عن "مباط عال" : الصراع على مناطق "ج": فرصة لتغيير المقاربة (2من2)

iAtNR.jpg
حجم الخط

بقلم: أودي ديكل ورام كوهين ونوي شليف

 

البُعد الاستيطاني
تسعى سياسة المستوطنات والبؤر الاستيطانية للوصول إلى تواصل استيطاني إسرائيلي، وخلق حاجز بين المناطق الفلسطينية؛ بهدف إحباط إقامة الدولة الفلسطينية، وتشكيل جيوب فلسطينية منفصلة في المستقبل (كانتونات)، تكون مشمولة داخل منطقة تحت سيادة إسرائيل.
حسب المقاربة التي توجه المستوطنين الأيديولوجيين ومؤيديهم في أوساط الجمهور والحكومة، بالأساس المنتمون للصهيونية اليمينية المتطرفة، فإن وصية استيطان كل "أرض إسرائيل" تعادل كل الوصايا الأخرى معاً. حسب رأيهم يلزم الاستيطان الجيش الإسرائيلي بحماية المستوطنات وشرايين حياتها، ويمنع الفلسطينيين أيضاً من السيطرة على مناطق مفتوحة، ويعزز سيطرة إسرائيل عليها وعليهم. ومن أجل إبعاد حضور ونشاطات الفلسطينيين في مناطق "ج" تتم إقامة مزارع زراعية، ويتم وضع اليد على أراضي رعي واسعة. في المقابل، هناك من يعارضون سياسة الاستيطان؛ لأنها تقضي على اتفاق سياسي مستقبلي، وتزيد الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين، وتضر بتطورهم، وتزيد الانتقاد الدولي لإسرائيل وقوات الجيش الإسرائيلي حتى النهاية، وتحتاج إلى الاستثمار في القوات والجهود العسكرية الواسعة للدفاع عن المستوطنات والمحاور التي تؤدي إليها.

فرض السيادة/ ضم مناطق "ج"
هذه القضية أيضاً توجد في مركز خلاف عميق داخل المجتمع الإسرائيلي. طرحت حول هذا الموضوع عدة أفكار:
1- فرض السيادة في غور الأردن التي ستحدد حدود إسرائيل الشرقية وتمنع "حق العودة" للفلسطينيين عبر الحدود الشرقية.
2- فرض السيادة/ الضم على أراضي المستوطنات فقط (منطقة مبنية أو مناطق خاضعة للولاية القضائية).
3- ضم الكتل الاستيطانية طبقاً لمسار الجدار الأمني.
4- ضم كل مناطق "ج".
5- ضم نصف مناطق "ج" كما تم التعبير عن ذلك في صفقة القرن للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2020.
الفكرة الأساسية التي تدفع بها قدماً الحكومة الحالية هي توفير الظروف للضم (هناك من يسمي الخطوات العملية على الأرض "ضماً زاحفاً")، ويتمثل ذلك بعدة خطوات في أساسها: نقل صلاحيات الإدارة المدنية إلى الوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش، وتوسيع مشروع الاستيطان بوساطة "تسوية الاستيطان الشاب": اعتراف قانوني بالبؤر الاستيطانية غير القانونية. أكد الوزير سموتريتش، الذي نقلت إليه الصلاحيات المدنية في "يهودا" و"السامرة" في إطار "وثيقة الحسم" التي نشرها، أن المهمة هي "نقش في وعي العرب وفي وعي كل العالم بأنه لا توجد أي إمكانية لإقامة دولة عربية في أرض إسرائيل". أيضاً هو يعتقد بأنه يجب وضع خيارَين أمام الفلسطينيين، إما الهجرة إلى الدول العربية أو الاستسلام لحكم إسرائيل في كانتونات حكم ذاتي كمقيمين.
خلال نقاش جرى في لجنة الخارجية والأمن، كشف الوزير سموتريتش أن الحكومة تعمل على تغيير في السياسة، في إطاره سيعملون أيضاً على إنفاذ قوانين البناء في مناطق "أ" و"ب"، والتي في إطارها فإن إدارة الاستيطان في وزارة الدفاع خاضعة له، حيث تم إجراء نشاطات لتحسين أداء منظومة القانون، وذلك بوساطة إقامة وحدة تكتيكية محددة في حرس الحدود لإنفاذ القانون في "يهودا" و"السامرة". حتى أن الوزير سموتريتش كشف عن نية تحريج أراضي دولة في منطقة عن طريق الـ"كيرن كييمت"، وتخصيص مئات آلاف الدونمات للزراعة وشرعنة أكثر من 50 مزرعة.
تطبيق سياسة حكومة إسرائيل بخصوص مناطق "ج" يعني الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة. الضم الفعلي للمنطقة من أجل القضاء على كل فرصة لتسوية سياسية مع الفلسطينيين وتطبيق حلم الانفصال عنهم. تقود عملية الضم الزاحف الآن إلى إضعاف السلطة الفلسطينية، وإلى المسّ بقدرتها على أداء دورها في إدارة حياة الفلسطينيين بالضفة الغربية. سيؤدي الضم إلى إضعاف آخر للسلطة الفلسطينية وحتى إلى تفككها النهائي، وسيدفع إسرائيل إلى تحمل المسؤولية الكاملة عن الحياة اليومية لثلاثة ملايين فلسطيني تقريباً، يعيشون في "يهودا" و"السامرة".
إضافة إلى ذلك، فإن الضم والتصرف أحادي الجانب والتعامل مع الوضع الحالي كوضع دائم وليس كوضع مؤقت، كل ذلك يضع إسرائيل في موقف إشكالي إزاء الانتقاد الدولي وتصنيفها دولة أبارتهايد. إن ذوبان الفلسطينيين في إسرائيل في مناخ المواجهة المستمرة، وليس كجزء من تسوية سياسية مشتركة، سيوسع الاحتكاك السلبي، وسيعمل على تفاقم تحديات الهوية، وسيذكي الصراعات على خلفية دينية وقومية، وكذلك التصعيد في الجريمة و"الإرهاب" والاحتجاجات العنيفة، وسيزيد من حدة تحديات الحوكمة. في الرؤية للمدى البعيد، فإن الميزان الديموغرافي الإسرائيلي – الفلسطيني سيقوض أساس جعل إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وسيؤدي إلى تحولها "دولة واحدة" مع "تفوّق يهودي" أو إلى "دولة كل مواطنيها".

