القائد البرغوثي وتصفير الازمات الفلسطينية!!!

ea2316a6-8faa-4346-84e3-df92498a56f3
حجم الخط

 
لكل أزمة سبب، ولكل أزمة أزمة سابقة تعتكز عليها، لان الازمة السابقة لم تحل، فما زال الحل الامثل لدى (المتصارعين وليس المتنافسين في وطننا) هو تبريد الازمات ومحاولة تهدئة الامور وعدم وضع حل جذري للمشكلات السياسية.
 
من ازمة الى اختها اصبح حال الواقع السياسي لفلسطين، جراء انحراف خطير اصاب العملية السياسية وفشل ذريع في ادارة أمور مؤسسات الدولة ومعالجة الازمات وتشظي حكومة التوافق ما ينذر بانسداد حتمي وشيك في افق المشروع الوطني والعملية السياسية، فالبرغم من اعتيادنا على الازمات والخلافات في الفترات السابقة، لكننا اعتدنا في الوقت نفسه على الانفراج والخروج بالحلول ولو في اللحظات الاخيرة بيد ان ما يجري حاليا وما نعيشه هذه الايام يختلف جذريا عن السابق.
 
لاشك ان الظروف السياسية الصعبة التي تعصف بالوطن، جعلت المواطن الفلسطيني يستشعر حالة الاحباط واليأس والسخط من هذا الواقع المأزوم، والتي ان استمرت فإنها تعني تقهقر المشروع الوطني بأكمله وتراجعه لصالح نزعات التطرف والإرهاب والانقسام والإقتتال والحرب الداخلية والتي عانينا من بعضهما ولا نريد عودتها بكل الاحوال لتصدر المشهد الفلسطيني في القادم من الايام.
 
إن متلاحقة الازمات التي نعيشها والاوضاع التي وصلنا إليها، وما كنا نتمنى ان تصل الى هذا الحد من التباعد والتقاطع تجعلنا نعيش أجواء القلق رغم وجود بعض المؤشرات الايجابية على حلحلة بعض المشاكل بالاتجاه الذي يجب أن يؤدي الى الحل، وهذه رؤية بعض القيادات والشخصيات المخلصة التي طالما رأت ان الحل ممكن ومتاح إذا ما أريد للازمات ان تحل وتعالج من خلال وضع منهج لإدارتها، لأن غياب عنصر الادارة في حال الازمة سيقود الاوضاع الى ما لا تحمد عقباه لتبنى القرارات على أرضية هشة مرشحة للانهيار في أيّ وقت كونها ناتجة عن حالة من التخبط والانفعال وهذا ما لا يحقق النتائج المرجوة.
 
إن الرؤية التي بلورها القائد الوطني مروان البرغوثي وسارَ على خطواتها وتحدث بها على طول الخط حتّى قبل ان تستفحل الازمات وتصل الامور الى خانة التقاطع والتأزيم هي أنّ تكون هناك منهجية واضحة للحل من خلال إدارة حكيمة تستقرء أسباب نشوء الأزمات وطرق حلحلتها او العمل على تفكيك مسبباتها، حينما تحدث وركز على ضرورة عدم ترك المشاكل تأخذ مديات وإتجاهات عدة تتفاعل من خلالها لتنتج كماً كبيراً من المشاكل وهذا ما عبر عنه القيادي البرغوثي بتصفير الأزمات الفلسطينية والقضاء عليها، حيث أكد انه يجب ان لا ندع المشاكل والأزمات تتفاعل كيفما تكون دون ظوابط وان تتحرك دون محددات في حركة العملية الوطنية والسياسية، مطالبا الكل الفلسطيني إلى ضرورة وضع خطوط حمراء لا يجب تجاوزها في حال حدوث بعض المشاكل، لانها أمور محتملة الحدوث والوقوع لكنّ ان تسير بإتجاه تهديد السلم الاجتماعي والوجودات والمكونات الفلسطينية، وتهدد وتعصف بمنظومة العلاقات التي بنيت على أُسس متينة إنطلاقاً من رغبة هذا أو ذاك.
 
من هنا يجب ان تتوقف الازمة ليصار الى حلها وبذلك تحفظ العلاقات التي منها تكون الانطلاقة للحل كما ان ذلك سيعزز الوحدة الوطنية ويبعد الاخطار المحتملة عن المشروع السياسي الفلسطيني الذي تم العمل عليه وعبد بالدماء الزكية الطاهرة بأن تسود حالة الوئام بين المكونات الفلسطينية التي بدأت مؤخراً تتأثر بالصراعات والتصعيد الاعلامي.
 
