أوراق التسوية.. بيد من؟|

08131783070030779318284182254500.jpg
حجم الخط

بقلم: نبيل عمرو

الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وضع نظرية ثبتت صحتها حين افتتح مسار السلام المصري الإسرائيلي، عبر الراعي الأمريكي، وأفضى إلى توقيع معاهدة السلام مع أكثر الزعماء الإسرائيليين يمينية وتشدداً مناحيم بيغن.

النظرية اختصرها الرئيس الراحل بجملة قصيرة، "إن تسعاً وتسعين بالمائة من أوراق الحل بيد أمريكا".

في كامب ديفيد، وتحت الرعاية والتدخل المباشر من قبل الرئيس جيمي كارتر، أظهرت الخلاصات التي تم التوصل إليها بعد محادثات شاقة، أن الواحد بالمائة الإسرائيلي لم يصمد أمام التسعة والتسعين الأمريكية، فأذعن بيغن، وانتهى الأمر إلى ولادة اتفاقية ثنائية غيرت مجرى التاريخ في الشرق الأوسط.

غير أن ما ثبت صلاحه في ذلك الزمن، "زمن الثلاثي كارتر – السادات – بيغن"، لم يعد صالحاً في الزمن الحاضر وتحديداً على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي الذي ولد على يد القابلة الأوروبية ومعه التزام من إدارة كلينتون بإنجاحه، ليكون حجر زاوية لسلام أعمّ وأشمل، يُنهي النزاع العربي الإسرائيلي.

ما بين زمن الثلاثي كارتر – السادات- بيغن، وزمن الثلاثي عرفات – رابين – كلينتون، جرت في الأنهار مياه كثيرة وسالت من جسد المنطقة دماء غزيرة، ورغم توقف حروب الجيوش النظامية مع إسرائيل، فإن حروباً ثانوية داخلية وإقليمية اشتعلت، وكانت أطولها الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، التي ساحتها فلسطين ولبنان. وأعظمها الحرب العراقية الإيرانية التي تلتها الحرب الدولية التي جهزتها الولايات المتحدة وأدت أخيراً إلى نهاية صدام، ووضع العراق أمام تحدٍ مصيري ما زال يعيشه ويجاهد بصعوبة للخروج منه سالماً.

في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يعتبر لب الصراع في المنطقة ثبت وعلى مدى زمني ليس بالقصير، أن التسعة والتسعين بالمائة من أوراق الحل انتقلت إلى يد إسرائيل، وفي هذه الحالة لا ينفع الواحد بالمائة إلا بما يكفي لأن تظل الدولة العظمى على تماس مع الحالة، دون قدرة كافية على فعل جدي.

ربما يقول قائل إن أمريكا هي أم إسرائيل، وهي مرضعتها منذ الطفولة حتى الفطام، بل إنها درة التاج الأمريكي، والذراع الاستراتيجي الأول لها في الشرق الأوسط، وهذا قول صحيح ولا يحتاج إلى براهين لإثباته، غير أن الأمور في الشأن الفلسطيني لا تقاس هكذا في مؤسسات صنع السياسات والقرارات في أمريكا، وذلك بحكم طبيعة العلاقة بين المرضعة والرضيع، وقبول أمريكا لمعادلة أن فلسطين شأن إسرائيلي داخلي، وبالنتيجة فإن فلسطين ليست مصر التي تمتلك مقومات استراتيجية تجعل من احتفاظ إسرائيل بسيناء أمراً مستحيلاً، خصوصاً بعد حرب أكتوبر 1973، التي وإن لم توفر انتصاراً مصرياً كاملاً إلا أنها أنذرت بحرب أوسع وأشمل إن لم تجد حلاً.

بعيداً عن نظرية المؤامرة، وبمنطق الحسابات، فأمريكا تفضل لو توصلت في كامب ديفيد الثانية وما سبقها وما تلاها إلى حل. فما الذي تتضرر منه لو انسحبت إسرائيل من الأراضي المحتلة، وقامت دولة فلسطينية مستقلة، فالأمر كله سيكون داخل الوعاء الأمريكي وضمن نفوذه، وما الذي تتضرر منه أمريكا وهي تقيم علاقات تحالفية مع العرب، يوفر حلُ القضية الفلسطينية حالة من الاستقرار ينعم به الحلفاء جميعا، وتنهي به اضطراباً متواصلاً في واحدة من أهم مناطق مصالحها في العالم.

غير أن الأمر أيضاً ليس كذلك بشأن العلاقة مع إسرائيل؛ فليس كل ما تملكه الدولة العظمى من قوة ونفوذ يمكن أن يوفر إذعاناً إسرائيلياً لأوامرها في هذا الاتجاه أو ذاك، فالوضع الإسرائيلي داخل أمريكا ومؤسسات صنع السياسات والقرارات يسمح لمن كان نفوذها في المسألة المصرية واحد بالمائة أن يكون نفوذها في المسألة الفلسطينية تسعاً وتسعين، وهذا ليس استنتاجاً، بل هو حصيلة تجربة عملية لجميع التدخلات الأمريكية في المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، ومثلما تمتلك أمريكا حق النقض في مجلس الأمن ولا تستعمله غالباً إلا في الشأن الفلسطيني، فإسرائيل تمتلك حق النقض على أي أمر لا يعجبها في السياسية الأمريكية تجاه الفلسطينيين، واسألوا إن أحببتم وزير الخارجية جون كيري، الذي تفرغ لأكثر من سنة لإعادة المسار السياسي إلى سكّته، وعاد خائباً لبلاده وإدارته، معلناً أن إسرائيل من أعاقت فرص النجاح.

هذا هو الحال.. التسوية المنصفة نسبياً للفلسطينيين، لن تمر من البوابة الأمريكية "إلا إذا سمحت إسرائيل بمرورها"، والجميع يعرف جيداً ما الذي تسمح به إسرائيل، وما الذي تمنعه.

الفلسطينيون يعرفون ذلك جيداً، وتعرفه كذلك سلطتهم التي لا تمتلك قدرة على التصرف وفق ما تعرف.

 في شأن المنطقة، إسرائيل شريك لأمريكا، وفي الشأن الفلسطيني إسرائيل صاحبة القرار.