الخلاصة والتوصيات
برؤية إستراتيجية، فإن الحفاظ على دولة إسرائيل يهودية وديمقراطية وآمنة ومزدهرة يستوجب وقف توجهات دمج المجموعات السكانية في "يهودا" و"السامرة" والانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة. لذلك، يجب خلق الظروف لانفصال سياسي، جغرافي، وديموغرافي عن الفلسطينيين. وفي الوقت ذاته تثبيت سلطة فلسطينية مسؤولة، مستقرة، قادرة على القيام بدورها بفعالية وتنسّق مع إسرائيل.
من أجل الدفع قدماً بأهداف الانفصال عن الفلسطينيين، ووقف الانزلاق إلى واقع الدولة الواحدة، يجب على إسرائيل أولاً وقبل كل شيء تغيير نظرتها حول مناطق "ج"، من سيطرة أحادية الجانب إلى اعتبارها فضاء لتفاهمات مع السلطة الفلسطينية. نقترح تخصيص 25 في المئة من مناطق "ج" لتطوير بنى تحتية ومشاريع اقتصادية لتشجيع الاقتصاد الفلسطيني، وخلق تواصل في المواصلات، ونقل مناطق مأهولة فلسطينية، والتي تجاوزت حدود مناطق "أ" و"ب" ووصلت إلى مناطق "ج"، إلى سيطرة فلسطينية (أكثر من 200 ألف فلسطيني يعيشون في مناطق "ج").
في إطار تخصيص المناطق للتطوير، سيتم تشكيل لجنة خاصة بمشاركة جهات دولية لاقتراح مشاريع في مناطق "ج". في المرحلة الأولى لن يتم نقل صلاحية التخطيط والبناء للفلسطينيين في هذه المناطق، بل فقط بعد ذلك، بعد بدء العمل في المشاريع وإثبات القدرة على العمل وتحمل المسؤولية من قبل الفلسطينيين، بخصوص المستوطنات لا نوصي بإخلائها، بل بتعليق سياسة الاستيطان الحالية: يجب إخلاء كل البؤر الاستيطانية غير القانونية والمزارع غير المصرح بها، وتفضيل البناء والتطوير في الكتل الاستيطانية التي تقع غرب الجدار الأمني. المستوطنات المعزولة داخل الأراضي الفلسطينية يجب وقف توسيعها، باستثناء احتياجات التكاثر الطبيعي وإحباط سياسة الوزير سموتريتش نقل نحو نصف مليون مستوطن آخر إلى هناك.
في إطار الاتصالات من أجل التطبيع بين إسرائيل والسعودية، فقد تم طرح الحاجة إلى "رزمة فلسطينية"، أي مقابل من جانب إسرائيل في الموضوع الفلسطيني، الذي يمكن لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي جو بايدن، أن يسجلاه إنجازاً سيساهم بتطبيق حل الدولتين. في هذا السياق، قال ولي العهد السعودي بن سلمان، خلال خطاب بمؤتمر قمة الجامعة العربية الذي عقد بالرياض في أيار 2023: إن "القضية الفلسطينية توجد على رأس سلّم جدول أعمال المملكة". وذكّر بالمبادرة العربية للسلام. في المقال الذي نشره في "نيويورك تايمز"، تطرق توماس فريدمان إلى المقابل الذي تطالب به السعودية في إطار الاتفاق الثلاثي مع الولايات المتحدة: تعهّد رسمي بعدم ضم "المناطق"، وقف بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية القائمة، تعهّد بعدم شرعنة المزيد من البؤر الاستيطانية غير القانونية، وأيضاً نقل جزء من مناطق "ج" التي توجد تحت سيطرة إسرائيلية كاملة إلى مناطق "أ" و"ب" الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية. توجد لإسرائيل مصلحة في الدفع قدماً باتفاق تطبيع مع السعودية بسبب أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية والدينية والسياسية، وأيضاً ضد محور إيران.
