انقلاب مختلف في الغابون...

خيرالله.PNG
حجم الخط

بقلم خيرالله خيرالله

الرجل القوي الجديد في الغابون، تلك الدولة الأفريقيّة الغنيّة والقليلة السكان، هو الجنرال بريس كلوتير أوليغي نغويما، قائد الحرس الجمهوري منذ عام 2021. لعب نغويما دوراً أساسياً في إزاحة الرئيس علي بونغو الذي تربطه به صلة قرابة، إضافة إلى أنّه من المنطقة نفسها.  

 

بات نغويما، خريج الكليّة العسكريّة الملكيّة في مدينة مكناس المغربيّة وهو معروف بسلوكه اللائق وحكمته، على رأس "اللجنة الانتقالية لإعادة المؤسسات". تشكلت اللجنة بعيد الانقلاب العسكري. أطاح الانقلاب علي بونغو الذي نظم انتخابات رئاسيّة على طريقته بهدف الحصول على ولاية رئاسية ثالثة على الرغم من سوء حاله الصّحية. ليس صدفة أن يكون الضباط الذين نفذوا الانقلاب على علي بونغو (اسمه الكامل علي بونغو أونديمبا) قد تذرعوا بـ"تزوير" الانتخابات الرئاسيّة كي يبرروا التخلص من الرئيس الغابوني. هناك جهات محايدة تؤكّد أن علي بونغو خسر الانتخابات الرئاسية أواخر آب (أغسطس) الماضي. ادّعى أنّه حصل على نحو 67 في المئة من الأصوات، فيما مَن حصل على نسبة 70 في المئة من الأصوات هو منافسه.  

 

يبدو الانقلاب العسكري في الغابون مختلفاً، عن ذلك الذي وقع في النيجر. يتبيّن يوماً بعد يوم أنّ انقلاب النيجر معاد بشدّة لفرنسا ولوجودها في هذا البلد الغني باليورانيوم والذي يعاني شعبه الفقر. في النيجر طرد الانقلابيون السفير الفرنسي. في الغابون ليس ما يشير إلى أن العلاقات بين ليبرفيل وباريس ستسوء في المستقبل. على العكس من ذلك، ثمة كلام عن تطمينات بعث بها الانقلابيون إلى باريس في مرحلة الإعداد لإطاحة علي بونغو.

 

قبل كلّ شيء، هناك صلة قرابة بين الرجل القوي في الغابون من جهة وعلي بونغو من جهة أخرى. من هنا، يبدو أنّ للانقلاب طابعاً عائلياً. ثمّة من تحدّث عن انقلاب داخل القصر الرئاسي. إلى ذلك، كان الجنرال نغيما بين المرافقين الشخصيين لعمر بونغو، والد علي بونغو، عندما كان الأول رئيساً للجمهورية في الغابون. ما لبث عمر بونغو أن ورّث نجله الذي سعى بدوره إلى توريث نجله أيضاً.

 

في كلّ الأحوال، كان البلد، ذو الثروة النفطية الكبيرة والذي لا يتجاوز عدد مواطنيه المليونين، في طريقه إلى الهاوية لاعتبارات عدة. أول تلك الاعتبارات أن علي بونغو غير مؤهل لتولي السلطة في ضوء إصابته بجلطة منذ عام 2018. كانت زوجته سيلفا، وهي نصف فرنسيّة، بمثابة "الرجل القوي" في البلد، وكانت تعدّ نجلها لوراثة والده، كي تبقى عائلة بونغو في السلطة إلى ما لا نهاية. انتهى عمر بونغو في الإقامة الجبريّة، كذلك نجله الذي كان يهيئ نفسه ليصبح رئيساً للجمهوريّة في يوم ما.

يطرح انقلاب الغابون أسئلة عدّة. من بين الأسئلة: هل سعت فرنسا في الغابون إلى تفادي ما حلّ بها في النيجر وقبل ذلك في بوركينا فاسو ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى؟

ليس ثمة ما يؤكّد ذلك، لكن الواضح أن فرنسا التي خسرت مواقع كثيرة في دول عدّة في منطقة الساحل الأفريقي أخيراً، تعمل من أجل وضع حدّ لمسلسل الانقلابات المعادية لها. تحظى تلك الانقلابات بدعم روسي، عبر مجموعة "فاغنر" وغير روسي عبر قوى تطمح إلى إيجاد موطئ قدم لها في دول أفريقية تمتلك ثروات طبيعية كبيرة.

 

من الباكر تحديد هل انقلاب الغابون نجاح فرنسي أم لا. الأمر الوحيد الأكيد أنّ مجموعة "فاغنر" بعيدة منه. ثمّ إنّ مستقبل مجموعة "فاغنر" على بساط البحث في ضوء مقتل زعيمها يفغيني بريغوجين أخيراً في حادث تفجير طائرته وهي في الجو بعد إقلاعها من أحد مطارات موسكو.

 

ستكشف الأيّام هل لا تزال لفرنسا أنياب في أفريقيا، خصوصاً بعدما رفض الرئيس إيمانويل ماكرون سحب سفيره من نيامي وإصرار الانقلابيين في النيجر على طرد السفير بالقوّة.

في نهاية المطاف، لا يمكن تجاهل أن انقلاب الغابون مختلف إلى حد كبير عن الانقلابات الأخيرة في دول أفريقيّة عدّة. جمع بين تلك الانقلابات العداء لفرنسا. أكثر من ذلك، كشفت تلك الانقلابات الفشل الأفريقي للسياسة الفرنسيّة في القارة السمراء. حصل تصدّع حقيقي للإمبراطوريّة الفرنسيّة في أفريقيا. في أساس هذا التصدّع غياب الوضوح الفرنسي واللجوء إلى المساومات والاسترضاءات التي لا طائل منها. لعلّ أهمّ مثل على ذلك السياسة الفرنسيّة الفاشلة المتبعة مع الجزائر، وهي سياسة ترفض التعاطي مع واقع يتمثل في أن العداء لفرنسا مادة يبرّر بها النظام الجزائري، وهو نظام تسيطر عليه مجموعة من الضباط، وجوده من جهة وسعيه الدائم إلى تصدير أزماته الداخليّة إلى خارج حدوده من جهة أخرى.

 

قد تكون أهمّية الانقلاب الذي وقع في الغابون في أنّه يمكن أن يشكّل منعطفاً على صعيد محاولة السياسة الفرنسيّة إعادة تأهيل نفسها في أفريقيا. وحدها الأيّام ستظهر ما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا. أمّا بالنسبة إلى الغابون نفسه، فيبقى الأمل في تفادي الضباط ما حدث في كل بلد وضع العسكر يدهم عليه. هل يتفادى ضباط الغابون استمراء السلطة فيسعون إلى عدم البقاء فيها إلى ما لا نهاية... أم يعودون إلى ثكناتهم في أسرع ما يمكن حفاظاً على المؤسسات الرسميّة وصيانة لبعض الديموقراطيّة؟