عن المؤتمر الثامن أيضاً

تنزيل (13).jpg
حجم الخط

بقلم عاطف أبو سيف

 

 

 

استكمالاً للنقاش الأسبوع الماضي حول أهمية مواصلة حركة فتح العمل على عقد مؤتمرها الثامن، فإنه بقدر كون وجود فتح كما أسلفنا ضرورة وطنية فإن انتظام عقد مؤتمراتها أيضاً ضرورة وطنية للدور الكبير الذي تقوم به فتح في صياغة وتطور الحركة الوطنية.
فطالما كانت قيادة فتح هي القيادة الطليعية للشعب الفلسطيني منذ قرابة ستة عقود، وطالما كانت مواقف فتح هي التوجهات المركزية للخطاب الوطني وطالما كانت توجهات القيادة الفتحاوية هي اختصار واضح وتعبير أوضح عن الموقف الوطني.
وبنفس القدر فإن استمرار العملية الديمقراطية في فتح وانتظام تجديد هيئاتها التنظيمية المختلفة يشكل أيضاً إعادة تجديد لمفاصل أساسية في النظام السياسي الفلسطيني.
منذ انطلاقة فتح وحين نجحت «العاصفة» في إطلاق اللهب الذي سيضيء درب الفلسطينيين، حافظت فتح بجدارة على ريادتها للمشروع الوطني التحرري الذي يسعى لاستعادة الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني المتمثلة في عودته لبلاده وإقامته دولته.
وبطريقة خاصة بـ»فتح» نجحت الحركة في التكيف مع الظروف وفي تقديم الوصفات والمعالجات عبر الحلول المختلفة التي تكفل الحفاظ على نفس الأهداف حتى لو اختلفت الطرق والسبل. وهي بذلك نجحت في تجاوز كل الأزمات التي من شأنها أن تعصف بأكبر الأحزاب خاصة مع التحولات والانزياحات التي ضربت المنطقة العربية والمشروع العربي أو تلك التي مست بنية النظام الدولي بعد اندثار جدار برلين وتفكك المعسكر الشرقي الذي كان الشعب الفلسطيني حكماً جزءاً منه، وكانت منظمة التحرير بالضرورة أحد فاعليه في المنطقة العربية.
لقد تماسكت «فتح» في زمن تفككت فيه كل التنظميات العربية الكبرى وبقيت منظمة التحرير في وقت آل فيه الكثير من الدول إلى السقوط والانزياح والاختفاء عن الخريطة، بل إن لحظة التراجع الكبرى التي يطيب للبعض أن يصف فيها انخراط منظمة التحرير في عملية السلام واتفاقية أوسلو أنتجت سلطة وطنية صحيح أنها أقل من دولة لكنها كيانية حافظت على وجود الشعب الفلسطيني وأعطته هوية جديدة تصلح لأن يصبح عبرها عضواً في المنظمات الدولية وترفع تطلعاته من مجرد قتال وصراع إلى اشتباك يومي من أجل تجسيد السيادة.
وربما أن فتح مع كل ذلك خسرت الكثير وأثارت نقمة البعض ووجدت نفسها في معارك جانبية مع البعض الآخر، لكنها مع ذلك لم تتخلَ عن أهدافها ولا عن غايات نضالها التحرري وتحملت في سبيل ذلك النقد والتجريح.
وللمفارقة فإن فتح حتى حين تخسر الانتخابات التشريعية من تنظيم اعتبرها محرمة شرعاً قبل عقد من الزمن تظل مع ذلك التنظيم الأول والأكثر شعبية، وأيضاً حين تخسر معركة السيطرة على غزة خلال الانقلاب في حزيران 2007 تظل مع ذلك التنظيم الأكبر والأكثر استقراراً في قلوب الجماهير.