ان من المعيب حقاً ان يدعي كل طرف من أطراف الأزمة دفاعه عن الشعب ومكتسباته في وقت تذبح فيه متبنيات الشعب وتترك مصالحه المشتركة في مهب ريح الخلافات، بل ان يترك الشعب ليلاقي مصيره المجهول وسط حالة الاقتتال الإعلامي وحروب التصريحات بينما تغيب الإرادة والمنهج في تطويق الازمات، ولو فكر الفرقاء بروحية اخرى وعقلية اخرى من خلال ايجاد مساحة معقولة للاختلاف وتنوع الطرح في العمل السياسي تخضع لنظام معين بمساحة إختلاف الرأي على ان لا تصل الى حد الخطوط الحمراء التي بعدها لا يجوز الاختلاف، ومن هنا نختلف ونتقاطع ولكن بحدود كما يمكن ان تحصل بعض المشاكل والتي يمكن ان نتعامل معها بشكل طبيعي ولكن بضوابط واذا ما حصلت الازمات، فلا بدّ ان تؤطر باطار وتحدد بحدود لتحاصر ثم يأتي دور المعالجة وأقصر الطرق لبلوغها الحوار، اما إذا قبلنا ان نتجاوز هذه الحدود فالأمر هنا يستدعي أن نقلق لأن الطريق الذي نسير به عندئذ هو طريق اللاعودة الذي لا نرغب في سلوكه بأي حال من الاحوال.
 
ربما لو أمعنا التفكير جيدا في ما يدور بالمشهد الفلسطيني اليومي من أحداث بين بعض الساسة والقيادات من جهة، وما يدور في هذا المشهد من تقصيرات وتلكؤات وتباطئات من قبل حكومة التوافق في الملفات المهمة لوجدنا إن هناك بين السطور تكمن مجموعة من الحلول لو إننا استثمرناها بالشكل الصحيح لوفرت علينا الكثير من الجهد والعناء والوقت، وهذه الحلول ترتبط بعدة جهات يمكن إذا ما تعاونت تلك الجهات أن نضع أيدينا على ( الجرح ) كما يقولون، ومن ثم الخروج من عنق الزجاجة التي لم نستطع الخروج منها بسبب كل ما يجري في فلسطين.
 
والأطراف التي لابد إن تساهم في الوصول إلى تلك الحلول هي بالدرجة الأساس تكمن عند ثلاثة جوانب أولها : القيادات الفلسطينية الذين هم مفتاح النجاح للعملية السياسية والوطنية من الناحية الفعلية ثم يقع الجانب الثاني من إيجاد الحلول على الحكومة وما يترتب عليها من واجبات في سبيل البحث عن كل الطرق اللازمة لتقديم الأفضل للمواطن الفلسطيني الذي يعتبر حكومته الان هي الملزمة شرعا وقانونا على تقديم ما يمكن تقديمه من الخدمات للمواطن، وبالتالي إيجاد الفرص اللازمة لنجاح عملها.
 
أما الجانب الأخر من الحل فهو الأهم بين تلك الجوانب إذ يكمن في المواطن الفلسطيني نفسه وما يترتب على هذا المواطن من واجبات لابد عليه إن يؤديها تجاه قيادته وحكومته وتجاه وطنه ومشروعه الوطني إذا كان يرغب في الوصول إلى حلول تساهم في تغيير الوضع المزري الذي يعيشه هذا المواطن.
 
ولو إن الشعب الفلسطيني لم يلحظوا من حكومتهم ومن قيادتهم وسياسييهم أي نوع من التقارب في وجهات النضر إذ إن الحكومة ووزراءها لا زالوا لحد الان يعيشون حالة من الإرباك نتيجة لكثرة التقاطعات فيما بينهم مما يعيق العمل على تقوية الأواصر بين أطراف النجاح في العملية السياسية والوطنية والحكومية الفلسطينية.
 
