يا قُدْسُ لا تسألي إنْ غابَ أم حَضَرا
قد كان عشقاً سرى في القلب وانْهمرا
فأَشْعَلَ الأرضَ حتى باتَ ظاهرُها
بَرْقاً يُضوَّع موجَ البحرِ والشَّجرا
وصار باطنُها بُركانَ أغنيةٍ
يُجَنَّحُ الطيرَ والأنهارَ والحَجرا
فأَنتِ في حَمْأَةِ الشريانِ راهجةً
على نَجيعِكِ حتى يَبْلُغَ الأَثَرا
وينحني فوقَ حنّاءِ التراب إذا
حَنَّ الدمُ الحُرُّ في أعطافها وَتَرا
وينشرُ النّورَ في ديجورِ عَتْمتِها
حتى تَظلَّ شموسَ الكونِ والقمَرا
يا قُدْسُ يا عُرسَ مَنْ ناجت يمامتُه
على الشبابيك عُمْراً نازفاً سَفرا
أراكِ في ثوبكِ الرُّمّانِ طالعةً
على القبابِ لهيباً غامراً صُوَرا
وكنتُ أحْلمُ أنْ ألقاكِ، سيّدتي،
ورداً يُنادي، على غيماته، المَطَرا
فأنتِ أجملُ إنْ نادى الحصانُ على
أعرافِ مُهْرَته شوقاً وإنْ نَظَرا
وأنتِ يا قُدْسُ في النَّجمِ الذي سَكَبت
ماسَاتُهُ سُكَّراً للظبيِ إنْ سَكِرا
يا قلبَكِ الياسمين! اللهُ يعرفُه
ويعرفُ العينَ مَرْجاً والرُّموشَ ذُرى
والشَّعْرُ ليلةُ قَدْرٍ فاحَ إثْمدُها
على الجُروحِ.. ففاضَ الطَّيبُ وانتثرا
فأَنْتِ يا قُدْسُ صَحْنُ الجَمْرِ إنْ بعثوا
خُرافةَ الوَعْدِ والثلجَ الذي كَثُرا
وأنتِ بُرْعُمنا الموعودُ في حُلُمٍ
نراه بُسْتاننَا الآتي.. وقد بَدَرا
وأنتِ أكملُ مَنْ في الكون من بَلَدٍ
وأنتِ أوفى كتابِ الناسِ إنْ سُطِرا
فكلُّ داليةٍ في البيتِ عاشـقةٌ
وكُلُّ قَطْرةِ ماءٍ تنجلي دُرَرَا
وكلُ ظِلٍّ على الحيـطان نَحْسَبُهُ
بَدْراً إذا طافَ في الأناء أو خَطَرا
وكلُ ليمونةٍ في عُبّ خُضْرَتِها
تخالُها كوكباً بالغيم مُنْشَطرا
وكلُّ قنطرةٍ أكتافُ مَنْ نزلتْ
عليه آياتُه وَحْيَاً وإنْ جَهرَا
وكلُ مصطبةٍ، يمشي الرسولُ لها،
سَقْفُ السماءِ عُلُوَّاً، حيثما ظَهَرا
وكلُ بابٍ مِنَ الفردوس مَدْخَلُه
يرنو إلى جَنَّةٍ تعدو به نَهَرا
وكلُ مئذنةٍ يصحو الفؤادُ إذا
تَرنّمت سَحَراً بالحُسْنِ إنْ سَحَرا
وكلُ أجراسها أعيادُ مَـنْ جعلوا
صلاتَهم ليردّوا غَدْرَ مَنْ غَدَرا
وكلُ أمْلسَ في الجدرانِ ترفَعهُ
يدُ المدينةِ في وجه الردى جُدُرا
وكلُ طيرٍ شهابٌ من ندىً، وله
أنْ يحملَ الغارَ والراياتِ والخَبَرا
يا قُدْسُ يا اٌمرأةَ الأَحلامِ لا تقفي
قُدّي قميصي نبيّاً كنتُ أم بَشَرا
وَهيّئي لي جَمالَ المُلْكِ باذخةً
وَرَدّدي: هَيْتَ لَكْ! ولتُكْملي النُذُرا
حتى نذوبَ معاً في شمعةٍ، فإذا
حُمَّ الظلامُ نكونُ الضوءَ والشَّرَرا
فإنْ أشاعوا حريقَ العارِ أو هدموا..
وَحَفَّروا قلبَها المفطورَ وانْكَسَرا
وعبَّأوها بزَقّومِ الجحيمِ كما
ساقوا إليها جُموعَ الموتِ والزُّمرا
وَبدّلوا لونَ عينيها وغُرَّتَها
وغيّروا الدربَ والأسماءَ والسُّوَرا
وإنْ أقاموا لِفَصْلِ الروحِ مقْصَلةً
وباتَ صاحبُها في اللّحدِ أو أُسِرا
وَهَجّروا أهلَهَا ذَبْحاً ومَسْبغةً
وظلّتِ الُقدسُ في ويلاتِها عُمُرا
لَسَوفَ نبقى هنا في القدسِ، ما بقيت ..
وسوف نبقى قضاءَ اللّهِ والقَدَرا