هل العداء بين إيران والولايات المتحدة حقيقي، جذري، لا يمكن التعايش معه؟ أم هو خلاف تكتيكي مؤقّت مرتبط بشروط العلاقة ولا يمكن اعتباره أبداً علاقة مستحيلة؟!
هناك مدرستان في هذا الشأن:
الأولى: ترى أنّه لا يمكن التعايش بين الجمهورية الإسلامية في إيران التي يقوم دستورها على مذهب شيعي يعتمد الفكر الجعفري الاثني عشري القائم على ولاية الفقيه وأنّ دور المرشد الأعلى هو الحكم نيابة عن الإمام الغائب إلى حين عودته.
هذا الأمر منصوص عليه في الدستور الإيراني (كانون الأول 1979) ومعمول به قولاً وفعلاً حتى تاريخه، وهو الفلسفة التي يقوم عليها النظام والبرلمان والحرس الثوري.
الثانية: هي الولايات المتحدة الأميركية صاحبة أفكار "وودرو ويلسون" وأبراهام لنكولن وجورج واشنطن، والعاملة بأفكار الآباء المؤسّسين لدستور يُعتبر منارة الفكر الإنغلوسكسوني، وهي صاحبة الاقتصاد رقم واحد في العالم والأكثر إنفاقاً على التسلّح وتحتلّ عملتها المكوّن الأول في الكتلة النقدية المتداولة في العالم، والأولى في براءات الاختراع والتطوّر الصناعي والتكنولوجي منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن.
تناقض ولكن
نحن الآن أمام نظام ديني مذهبي منغلق على نفسه يرى أنّ الولايات بسياساتها ومصالحها وأفكارها هي الشيطان الأكبر، وبالمقابل ترى واشنطن في إيران مركز التطرّف والخطر الديني والمذهبي المهدّد لسلامة حركة النفط والغاز والمهدّد لسلامة دولة إسرائيل ودول الاعتدال الشرق أوسطية.
على الرغم من هذا التناقض البادي على السطح، يرى أصحاب رؤية تآمريّة أنّ هناك مصلحة عظمى لوجود النظام في إيران، كما هو الآن، لخدمة مصالح واشنطن.
أصحاب هذه النظرية يدعمون فكرتهم بأنّ واشنطن في عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر هي التي أرسلت الجنرال هاوتزر الصديق الأميركي القديم لشاه إيران كي ينصحه بالسفر ومغادرة إيران في إجازة مفتوحة.
يرى هؤلاء أنّ وجود "البعبع الإيراني" مبرّر ودافع قويّان لدفع دول الخليج العربي إلى الإقبال على مشتريات السلاح الأميركية ورهن مصالحها بالشروط الأميركية ما دامت في حالة الاحتياج إلى الحماية.
ولكنّ هناك عدّة أمور تطرح شكوكاً في نوعية ومدى صدقية التفاوض بين واشنطن وطهران ويمكن إجمالها على النحو التالي:
1- دفع واشنطن حليفها الشاه إلى مغادرة إيران ورفض إعطائه حقّ اللجوء السياسي أو حتى منحه العلاج الذي كان يحتاج إليه.
2- منح إدارة الرئيس الأميركي كارتر إيران 7 مليارات دولار وقطع غيار للسلاح مقابل الإفراج عن الرهائن عام 1986 في صفقة معقّدة تمّت عبر وسيط جزائري وعبر البنوك السويدية على الرغم من مخالفة ذلك للدستور والعرف السياسي الأميركي الذي يمنع ويحرّم على أيّ إدارة أميركية التفاوض مع مختطفين لمواطنين أميركيين والاستجابة لهم.
3- فضيحة إيران كونترا التي كشفت تفاصيل التعاملات الدقيقة بين الطرفين.
4- الغزو الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدّام حسين الذي أزاح كابوساً للمصالح الإيرانية، وقدّم الحكم في بغداد إلى الشيعة الموالين لإيران.
5- إصرار إدارة أوباما (كيري، بلينكين، نولاند، ويليام بيرنز) على إتمام الاتفاق النووي الأوّل مع إيران مع الإصرار أيضاً على عدم وجود أيّ نصّ تتعهّد فيه إيران بعدم التدخّل في شؤون المنطقة.
6- الإفراج بعد الاتفاق الأول عن أرصدة إيرانية ساهمت بشكل صريح في تدعيم النفوذ الإيراني لدى الوكلاء في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وغزّة.
هل يدّعم بايدن الإرهاب؟
الآن نرى تساهل إدارة بايدن في تطبيق العقوبات على إيران حتى إنّ وزارة النفط الإيرانية أعلنت في بيان رسمي أنّها اقتربت من معدّلات الإنتاج والبيع السابقة في الأسواق المفتوحة!
الآن نرى الموافقة الأميركية على قيام كوريا الجنوبية بالإفراج عن 6 مليارات من الأرصدة الإيرانية المحتجزة لديها.
لقد اتّهم نواب جمهوريون وديمقراطيون إدارة بايدن بدعمها "للإرهاب والتخريب الإيرانيَّين" حينما تقوم بالإفراج غير المشروط عن هذه الأرصدة.
كيف نفسّر كلّ هذا؟
يقول دبلوماسي بريطاني مخضرم عمل في المنطقة لسنوات طويلة: "نعم هناك خلاف جذري في المنطلقات والمبادئ بين الإيراني والأميركي. إنّه نوع من الزواج المستحيل بين طرفين، لكنّ استمراره ضرورة من أجل مصلحة العائلة".
حينما تعود وتسأل: ما هي المصلحة؟ يأتيك الردّ:
الأميركي بحاجة إلى استخدام الإيراني بدلاً من الإسرائيلي بعبعاً "للتخويف من أجل الهيمنة وبيع السلاح، والإيراني بحاجة إلى استمرار خطر الشيطان الأكبر لتبرير الإخفاقات الداخلية وحالة الطوارئ واليد البوليسية الثقيلة وتأجيل الإصلاحات تحت دعوى أنّ البلاد تدفع ثمن العمل والجهاد ضدّ الشيطان الأكبر".
لذلك كلّه يمكن فهم قيام دول مجلس التعاون الخليجي بالتعامل والتعاطي مع إيران مباشرة بعيداً عن أيّ تدخّل أميرکي على أنّه تحوُّل تاريخي في قواعد اللعبة فى المنطقة.