فإذا ما أرادت القيادات والساسة، وإذا ما أرادت الحكومة، وإذا ما أراد الشعب إن يساهموا في النجاح، فعليهم أولا أن يشخصوا نقاط الخلل، ففي خضم اوضاع وظروف حساسة وخطيرة يمر بها وطننا وشعبنا، لابد ان نذكر ونؤكد مرة اخرى انه انطلاقا من المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق الفصائل والحركات والأحزاب والقوى والتكتلات والتيارات والشخصيات المستقلة والوطنية والمجتمعية والسياسية، وتقديرا للمصالح الوطنية الفلسطينية العليا، ينبغي ان يضطلع من يعنيهم الامر بدورهم، ويتخذون الخطوات المناسبة والصحيحة، التي من شأنها تعزيز اللحمة الوطنية، واخراج الوضع الفلسطيني المزري من عنق الزجاجة، وتجنيبه منعطفات خطيرة للغاية، وتفويت الفرصة على المتربصين بفلسطين، والساعين الى تعطيل وعرقلة مسيرة التقدم نحو الامام، فتغليب المصالح الوطنية، ونبذ النزعات المصلحية الحزبية والفصائلية والفئوية والضيقة، هو مفتاح النجاح الحقيقي، والمكسب الكبير للجميع، وليس لهذا الطرف السياسي او المكون الاجتماعي دون الاخر.
 
إن من يطمح لإنجاح المشروع الوطني الفلسطيني، لابد عليه أن يقدم خطوات جدية وملموسة تثبت بأنه يريد أن يساهم في إنجاح هذا المشروع، وبالتالي فان ما ينتج من نجاحات ستصب في بوتقة المصلحة الوطنية الفلسطينية التي تهم الجميع، فالتعاون بين الفصائل والأحزاب والقوى والكتل الوطنية والسياسية وبكافة توجهاتها هو المفتاح لنجاح العمل السياسي في فلسطين الذي يحتاج الآن إلى وقفة جدية وحازمة من الجميع في سبيل إعادة وطننا فلسطين إلى مستواه الحقيقي بين أحضان المجتمع العربي والعالمي والدولي والا فإن الأحزاب والقوى والكتل الوطنية والاسلامية والسياسية إذا ما استمرت في تقاطعاتها مع بعضها واستمر أعضاءها ( الكرام ) بإطلاق التصريحات والاتهامات التي تشير إلى هذا الطرف أو ذاك لسبب أو بدون سبب، مما يؤدي إلى تصعيد وتشنج المواقف وتثير الأزمات والاحتقانات التي تضر بالنتيجة بالمصلحة الوطنية الفلسطينية.
 
لذا اعتقد إن ما طرحه القائد مروان البرغوثي من رؤى يمكن بواسطتها إذا ما نفذت بشكل صحيح ووطني وبعيدا عن النفعية والمصلحية ــ يمكن لها ـ أن تبعد شبح الأزمات عن المشهد الفلسطيني وتساهم في توحيد الصفوف ونبذ الخلافات وإنهاء الإنقسام والابتعاد عن التشنج المتبادل بين هذا وذاك، فنجاح المشروع الوطني الفلسطيني، مرهون بمشاركة الجميع بصنع القرار السياسي الذي لابد أن يخدم مصلحة الفلسطينيين جميعا، فالنجاح من واجب الجميع وعلى الجميع السعي لتحقيق هذا النجاح لان ذلك يؤدي إلى تفويت الفرصة على كل الذين يريدون تحقيق أجندات لا تخدم المصلحة الفلسطينية، وتحاول النيل من سيادة الوطن الفلسطيني، فالنجاح الذي اعنيه هنا هو كيفية الثبات والوقوف بوجه كل المخططات الجبانة التي تريد النيل من فلسطين وشعبها.
 
ومن هنا جاءت دعوة ورؤية القائد البرغوثي الى ضرورة القضاء على كافة المشاكل وتصفير الازمات الفلسطينية التي يمكن معالجتها بالحوار البناء الجاد المصحوب بصدق النوايا وتقديم جزء من التنازلات والابتعاد عن نظرة المكاسب الفئوية والمصالح الشخصية، فتأكيد الاخ البرغوثي على هذه الجزئية بالذات نابع من حرص وطني ومسوؤلية عالية يشاركه فيها جميع الشرفاء والاحرار والوطنيين والخيرين من ابناء فلسطين الغيارى والساعين الى بناء فلسطين حرة ومستقلة ديمقراطية مستقرة تتعايش فيه كل الاطياف بمحبة وسلام وتنعم بخيراته وفق مبادئ العدل والمساواة.