مع نشر وسائل إعلام أمريكية، ما وصفته بـ "صفقة بايدن" حول علاقة العربية السعودية ودولة الكيان العنصري في إسرائيل، وما تراه الرياض عناصر رئيسية لإتمام الرغبة الأمريكية، ومنها الحق في بناء مفاعل نووي سلمي.
مبدئيا، العناصر والشروط المضادة، تكشف أن "عقلية البعض" العربي الرسمي، لا تزال تعيش عصر ما يجب أو لا يجب أن يكون حقا للدول، وأن أمريكا هي من يمنح أو لا يمنح "حقوقا"، هي سيادية بالمطلق، رغم ما يتعلق بها من "شوائب".
كان يمكن أن تكون مسألة نقاش البرنامج النووي السعودي، مع الإدارة الأمريكية، إذا ما رأت الرياض والأمير الحاكم محمد بن سلمان، أن تلك هي الدولة التي تلبي لها ما تريد، ولكن ما يثير الأسئلة هو ذلك الربط بين البرنامج وموافقة أو رضا دولة الكيان العنصري، الأمر الذي يمس البعد "الاستقلالي" ، أو "النزعة التمردية" التي تحدث بها بن سلمان حول رؤيته للعلاقات الدولية، بل ومارس كثيرا منها، وخاصة علاقاته بروسيا ومعادلة النفط المعقدة، والصين بانفتاح تاريخي لتصبح ثاني دول العالم في العلاقات الاستثمارية، والتي فاقت الـ 100 مليار دولار كاسرة أبرز ملامح الاحتكار الأمريكي الغربي.
كان يمكن عدم الاهتمام كثيرا لما يثار إعلاميا، حول الربط بين عناصر الصفقة الأمريكية، لولا بروز مؤشرات، تؤكد أن هناك "فيتو" من حكومة التحالف الفاشي، وأيضا من زعيم المعارضة يائير لابيد، عززه اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأمريكي بلينكن والسعودي بن فرحان، خلال زيارة وزير "الشؤون الاستراتيجية" درايمر، أقرب وزراء التحالف الفاشي قربا لرئيسه نتنياهو، وربما كان الاتصال بينهما على مسمع من الإسرائيلي.
وبعد ساعات من ذلك الاتصال، أعلن درايمر، ان تل أبيب لا تمانع من حصول السعودية على برنامج نووي، والى نسبة تخصيب يورانيوم معينة، فسارع على الفور نتنياهو بتوصيب الكلام، مؤكدا رفض حكومته لحصول الرياض على أي برنامج نووي، ومعه أعلن رئيس المعارضة يائير لابيد رفضا مطلقا لحصول ذلك.
كان يمكن عدم التوقف كثيرا أمام تصريحات قادة الكيان العنصري، واعتبارها "جعجعة إعلامية" لتبيان مكانة غير حقيقية، لكن صمت الرسمية السعودية، وحركة الاتصالات المستمرة بالتزامن مع الحضور الإسرائيلي، وفتح زوايا تطبيعية بين الرياض وتل أبيب، يضع أقوال قادة "الفاشية اليهودية" في مسار الصدق السياسي، وليس "العنترة السياسية"، بأنها من يحق له المنح والاعتراض على البرنامج النووي السعودي، أو غيره في المنطقة.
بالطبع الحديث يبدو عن برنامج نووي لا يماثل ما تم بناءه في مصر منذ "نووي إنشاص" زمن الخالد جمال عبد الناصر بعد توقيع اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي 56 – 57، الى برنامج نووي "الضبعة" في زمن الرئيس السيسي وأيضا مع روسيا، برنامج محدد الأهداف والأغراض، ولكنه لا يقارب ما لدى إيران من "برنامج نووي"، كما تريده الرياض.
العربية السعودية، تبرز بسرعة كقوة إقليمية، تم إعادة صياغة عناصرها مع التغيير التاريخي، بتولي بن سلمان مقاليد الحكم الفعلية، مع طموحات واسعة، رغم بعض "التحفظات" حول أسلوب العمل مع دول عربية، لكنها تندفع نحو ترتيب مكانتها عالميا بطريقة تختلف جذريا عن مسارها السابق، وبالتالي وبحكم ما لديها من قوام ثروة ومكانة، هي من عليه أن يكون "صاحب فيتو" على دولة الكيان، ما يجب أو لا يجب لها أن تملك.
الرياض يمكنها أن تعيد ترتيب جوهر علاقتها بالدول العربية ذات الأثر الكبير، وخاصة مصر، لوضع قواعد عمل جديدة مع دولة الكيان، لتصبح هي من عليه انتظار الموافقة من صاحب القوة والتأثير، ولكسر "دونية" زرعت على مدار سنوات سابقة تحت دعم أمريكي مطلق لدولة رأس الإرهاب العالمي، تحتل أرضا لدولة عضو في الأمم المتحدة، وترتكب جرائم حرب يومية، لا ترتكبها غيرها.
المشهد العالمي يتحرك بقوة لكسر الهيمنة الأمريكية، ليس سياسيا – اقتصاديا فحسب، بل عسكريا أيضا، بالتوازي مع إنشاء منظومة دولية بمضمون تكافئي وليس إمبريالي، رأس الحربة به دول مجموعة "البريكس".
أنه وقت "التمرد الرسمي العربي" لكسر "فيتو" دولة الكيان العنصري على بعض الحق السيادي، وتعديل ترتيب عناصر التكوين السياسي الجديد وفقا لمعادلة التغيير الدولي الجديد.
ملاحظة: من طرائف التاريخ المعاصر..أن "تحالف أعداء اتفاق أوسلو"، حكومة الفاشية برئاسة نتنياهو في تل أبيب وحكومة الأسلامويين في غزة...هم الأكثر استفادة من ركامه المتبقي المصاب برائحة سياسية عفنة..بالكم هو فعل تكاملي أم تصادفي!
تنويه خاص: كما اليوم ذهب الياطر حنا مينه، تاركا سفنه الأدبية التي أنتج لمن عشق وأحب إنسانا ووطنا...ذهب من منح الأدب روحا وطاقة.. ذهب من صارع القروش دون أن تكسر روحه.. فكان فعلا وقولا تكثيفا لمقولته "كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين"..سلاما يا حنا..فصورك وبقاياها باقية يا شراع العاصفة.