وربما، وهذا من باب اليقين، فإن فتح عرفت دائماً كيف تكون في الموقف الصحيح وتسعى نحوه.
هذه بعض من أسرار البقاء الفتحاوي، الأسرار التي جعلت فتح كل شيء بالنسبة للشعب الفلسطيني وجعلت مَن لا تنظيم له ومن لا أيديولوجيا له يؤمن بالفطرة أن فتح هي حزبه وهي أيديولوجيته وهي فكرته عن فلسطين وهي الطريق التي يعرفها وإن لم يكن قد سلكها نحو تحرير البلاد.
وكما يطيب للفتحاويين أن ينظروا إلى الحركة التي آمنت بفلسطين فقط وبالقتال من أجلها، فإن فتح هي الاستجابة الحقيقية للشرط الفلسطيني وهي الإجابة الأوفى لكل الأسئلة الوجودية التي تواجه شعب فلسطين.
إن هذا الفهم والتوجه الفتحاوي يجب أن يظل المحرك الأساس في النضال من أجل الحفاظ على الحركة والحفاظ على وجودها والنضال من أجل استمرارية رياديتها للحركة الوطنية. هذا يجب أن يشمل تطوير برامج قادرة دائماً على قراءة الواقع الفلسطيني والاستناد إليه في صياغة الوعي الفتحاوي في المرحلة المقبلة.
فتح لا تنظّر ولا تقول شعارات كبيرة ولا تقترح حلولاً من الفضاء ولا تسعى نحو المعجزات بل تعمل بكل يقين وضمن نطاق الممكن والمعقول وقدرات شعبنا من أجل مواصلة الطريق.
إن حقيقة أن شعبنا لم يختفِ بعد النكبة ولم يندثر ولم يتحول إلى جماعات غريبة تتجانس مع محيطها، وحقيقة حفاظه على حقه وعلى روايته ومناداته بها وعمله من أجل تعميمها ونشرها هي بحد ذاتها بذرة الانتصار في المستقبل وهي نقطة الانطلاق نحو مواصلة الطريق.
«فتح» بحاحة لتقديم أفكار جديدة مستندة أيضاً إلى فكرتها الوحيدة حول فلسطين القائلة إن البلاد لنا، أفكار تعالج الواقع وتنظر إلى أخطاء الطريق وعثرات المسيرة وتستجيب لبعض التحولات الحقيقية في وعي الناس وفي تصوراتهم الحديثة لأن الحياة تتطور ومنظور المواطنين يتغير.
كما أن ثمة سياقات جديدة نتجت شملت المزيد من التشتيت في الشتات بفعل الحروب داخل الدول العربية ما يخلق حاجة نحو تطوير مفاعيل جديدة للحفاظ على الحالة الوطنية كشيء متكامل ومن أجل تقديم برامج تمثيلية تضم الكل ضمن نطاق مؤسسات النظام السياسي والوطن المعنوي الذي تمثله منظمة التحرير.
ويجب في كل الأحوال أن تبدو «منظمة التحرير» جملة مفتاحية في برامج فتح المستقبلية ضمن مخرجات المؤتمر الثامن للحركة. فالمنظمة يجب أن تظل الوطن المعنوي ويجب أن يتم استحداث برامج أوسع حتى يتم إشراك الجميع، وللحقيقة فإن الجميع يجب أن تعني «الراغب» لأن هناك من سيرفض أن يكون جزءاً لأن حالته قائمة على مخالفته، ولكن هناك من يمكن أن يتم التحالف معهم حتى وإن اختلفت الرؤى وتنوعت البيانات.
فتح وحدها دون غيرها يجب أن تكون أشد حرصاً على مواصلة منظمة التحرير لدورها الريادي والتمثيلي لشعبنا وعليها أن تجد الطريق لذلك مهما كان الثمن، لأن المنظمة أيضاً تستحق أن نسعى من أجل بقائها، فإذا كانت فتح ضرورة وطنية فإن المنظمة هي التجسيد المعنوي للوطن المرغوب.