أيضاً استعداد واضح مؤخراً من ناحية السلطة الفلسطينية للمشاركة في اللعبة السياسية وعدم البقاء في الخلف، يشجع التفكير نحو الدفع قدماً بمشاريع اقتصادية وبنى تحتية في مناطق "ج". هاكم عدد من المشاريع المحتملة:
- تحسين وزيادة نجاعة السيطرة المشتركة على المعابر، وتحسين مستوى الخدمات والبنى التحتية. تأكيد خاص على معبر جسر اللنبي إلى الأردن وإشراك السلطة الفلسطينية في تشغيله.
- إقامة مطار مشترك في غور الأردن للمسافرين الفلسطينيين، والإسرائيليين، والحجاج، الأمر الذي سيشجع على الاستثمار في المنطقة. وإقامة معابر برية في ترقوميا و"شاعر أفرايم" لفحص البضائع المعدة للتصدير من مناطق السلطة الفلسطينية والاستيراد إليها.
- الكهرباء. ربط تزويد الغاز من إسرائيل، وفي المقابل إقامة محطات كهرباء فلسطينية باستثمارات خاصة من أجل جسر الفجوة في استهلاك الكهرباء. إضافة إلى ذلك إقامة منشآت لإنتاج الطاقة الخضراء، من الشمس والرياح، (حقوق شمسية في صحراء "يهودا")، وربط مع شبكة التوزيع بهدف تقليل اعتماد الفلسطينيين على الطاقة من إسرائيل.
- المياه: استئناف نشاطات لجنة المياه المشتركة، وتخصيص منطقة على شاطئ البحر المتوسط بتمويل سعودي أو دولي لإقامة محطة تحلية فلسطينية، وإقامة منشآت لتكرير مياه المجاري بمناطق "يهودا" و"السامرة"، ومد أنبوب مناسب لاستخدام المياه الناتجة للزراعة.
- تطوير غور الأردن كفضاء اقتصادي مشترك بين إسرائيل والسلطة والأردن، وربطه بدول عربية أخرى. سيمكّن إشراك دول الخليج من الدفع قدماً بمشاريع كبيرة مثل شبكة بنى تحتية من الخليج إلى البحر المتوسط، وربط السلطة بالبنية الإقليمية متعددة الأطراف (المياه مقابل الطاقة بين إسرائيل والأردن والإمارات، ومشاريع مشتركة في مجال التكنولوجيا والسياحة والتشغيل والمواصلات).
- إقامة مزارع لتطوير تسويق فلسطيني للفواكه والخضار مع منع تلوث المياه الجوفية.
- جودة البيئة: وقف عمليات تلويث الهواء، المياه/ والأرض (ضخ مياه المجاري في الأودية وتلويث الأرض والمياه الجوفية بمياه المجاري غير المعالجة وإحراق المواد الملوثة ورمي النفايات الإلكترونية الممنوعة).
- أزمة المناخ: الدفع قدماً بمشاريع مشتركة تخدم مصالح مشتركة بمساعدة التكنولوجيا الإسرائيلية.
إن الدفع قدماً بهذه المشاريع، جزء منها أو جميعها، سيعزز مكانة السلطة الفلسطينية في الساحة الداخلية والإقليمية كلاعب مهم في التسويات، وسيساعد أيضاً في اندماج إسرائيل بالمنطقة. إضافة إلى ذلك ستفيد خطوات بهذا الاتجاه في تخفيف الصراع المتزايد بين إسرائيل والفلسطينيين، لا سيما في تمهيد الظروف للانفصال عن الفلسطينيين.

عن "مباط عال"