كانوا في كل يوم يترقبون إعلان التنمية الاجتماعية عن موعدٍ لصرف مستحقات الفقراء، ولسان حالهم يتمنى ويتضرع بأنّ يتم صرفها لكي يتمكنوا من سد ديونهم التي تراكمت عليهم شهراً تلو الآخر، والجميع يطالبونهم بسد تلك الديون، عدا عن اقتراب العام الدراسي والالتزامات والمتطلبات التي تنتظرهم وهم لا يملكون سوى رفع أكفهم لله يناجونه بالنظر لأحوالهم.
وما أنّ أعلنت وزارة التنمية الاجتماعية عن موعد صرف المستحقات لم يناموا الليل من فرحتهم، صحيح أنَّ ما سيحصلون عليه لن يسد خانة واحدة من تلك الالتزامات، لكِنهم سيستطيعون على الأقل شراء الزي المدرسي والقرطاسية لأطفالهم الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في بقعة فقيرة لأباء فقراء لم يجدوا فيها بريق من أمل أو فرصة من فرص الحياة.
لكِنهم تفاجئوا وقتلت بعضهم الصدمة حين أخبرهم موظف البنك بأنَّ في رصيدهم 350 شيكلاً فقط لا غير، حيث ظن بعضهم أنَّ خطأً غير مقصود قد حدث فتوسل للموظف أنّ ينظر جيداً، لكِن الحقيقة المرة جعلته مذهولاً لا يعرف ماذا سيرد، وبالتحديد حين رأى أنّه ليس الوحيد الذي صُرف له هذا المبلغ، بعد أنّ كان ينتظر صرف 1800 شيكل، لكِن ما سيأخذه فقط 350 وهو وما يُعادل ربع المبلغ الأساسي.
لذلك انتفضوا وصرخوا وخرجوا باحتجاجات بالقرب من بنك فلسطين يُطالبون المسؤولين بإنهاء المهزلة التي حدثت لهم ويُسارعوا بإكمال المبلغ المستحق فوراً، فلا الوضع يحتمل ولا حتى قلوبهم تتحمل ذلك، تلك الاحتجاجات جعلت مسؤولين بالوزارة يخرجون عبر وسائل الإعلام المحلية لتوضيح ما حدث، وبأنَّ منتفعي الشؤون ينقسمون إلى قسمين جزء منهم يتقاضون مستحقاتهم من الاتحاد الأوروبي وهم الذين تم صرف مستحقاتهم كاملة في هذه الدفعة، والجزء الآخر هم الذي يتقاضون مستحقاتهم من السلطة برام الله وهي لا تستطيع أنّ تدفعها بسبب عجز كبير في المالية الخاصة بها، وبأنّها وتماشياً مع أحوالهم قامت بصرف المبلغ البسيط الذي يُقدر بمئة دولار فقط.
"مجزرة بحقنا"
"أبو خليل"، قال لمراسلة وكالة "خبر": "شو بدي أقول، الي صار فينا مجزرة بكل معنى الكلمة، بيتشطروش إلا على الفقراء الي مش لاقيين أكل يطعموا أولادهم، ملاحقينهم على مبلغ بسيط بياخدوه كل 4 أو 5 شهور، بيرضي مين هاد يا ربي".
وأضاف: "عندي سبع أولاد وعايش بالإيجار، وعليَّ 4 شهور متأخرات لصاحب البيت، وكل يوم بيسمعني كلام طالع نازل، إذا ماسديت الي عليا بده يطردني في أي لحظة ، طيب شو أعمل هلقيت، شو بدي أقوله قبضت 360 شيكل وما معي أعطيك ولا شيكل منهم، لأني بدي أعبي جرة الغاز وأشتري زي المدرسة والشنط لأولادي الي بيستنوا كل يوم بيومه الوقت إلي آخدهم فيه على السوق وأشتري لهم كل الي نفسهم فيه".
