هارتس : ليبيا لا تحتاج إسرائيل وسيطاً لبناء العلاقات مع الولايات المتحدة

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 

2023-08-30




عندما سارع وزير الخارجية الإسرائيلي ليتحدث عن لقائه مع نظيرته الليبية، نجلاء المنقوش، يبدو أنه لم يتخيل بأن النتيجة ستكون اقالة المنقوش واضطرارها إلى الهروب من بلادها إلى تركيا. يبدو أنه في هذه الاثناء، رغم البيان الاحتفالي لكوهين، إلا أن ليبيا ما زالت بعيدة عن التطبيع مع إسرائيل.
البيان الليبي الرسمي، الذي أوضح بأن التطبيع مع إسرائيل غير موجود على الاجندة، والتظاهرات التي رافقت النشر، تدل على أن شخصاً ما سارع الى أن ينسب لنفسه الفضل على هذا الهواء الدافئ. يتركز سيل التقارير التي تأتي من مصادر مجهولة في وسائل اعلام غربية وعربية، بالاساس حول سؤال هل المنقوش، وهي المرأة الاولى في ليبيا التي تتولى منصب وزير الخارجية، تصرفت بشكل تلقائي أم أنه تم تخويلها من قبل رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، لإجراء هذا اللقاء.
هذه ليست المرة الأولى التي تجد فيها المنقوش نفسها على الشواية الدبلوماسية الليبية. ففي العام 2021 جمّد المجلس الرئاسي المنقوش من منصبها بسبب ما اعتبر تنفيذ سياسة خارجية مستقلة بدون تنسيق مع المجلس. الآن تقول عدة مصادر بأنه توجد دلائل على أن الوزيرة  تم إرسالها من قبل رئيسها، في حين ينسب آخرون اللقاء الى رغبة ليبيا في استغلال إسرائيل رافعة من أجل تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، أو ربطوها بسعي الرئيس الاميركي، جو بايدن، الى توسيع دائرة الدول العربية المشاركة في اتفاقات ابراهيم.
من الافضل التعامل مع هذه التقارير بالقدر المناسب من التشكك. تسببت العداوات السياسية في ليبيا بعدد غير قليل من التقارير الخاطئة والكاذبة، لا سيما أن ليبيا ليست بحاجة الى إسرائيل كي تشكل لها جسراً الى واشنطن. العلاقات بين الحكومة الوطنية، المعروفة في المجتمع الدولي ولكنها فعلياً تسيطر فقط على نصف الدولة، وبين الادارة الأميركية ليست بحاجة الى وساطة إسرائيل. تعمل واشنطن منذ سنوات على العثور على حل ينقذ ليبيا من المتاهة السياسية والعسكرية التي توجد فيها، بدون نجاح.
في آذار الماضي قدم بايدن للكونغرس خطة عمل هدفها منع النزاعات والتوصل الى الاستقرار في عدة دول من بينها ليبيا. هذه خطة طموحة يمكن أن تمتد عقدا، وتشمل ضمن امور اخرى، خطة لإجراء انتخابات للرئاسة والبرلمان وبناء وحدة وطنية ونمو اقتصادي. الهدف الاستراتيجي الموجود في اساس الخطة هو محاولة ابعاد تأثير روسيا والصين عن ليبيا بشكل خاص، وعن الدول الافريقية بشكل عام، والحفاظ على المصالح الأميركية والاوروبية في الدولة.
تعتبر هذه خطة جيدة، خطة مصوغة بلغة دبلوماسية ضبابية لا تقترح خطوات ملموسة. سبب ذلك هو أن واشنطن تعرف عن قرب خط هوس ليبيا. منذ اسقاط وقتل معمر القذافي في العام 2011 فان ليبيا غارقة في حرب اهلية دموية، وتدار من قبل حكومتين تستندان الى عشرات المليشيات، وخلال عقد تقريبا تعمل كصخرة تحطمت عليها معظم المبادرات الدولية التي سعت الى تحويلها من دولة عصابات الى دولة قومية.
