المشروعان الأهم اللذان بادرتُ اليهما في النصف الأول من التسعينيات – مشروع "تغليت" ومسيرة أوسلو – هما، في نظري، وجهان للعملة ذاتها وان كانا ظهرا مختلفين في النظرة الأولى.
جاء "تغليت" ليعزز العلاقة بين الشبان اليهود في الشتات فيما بينهم وبين أبناء جيلهم الإسرائيليين. اما "أوسلو" فجاء ليؤدي الى اتفاق إسرائيلي – فلسطيني، بمركزه حدود دائمة تضمن الأغلبية اليهودية في إسرائيل على مدى سنين. أرى فيهما الاثنين عنصرين أساسيين في ضمان التواصل اليهودي.
بعد الانتخابات عين اسحق رابين بيريس وزيرا للخارجية، وعينتُ أنا في منصب نائب وزير الخارجية. خططت للقاء في أوسلو مع الزعيم الفلسطيني من شرقي القدس، فيصل الحسيني، في محاولة للتغلب معه على المصاعب التي وقفت في وجه الوفد الإسرائيلي وذاك الأردني – الفلسطيني في واشنطن. عندما طرحت الموضوع على بيريس لأخذ إذنه رأيت ان وجهه تبدل فلم يعد كما كان سابقا.
قرار سريع
سألته لماذا يمتعض فروى لي أنه حدد لقاء مع فيصل الحسيني (الذي درج على أن يلتقيه بين الحين والآخر)، لكن عندما اطلع رابين على ذلك، طالبه رئيس الوزراء ألا يجري هذا اللقاء.
فوجئت جداً، وعندها كشف لي بيريس سراً لو أني كنت اعرفه لما وافقت على ان أعين نائبه. اعتذر على أنه لم يطلعني قبل ذلك، واعترف انه شعر بعدم ارتياح شديد بأن يروي لي بأنه مقابل تعيينه وزيراً للخارجية عليه أن يعد رابين ألا يعنى بالعلاقة مع الولايات المتحدة وبالمفاوضات الثنائية مع الجهات العربية.
والآن كان يتعين علي ان اتخذ قرارا سريعا. لو اني رويت لبيريس عن نيتي اللقاء مع الحسيني لكان طلب أن امتنع عن ذلك لأن رابين كان سيقتنع بأن سفري كان بتكليف منه.
قررت الا اسافر الى أوسلو والا أُطلع بيريس على إمكانية إيجاد قناة في النرويج. صممت على ألا اعرض عليه وعلى رابين وجود القناة الا اذا كان في يدي ورقة متفق عليها بين الطرفين.
طلبت من صديقي د. يئير هيرشفيلد ان يسافر بدلا مني – وبدلا من الحسيني الذي لم يرغب في أن يصل الى أوسلو من دوني، اقترح النرويجيون ان يكون محادث هيرشفيلد احمد قريع (أبو علاء) "وزير المالية" الفلسطيني.
اعتراف تاريخي
القرار الأهم في اتفاق أوسلو كان الاستجابة لاقتراح أبو علاء وخوض مفاوضات لاعتراف متبادل بين م.ت.ف وإسرائيل. وجدت مسيرة أوسلو نفسها على المنصة بخلاف نيتي الاصلية لابقائها من خلف الكواليس.
الاعتراف التاريخي بين الحركة الوطنية اليهودية والحركة الوطنية الفلسطينية، بعد سنوات من البحث عن بدائل مثيرة للشفقة (رؤساء البلديات، "روابط القرى" وفلسطينيين ليسوا م.ت.ف، من جهة، حيال إسرائيليين ليسوا صهاينة، من جهة أخرى) كانت الهزة الأرضية الحقيقية لـ "اوسلو".
عن "إسرائيل اليوم"