إسرائيل هي القاسم المشترك: المصالحة على المحك

145
حجم الخط
 

ولكن هذه المرة عقدت الحوارات في الدوحة، وعلى الرغم من أجواء التفاؤل التي كانت تلفها إلا أن الجمهور راقب الأخبار بقدر كبير من اللامبالاة وكأن الحديث يدور عن حدث في منطقة أخرى، والسبب في ذلك هو تكرار الاتفاقات وتكرار الإخفاقات والفشل، ولا يرى الناس تغيراً يذكر.

بطبيعة الحال لا توجد صحوة وطنية جديدة يمكن الإشارة إليها كدافع للذهاب مجدداً نحو حوارات المصالحة والوحدة، فكل الكوارث التي حلت بالقضية الوطنية وبقطاع غزة الذي يرزح تحت ظروف لا مثيل لها من حيث القسوة والسوء سواء بالحصار والعزلة عن العالم الخارجي، أو بطابع نظام الحكم السائد أو بالحروب المتعاقبة التي دمرت الكثير وحصدت خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات، كلها لم تستطع أن تدفع القائمين على الأمر لتغيير موقفهم من موضوع المصالحة الذي بقي أسير مصالح فئوية وشخصية ضيقة. 

وعليه فالجديد الذي طرأ مرتبط أكثر بالمصالح التي قد تدفع للتغيير. اللاعبون الإقليميون المؤثرون في تغيير موقف "حماس" هم تركيا وقطر وإسرائيل، فتركيا بدأت بإعادة التحالف الإستراتيجي مع إسرائيل ولم تعد قادرة على الإبقاء على التوتر الذي ساد العلاقات بين الطرفين بعد أحداث سفينة مرمرة وبعد التوصل إلى اتفاق مع تل أبيب يستثني مسألة رفع الحصار عن غزة، وبعد الأزمة في العلاقة مع روسيا على خلفية اسقاط القاذفة الروسية من نوع "سوخوي"، والصراع في سورية حيث تقف تركيا في الخندق المعادي لروسيا والنظام السوري، والآن تبدو امكانية وقوع حرب إقليمية ذات طابع دولي واردة بعد الإعلان عن نوايا التدخل البري من قبل السعودية وتركيا، وفي هذا السياق إسرائيل مهمة جداً لتركيا للتعاون العسكري وربما للتزود بالغاز بعد وقف المشروع الروسي لتزويد تركيا بالغاز وجعلها الموزع لأوروبا.

وبالنسبة لقطر فهي بدون شك على علاقة مميزة بإسرائيل وهي جزء من التحالف الدولي ضد سورية، وكلا الدولتين تركيا وقطر لا يريدان وضعاً تندلع فيه حرب بين "حماس" وإسرائيل، فالطرفان صديقان للإمارة، وهذه المرة قد تكون الحرب مختلفة نظراً لوجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل، فحتى لو كانت هذه الحكومة ترفض حتى اللحظة القيام بشن حرب على غزة بسبب الأنفاق، هناك تقدير بأن الحرب مسألة وقت.

هذا عدا عن أن الوضع في غزة لا يحتمل حرباً جديدة، في حين أن الدمار الذي أحدثته الحرب الأخيرة في غزة لم يتم إصلاحه. وقد تذهب إسرائيل بعيداً في استهداف سلطة "حماس". إذن أصبحت إسرائيل هي القاسم المشترك للعبة المرتبطة بالمصالحة ليس فقط من قبل اللاعبين الإقليميين، بل كذلك من ناحية السلطة الفلسطينية على ضوء تدهور وضعها على كل المستويات إلى درجة احتمال أن تتسبب السياسة الإسرائيلية بانهيارها أو بعجزها عن أداء وظيفتها تجاه المواطنين الفلسطينيين، على الرغم من وجود إرادة دولية لا تزال قائمة لمنع انهيارها. ولكن العامل الإسرائيلي المهم في صياغة المواقف لا يشكل وحده حسابات الربح والخسارة، ففي المرات السابقة ما منع الاتفاق أو تطبيق الاتفاقات هي صالح مركبة يختلط فيه الفئوي الحزبي ومراكز النفوذ والشخصي، وهذه لا تزال قائمة ولا ندري إن كانت هي الحاسمة أم لا. 

ومن المعروف أن "حماس" في النهاية تأتمر بأمر جماعة "الإخوان المسلمين" الدولية التي ترى في سلطتها في غزة النموذج الوحيد لحكم الجماعة على المستوى العالمي ولا تريد التخلي عنه، فهل يمكن أن تتنازل لحسابات أكبر وفي إطار احتمال أن تكون خسارتها أعظم لو استمرت على مواقفها.

وهل لرغبة تركيا وقطر في المصالحة بين "حماس" ومنظمة التحرير اللتين تريان فيها مظلة وحماية لـ"حماس" قدرة على اقناع الجماعة؟  

     والمسألة المهمة الأخرى التي تلعب دوراً في تحديد موقف "حماس" هي موقف جماعة غزة وهؤلاء لا يوجد بينهم إجماع، وهناك مجموعات ترى في المصالحة خطراً مباشراً على مصالحها، والمجموعة الأكثر تشدداً ترفض التخلي عن سلطة انتزعتها بقوة السلاح وقد لا تحصل عليها مطلقاً عن طريق الانتخابات أو الوسائل التوافقية.

والأنباء التي تحدثت عن التوصل إلى تصور عملي في محادثات الدوحة تناولت موضوع معبر رفح ونصت على تسليم المعبر لحرس الرئاسة مع بقاء موظفي "حماس" على وضعهم الحالي، وإذا صحت هذه الأخبار فهذا يبنبئ بعدم فتح المعبر لأنه يتجاهل المطالب المصرية الواضحة والقاطعة بعدم الرغبة في أي وجود لـ"حماس" وبأي شكل على المعبر، وهذا بدون شك سيكون أحد أكبر المعيقات لمسألة بالغة الأهمية للمواطنين في غزة. 

عدم ثقة المواطنين بأية تصريحات أو مواقف متعلقة بانجاز اتفاق حول المصالحة وامكانية تطبيقه الفعلي على الأرض له ما يبرره على ضوء التجارب السابقة منذ اتفاق مكة  والقاهرة والدوحة والشاطئ، ولكن في كل الأحوال لا بد من الاتفاق لأنه يشكل مصلحة وطنية عليا بغض النظر عن دوافع ومصالح الفرقاء، فوضعنا لا يحتمل البقاء في هذا الانقسام المأساوي، خصوصاً وأن إسرائيل تذهب نحو فرض أمر واقع يبقي الاحتلال على حاله، وفي هذا تتفق الحكومة مع المعارضة الرئيسية. 

ومواقف الأطراف المعنية والتصور الجديد ستكون موضع اختبار مع العلم أن الضرر سيكون أكبر لو فشلت هذه الجولة.