يكفي فحص الاعمال العنيفة التي حدثت هناك في هذا الشهر كي يتولد الانطباع عن شرنقة العداوة التي تدير الدولة. قُتل تقريبا 55 شخصا في صراعات القوة بين اللواء 444، وهو أحد المليشيات القوية في العاصمة طرابلس، وتخضع بشكل ضعيف لوزارة الدفاع ولكنها تعمل بشكل مستقل، وبين مليشيا الردع الخاص، وهي جسم اسلامي شبه عسكري تابع لوزارة الداخلية. هاتان فقط اثنتان من بين الـ 12 مليشيا التي تعمل في العاصمة، والتي لديها القوة لتحديد هل وقف اطلاق النار، الذي ما زال يصمد نظريا منذ سنتين تقريبا، سيستمر. اضافة اليها تعمل في جنوب الدولة مليشيات تطرح طلبات اقتصادية تسغى لتمثيل مناسب في الحكومة وتطمح الى الحصول على نصيب من الميزانية.
لكن الصدع التكتوني الذي يقسم الدولة وجد بين شرق الدولة وغربها. امام الادارة المعترف بها في طرابلس، والتي تشمل مجلس الرئاسة والحكومة، يعمل الجنرال الانفصالي، خليفة حفتر، الذي يتولى قيادة الجسم الذي يسمى "الجيش الوطني"، الذي حاول عدة مرات السيطرة على الحكم وأن يصبح رئيس الدولة. حفتر، الذي مركز نشاطاته في مدينة بنغازي، هو عامل رئيسي، وقد اوجد حوله ائتلافا من دول عربية داعمة، منها مصر والامارات، والى جانبها ايضا زعيم المتمردين في السودان، محمد دقلو. من بين حلفائه ايضا توجد روسيا التي ارسلت قوة فاغنر لمساعدته في محاولة القيام بانقلاب عسكري.
في العام 2021 نشر أن ابن حفتر وصل في رحلة جوية سرية الى إسرائيل لفحص امكانية الحصول على مساعدة سياسية وعسكرية. اقام حفتر علاقات وثيقة ايضا مع ايطاليا، التي ارسلت له اموالا كثيرة لوقف سيل اللاجئين من بنغازي الى اوروبا، وفي الوقت ذاته وقعت على اتفاق مشابه مع الحكومة الليبية. حفتر في الحقيقة هو شريك في اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه في ليبيا، ولكنه لم يتنازل عن طموحه في أن ينتخب كرئيس للدولة.
الانتخابات، بالمناسبة، يمكن أن تجرى حتى نهاية هذه السنة، لكن من الافضل عدم حبس الانفاس من اجلها. العداء الشديد بين رئيس الحكومة الدبيبة ومن كان حتى الفترة الاخيرة رئيس مجلس الرئاسة الاسلامي، خالد المشري، وغياب قانون انتخابات متفق عليه، تضع في محل الشك الوساطة المرصوفة بالنوايا الحسنة للامم المتحدة، التي تسعى الى استكمال العملية السياسية.
الاحتمالية الواقعية، اذا وجدت، لحل المسألة الليبية تكمن بالذات في التطورات السياسية في الشرق الاوسط، ومنها ضمن امور اخرى، استئناف العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر. هاتان الدولتان المتعاديتان عملتا على جانبي المتراس، حيث إن مصر كما قلنا هي حليفة حفتر، في حين أن تركيا تقدم مساعدات عسكرية للحكومة المعترف بها.
وصلت المواجهات السياسية بين الدولتين الى الذروة بعد أن وقعت تركيا وليبيا في 2019 على اتفاق ترسيم الحدود البحرية. منح هذا الاتفاق تركيا مساحة بحرية كبيرة التي توجد في قلب المسار البحري بين مصر واوروبا، وهدد قدرة مصر على تصدير الغاز الى اوروبا. استئناف العلاقات بين القاهرة وانقرة يمكن أن يثمر عن حل لاتفاق الحدود البحرية، وايضا أن يقود الى التعاون بينهما، ويشجع على العثور على حل للقضية الليبية.
في كل ذلك إسرائيل ليست شريكة ومساعدتها غير مطلوبة. الى جانب ذلك، عندما يتحدث وزير الخارجية كوهين عن احتمالية التطبيع مع ليبيا فعن أي ليبيا هو يتحدث، ليبيا حفتر أم ليبيا الحكومة المعترف بها؟ أم عن التي تسيطر عليها المليشيات؟ للأسف، من دفع في هذه الاثناء الثمن هي وزيرة الخارجية المنقوش، وهي من مواليد كرديف وقانونية محترفة، يشمل مسار تأهيلها المهني الدراسة في الولايات المتحدة، حتى أنها حصلت على وسام تقدير من وزارة الخارجية الأميركية.

عن "هآرتس"