفاق. والآن، عندما بدأت خطوات رقص جديدة بين إيران والولايات المتحدة، رقص قد يؤدي إلى اتفاق جديد (ربما ينتهي بلا شيء أيضاً) مثلما كان يريد بايدن، بقي نتنياهو عديم التأثير، لم تعد له قدرة على الهمس في أذن الرئيس، أو الإمساك بأي خيوط.

لا غرو أن نتنياهو لا ينبس مؤخراً ببنت شفة عن إيران. الرجل الذي بنى حياة مهنية كاملة على التخويف من إيران، يقف الآن عديم الوسيلة أمام حقيقة أن إيران حققت في ورديته وتحت ولايته الاختراق الأكبر في تاريخها نحو قنبلة نووية بعد أن أدى انعدام للمسؤولية إلى إلغاء الاتفاق معها، مما سمح للإيرانيين بعدم احترام الاتفاق الذي لا يحترمه الآخرون، فحطموا الأواني. ومحطة واشنطن لا تستجيب. والقطار الذي وعد نتنياهو بإخراجه من تل أبيب إلى الرياض ليس أكثر من أمنية في هذه المرحلة، إذ كل شيء في الشرق الأوسط يرتبط بغيره، وباتت الحقيقة البشعة في هذه اللحظة أن نتنياهو يرى قطاراً آخر سخن المحركات ليخرج من واشنطن إلى طهران، فيما بقي هو جانباً. لم يصبح نتنياهو مهمشاً فحسب، بل أصبح غير مصدق لدى العاصمة الأمريكية، ويُرى فيه الخطر الوجودي على إسرائيل.

 

 يديعوت