"ديوني للصيدلية وصلت 1000 شيكل"
"أم أسامة" بعد أنّ كانت تدعي الله طوال الليل أنّ لا يكون اسمها من ضمن الأسماء التي ستتقاضى 350 شيكلاً، ذهبت منذ الصباح الباكر للبنك وكلها أمل أنّ تعود لابنتها المريضة ولبيتها مجبورة الخاطر، لكِنها صُدمت حينما أبلغها موظف البنك أنّها من ضمن الأسماء التي ستتلقى هذا المبلغ، فبيديها التي أصبحت ترتجف من شدة الغضب والخوف من القادم وكسرة الخاطر أمسكت بالنقود وعادت إلى بيتها وطوال الطريق كانت تمشي وعينيها تبكي وتُفكر كيف ستستطيع أنّ تُدبر أمورها وتُسدد ديونها، تقول لمراسلة "خبر": "بعد أنّ تقاضيت هذا المبلغ الذي لن يستطيع حتى تسديد ديوني في الصيدلية، فأنا أصرف دواء ابنتي المصابة بهشاشة العظام والقلب وأدويتي أيضاً وقد تراكم عليَّ أكثر من ألف شيكل على مدار شهرين فقط، وفي كل مرة أعد صاحب الصيدلية أنّه سيأخذ ماله عندما يتم صرف شيكات الشؤون، عدا عن ديوني عند محل الخضروات والسوبر ماركت ومحطة تعبئة الغاز، هؤلاء جميعاً ماذا سأقول لهم؟!، كيف سيثقون بي ويعطوني مرة أخرى بالدَّيْن؟!، ماذا سأقول لابنتي التي طلبت مني ملابس جديدة بعد أنّ اهترأت ملابسها وأصبحت ضيقة عليها، حسبي الله ونعم الوكيل في كل مسؤول أوصلنا لهذه الحالة، خطية ابنتي المريضة في رقبتهم ليوم الدين".
"أولادي جاعوا"
"أم محمد البُدي"، أرملة تعيش مع أطفالها الصغار في بيت متهالك بالكاد يسترهم، فلا هو صالح للعيش فيه بالصيف ولا حتى بالشتاء، كانت تعُد الأيام لكي يتم تحديد موعد صرف شيكات الشؤون، وحين أصبح الحلم حقيقة تحول إلى كابوس تمنت لو أنّهم لم يتقاضوا تلك المبالغ البسيطة، وتقول: "ياريتهم ما قبضونا على الأقل بتكون حجتنا كبيرة عند الديَّانة، وكل مرة بنوعدهم نسددهم الديون على قبضات الشؤون، الآن كيف بدي أقنعهم انه حصلنا فقط على 360 شيكل".
وتابعت: "أخدت المبلغ ورحت للسوق واشتريت الخضار واللحمة والفواكه لأولادي، الي جاعوا على مدار خمسة شهور، بعرف انه صاحب السوبر ماركت ما راح يعطيني أغراض بعد اليوم، وصاحب البيت الي عايشة فيه راح يهددني بالطرد من البيت خصوصاً انه علي متأخر 3 أشهر ما دفعتش اله، بس شو أعمل ما في ايدي شي غير أقول حسبي الله ونعم الوكيل، الشكوى لغير الله مذلة، أولادي جاعوا وأنا ما بقدر أعطي الفلوس للدين وأولادي بيطلبوا، وما في غير نرمي حملنا على الله سبحانه قادر يغير".
"الأزمة لا تأتي إلا على الفقير!!"
"معتصم شعبان" تلعثمت في فمه جميع الكلمات ووقف عاجزاً عن الشكوى ووصف حاله، فهو المقعد الذي لا يستطيع أنّ يعمل، ولديه 5 أبناء جميعهم صغار، تسير الأيام معه ببطئ شديد منتظراً أنّ تفرج ويمسك بيديه مخصصات الشؤون لكي يدخل الفرحة على أولاده الصغار، لكن أمنياته ذهبت سداً وتحولت إلى عبء آخر، يقول: "لا أعرف ماذا أقول، حتى لو شكونا حالنا، ماذا سيحدث لا شيء، المسؤولين لا يشعرون بالفقراء، هم يتقاضون رواتب شهرية تُعيل 10 أسر مثلي، أما نحن الفقراء فلا يهم، يتحدثون عن أزمة مالية وهذه الأزمة لا تأتي إلا على الفقير".
وحين طلبنا منه أنّ يروي لنا حكايته رفض، مُوقناً أنَّ شكواه لن يسمعها أحد سوى الله ولا حاجة له عند العبد الذي ضيَّق عليه حياته، فلو كان المسؤول يشعر بالفقير لما تغافل عن تفريج كربه، وفق حديثه.
يُذكر أنَّ برنامج الشؤون الاجتماعية هو برنامج مساعدات ترعاه السلطة الفلسطينية، وهو مخصَّص للأسر شديدة الفقر، وتستفيد منه نحو 116 ألف أسرة، 81 ألفاً منها في قطاع غزة، تَصرف لها وزارة الشؤون الاجتماعية رواتب مقطوعة، تبدأ من 200$ وتصل حتى 550$ بواقع أربع مرّات في كلّ عام. وكان المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي شادي عثمان، قد أعلن، في تصريحات صحافية، أن الاتحاد صرف منحته الكاملة المخصّصة للشؤون الاجتماعية، وقيمتها 22 مليون دولار، مخصَّصة لـ71 ألف أسرة من منتفعي الشؤون، مضيفاً أن السلطة تحدّثت عن وجود عجز لديها، "وأن لديها خيار عدم الدفع، أو دفع مئة دولار فقط لكلّ أسرة وهذا ما حدث بالفعل".