الانتخابات: دوافع ومؤشّرات

BGh5Q.jpg
حجم الخط

بقلم طلال عوكل

 

 


انتهى اجتماع الأمناء العامين في مدينة العلمين الجديدة المصرية نهاية الشهر المنصرم إلى صفر نتائج، استناداً إلى الهدف الذي وقف خلف الدعوة وهو إنهاء الانقسام، وتحقيق توافق وطني.
وإذا كانت الأحكام لا تستند إلى النوايا، وهو أمر ينطبق على الكل، فإن الرئيس محمود عباس هو الوحيد الذي حقّق هدفاً يبدو أنه سعى إليه، وهو تأكيد شرعيته، أمام العالمين العربي والدولي.
الكل تقريباً استجابَ إلى دعوته للقاء، وترأس وفداً لمنظمة التحرير الفلسطينية، بمعزلٍ عن وفد حركة فتح، وظهر بأنه أبُ الجميع، والذي يختم الاجتماع بالطريقة التي يُريد.
فشلُ "اجتماع العلمين" تركَ الأسئلة الحائرة مفتوحةً على من يتحمّل المسؤولية عن الفشل، وبدا وكأن الجميع، خصوصاً حركتي "فتح" و"حماس" متساوون في المسؤولية.
ربّما كان هذا واحداً من الأسباب التي دفعت "حماس" لدعوة الفصائل ومنظّمات المجتمع المدني، وعديد الشخصيات العامة والكتّاب لبحث موضوع الانتخابات المحلية في قطاع غزة.
كان ذلك مهمّاً، لإظهار استجابة "حماس" لمطالبات ممثلي المجتمع الفلسطيني في قطاع غزّة، وكان بإمكانها أن تعلن موقفاً وحدها مشفوعاً بالموقف ذاته، من قبل "لجنة متابعة العمل الحكومي".
تدرك "حماس" مدى عمق المأساة التي يعاني منها سكّان القطاع المحاصر وهي من موقفها المسؤول عن إدارة شؤون القطاع لا تستطيع أن تصم آذانها عن مطالبات المواطنين، وفي الحدود التي تستطيع الحركة القيام به لإظهار الجدّية.
حراك "بدنا نعيش" الذي جاب شوارع القطاع بالتزامن مع "اجتماع العلمين"، قدّم مُؤشّراً، لا يمكن تجاهل مطالبه، لا بدّ من ملاحظة الجُرأة التي تمتّع بها شباب الحراك، الذي كان سيعاود التحرّك مرّة أخرى، لولا أنّ الأجهزة الأمنية والشرطية اتخذت الإجراءات اللازمة لمنع التجمُّع، حتى لا تضطر الحركة لقمعه أو تركه بما يتسبّب في فوضى عارمة في القطاع.
تعامل "حماس" مع "بدنا نعيش" كان هو الآخر مفاجئاً من حيث المرونة التي اتّبعتها الشرطة في التعامل مع الحراك، ودون أن تسجّل أي حالة من الاعتقال السياسي، خلال أربع وعشرين ساعة، كانت الشرطة قد أفرجت عن كافّة المعتقلين وكل ذلك بخلاف التوقّعات والمواقف المسبقة التي اعتقدت أن أجهزة الأمن والشرطة ستقوم بقمعٍ شديد للشباب.
مباشرة، اتّخذت الأجهزة الحكومية في غزة، جملةً من الإجراءات القليلة، استجابةً لمطالب الحراك، ولذلك فإنّني أعتقد أنّ دعوة "حماس" الفصائل للاجتماع، والاتفاق على إجراء الانتخابات المحلّية تأتي في سياق محاولات الحركة لتحسين واقع الحال، وتحسين صورتها في القطاع وأمام الرأي العام.
على أنّ فكرة القبول بإجراء الانتخابات كانت سابقة على الحراك وعلى "اجتماع العلمين"، ولكن تداولها كان دون مستوى اتّخاذ القرار. من بين أطراف عديدة سياسية ومجتمعية تابعت "الهيئة المستقلّة" ملفّ الانتخابات الطلّابية والمحلّية، من موقع المسهل لتحقيق توافقات وطنية جامعة بهذا الخصوص.
الهيئة في القطاع أجرت عشرات اللقاءات والاجتماعات مع الفصائل، والكتل الطلّابية وإدارات الجامعات، وتكلّلت جهودها بالنجاح في تحقيق اتفاقٍ شامل لإجرائها في الفصل الثاني من العام الدراسي القادم.
اتّفق الجميع على كلّ التفاصيل المتعلّقة بهذا الموضوع، سواء ما يتعلّق بحرّية النشاط الطلّابي، أو إجرائها على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، أو الخارطة الزمنية لإجرائها في الجامعات، خصوصاً "الأزهر" و"الإسلامية" وسواهما.
بالرغم من ذلك لا تزال بعض الأطراف والشخصيات تشكّك في مصداقية الاتفاق، وتستند إلى النوايا والمواقف المُسبقة، للتشكيك في إمكانية إجرائها.
يبحث هؤلاء عن عظامٍ في الكرشة، ويتحدّثون عن إمكانية تعطيلها من خلال بعض التفاصيل، التي تعوّد النّاس أنّ الأطراف تحتفظ بها كـ"استدراكات"، بهدف التهرُّب من الالتزام.
"المستقلة"، أيضاً، تابعت موضوع الانتخابات المحلّية، ودائماً كانت تسمع آراء ومواقف إيجابية، وبالتالي فإنّ موافقة كافّة الأطراف على إجراء الانتخابات المحلّية في القطاع، تشكّل حالة نضج لا أعتقد أنّها مُعرّضة للارتداد.
لا بدّ من ملاحظة مُؤشّرات التغيير لدى حركة حماس إزاء الانتخابات، فلقد امتنعت سابقاً عن إجراء المحلّية منها، بدواعي ارتباطها بالانتخابات العامّة. لكن هذه الانتخابات لم يعد بالإمكان إجراؤها.
حاولت "حماس" إشراك أطراف أخرى في إدارة البلديات عَبر التعيين لكنها فشلت في ذلك، ولم يعد أمامها من خيارات سوى مواصلة التعيين، أو إجراء الانتخابات.
معلومٌ أنّ الانتخابات البلدية، لا تنطوي على أبعادٍ سياسية ذات علاقةٍ بالانقسام، والمصالحة، لكنها مُؤشّر على مصداقية الخطاب، الذي يتحدّث عن الاستعداد للشراكة، واحترام حقوق المجتمع في الاختيار.
وفي الواقع فإنّ البلديات في القطاع، باستثناء بلدية مدينة غزة، لم تعد قادرة على تلبية احتياجات المجتمع، كونها بلديات تابعة لـ"حماس".. وبالتالي فإنّها لا تحظى بأيّ تمويلٍ خارجي.
إنّ إجراء هذه الانتخابات بعد سنواتٍ طويلة من غيابها في القطاع، والمُداومة على إجرائها في الضفة الغربية، يفتح أملاً ولو محدوداً، بشأن تحسين واقع الحال في القطاع.
الآن الكرة في ملعب الحكومة برئاسة د. محمد إشتية، فإذا كان الكلّ جاهزاً للمشاركة، وإذا كانت لجنة الانتخابات المركزية جاهزة هي الأخرى، فإنّ الأمر ينتظر صُدور قرارٍ من الحكومة، حتى تكون الانتخابات جزءاً من التزام الحكومة، وليست معزولةً عن الانتخابات المحلّية في الضفة.
ستبقى الأسئلة المتشكِّكة مرفوعة إلى أن يصدر قرار الحكومة، وبدء الإجراءات العملية لتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه.