سألت الزعيم ياسر عرفات.. لماذا لا تحب عقد المؤتمرات العامة لفتح.. وتؤجل انعقادها أحيانا إلى عشرات السنين؟
أجاب.. إن مؤتمر فتح متعب في الاعداد لعقده، ومتعب أكثر في معالجة نتائجه.
سألته.. متعب في الإعداد.. هذه مفهومة، أمّا متعب أكثر في نتائجه فهذه ما تحتاج إلى تفسير منك.
أجاب.. إنني أقضي وقتاً طويلاً في ترويض الناجحين ووقتاً أطول في ترضية الذين لم ينجحوا، وأحياناً كانت تصل الأمور إلى انقسامات وانشقاقات.
قلت.. ولكن لا يوجد حركة سياسية سوية وفعالة، إلا وتعقد مؤتمرات دورية لتجديد قياداتها وبرامجها، فلماذا تبدو فتح استثناءً عن هذا القانون الذي تُحكم به الأحزاب والحركات السياسية؟
أجاب.. فتح ليست حزباً، ولا حركة، إنها تيار شعبي واسع ومتعدد الميول والمواقف والخلفيات، لهذا أخشى عليها من مؤتمراتها.
ورغم ذلك كان لابد من عقد مؤتمرات عامة للحركة، برضى عنها عرفات أو بدون رضاه. عقدت فتح عدة مؤتمرات في المنفى، وعقدت مؤتمرين على أرض الوطن في عهد السلطة، ولو سألت كل من شارك في المؤتمرين ومن لم يشارك، لكان جوابهم موحداً "كانا مؤتمرين لم يوقفا حالة التراجع المتسارع في وضع الحركة ومكانتها"، وحين تتراجع فتح يتراجع حال الوطن والقضية.
والآن ومفروض على فتح أن تعالج كومة من القضايا الداخلية والوطنية وتوفر مخارج منها، نراها أكثر انشغالا بصراعاتها التنافسية الداخلية، ما أفرز تهميشات واسعة النطاق لأغلبية أعضائها على كل المستويات القاعدية والقيادية، وإلى جانب جيش المهمشين الذي هو جيش الأغلبية، فهنالك الانقسامات والانشقاقات العلنية والمستترة، حد أنها دخلت ترتيبات الانتخابات العامة قبل أن تُلغى بعدة قوائم، فضلاً عن الانقسامات التي استفحلت في بنيتها الرسمية، ومحصلة ذلك سقوط في العديد من الانتخابات الفرعية حتى في الأماكن التي كانت بمثابة مراكز نفوذ مغلق لها، والمجال يضيق إذا ما تحدثنا تفصيلاً عن تردي حالها فالأمر مُقَرٌّ به ممن يحتلون مسميات ولا أقول مواقع قيادية، أو ممن هم خارج المسميات والأطر.
تقرر أخيراً أن يُعقد المؤتمر الثامن.. نهاية هذا العام، وبعيداً عن الجدل الدائر حول ما إذا كان سيعقد أصلاً أولا يعقد، فإن افتراض أنه سيعقد فعلاً في الوقت المحدد، يقودنا إلى سؤال الأسئلة.. هل سيكون مؤتمراً يُخرج الحركة التاريخية من مآزقها العميقة والعديدة؟ أم سيكون استنساخاً للمؤتمرين السابقين اللذين عقدا في بيت لحم ورام الله.
لا أريد استباق الأمور وأحدد إجابة قطعية عن السؤال الكبير، ولكن يمكن معالجة الحالة بصورة أولية ولكن مبدئية بمناقشة ماذا تحتاج فتح كي يكون مؤتمرها العتيد فعّالا في إخراجها من المأزق المتعمق.
اجتهادي:- أنها بحاجة إلى مؤتمر توحيدي يتخذ سمة ووظيفة المؤتمر التأسيسي. مؤتمر يلغي ظاهرة التهميش والاستبعاد والاستثناء، مؤتمر يبحث في الخيارات السياسية وآليات تنفيذها. مؤتمر لا تسيطر عليه هواجس الخلافة كما لو أنها وراثية، مؤتمر لا يتم اختيار اعضائه على طريقة التقاسم المسبق للأصوات، ولا على طريقة حشد الأنصار ووضع الأسماء في أيديهم ليضعوها في الصناديق، مؤتمر يُدعى إليه مئات المراقبين من كل العالم، وتشارك في الإشراف على انتخاباته لجنة الانتخابات المركزية، ولا ضير في ذلك إذا كانت الإجراءات والترتيبات التنظيمية سليمة ومتقنة، بل هي ضرورة لتوفير مصداقية أمام الشعب الفلسطيني والعالم، بأن فتح التي قادت بوضع داخلي متين و موحد ، ورؤية سياسية واضحة، وقيادة منتخبة بصورة عادلة وصحيحة.
ومن يقول إن ذلك غير ممكن ويعمل على تكريس الأمر الواقع على سوئه كممكن وحيد، فلا يريد خيراً لا لفتح ولا للقضية ولا للكفاح الوطني.
إنه اختبار مفصلي، أن يكون مؤتمرا لفتح كلها، وليس لمن تبقى منها وفيها، وهذا ما ليس مستحيلا على حركة عريقة أن تفعله.
إن فتح السليمة المعافاة الوطنية والديموقراطية، هي مصلحة لشعبها أولاً ولأشقائها العرب ولأنصارها والمراهنين عليها في كل العالم فلتبدأ بنفسها كي تكون جديرة بدعم وتبني الآخرين لها ولما تمثل.